بعد هذا الزمن الطويل من بداية الثورة السوريّة والربيع العربي الذي غيّر ملامح المنطقة إلى الأبد، وبعد أكثر من سنتين على ثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث في البلاد، فقد حصلت تقلبات عسكرية وسياسية كثيرة في العقد الماضي. توسعت مناطق وتقلّصت أخرى. ارتفعت توقعات وانخفضت أخرى، إلى أن استقر المشهد السوري على تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ ثلاث: واحدة تحت سيطرة حكومة ميليشيا أسد بدعم روسي وإيراني، وثانية تحت إدارة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية (من الكومبارس والتبع العرب) بدعم أمريكي لحراسة آبار النفط، وثالثة، تحت سيطرة فصائل مقاتلة وإسلامية بتأييد تركي.
جمود على خطوط التماس
الجمود على خطوط التماس بين الجبهات الثلاث، مضى عليه أكثر من سنتين، وهي أطول فترة تستقر فيها السيطرة الجغرافية منذ بداية الثورة السوريّة، وتقوم هذه المناطق على مدن وقرى وأحياء مدمّرة، تغييرات ديموغرافية، نازحين ولاجئين. أكثر من 12 مليون شخص تركوا بيوتهم، هم نصف عدد السكان السوريين. أيضًا، هناك أكثر من سبعة ملايين شخص غادروا البلاد، بينهم أكثر من مليون إلى الدول الغربية.
يعرف السوريون، معظمهم أو بعضهم، أنهم خارج اللعبة والقرار في بلادهم، وأن سوريا تحولت من لاعب إلى ملعب. كل طرف منهم يراهن على مفاجأة يحملها حليفه العسكري الخارجي، وعلى نكسة تضرب خصمه المحلي بأدوات خارجية. بين الضربة والنعمة، يسهر السوريون في قعر المعاناة وينامون في الظلام... بانتظار الفرج.
والآن ومع بداية الزيارات الدولية التي بدأت تظهر منذ فترة قصيرة، ومع ظهور ملامح تحالفات جديدة في الشرق والتي لم تتبلور بعد، فمن جهة صعود مؤشّر العلاقات الخليجيّة التركيّة، وتفاهمات تركيّة إيرانيّة، ومحاولة إنشاء محور أردني مصري سعودي، كل هذا يدفع بالمنطقة نحو وجهةٍ غير معهودةٍ لأحد، وجميع أقطابها تتشكّل على مقربةٍ من سوريا، البلد المُنهك والمليء بالأوراق الرابحة، الّتي تقسّمت في أيادي اللاعبين، كلٌّ منهم يلقي بأي ورقةٍ بما يشاء ومتى يشاء.
ماذا عن الملف السوري؟
إنّه من المؤلم جدّاً لكل إنسان حرّ في هذا العالم أن يشاهد اختزال أكثر من مليون شهيد وملايين المهجرين والنازحين، ومئات المخيمات الّتي تغطّي الشمال السوري والجنوب التركي، إضافة إلى بلد مدمّر بأكمله، من المؤلم أن يُختزل في ملفّ جانبيٍّ، ربّما يضيع بين كميّة الملفات المعروضة على الطاولة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما أهمية الإشكالية السورية بالنسبة للسعوديّة الّتي لديها من المشاكل ما يكفي إن كان في اليمن أو المفاوضات النووية مع إيران، ناهيك عن انشغالها في أزمة الطاقة العالميّة وبرود العلاقات السعودية الأمريكية؟ أيضاً بالنسبة لتركيا فهي من جانب آخر مطمئنة لما آلت إليه الاوضاع في سوريا، وقد استخدمت الكثير من أوراقها لتحقيق الكثير من المصالح والأرباح.
فإن كان الشعب التركي يتطلّع من خلال الزيارة إلى انتعاش اقتصادي وإعادة للدور التركي في الشرق الأوسط، وإن كان الشعب السعودي يعيش في حالة رفاهية إبان حكم الدولة السعودية الثالثة، والتي أبدت رديكالية كبيرة في الكثير من الملفات… فربّما السوريُّ يتطلّع لانفراجة في قضيّته، لكن أيّ انفراج؟
هل من الممكن أن يطرح الطرفان قضيّة الإطاحة بالنظام السوري؟ أم حثّ العالم على إبداء قطيعة أكبر معه؟ أم يعملون على تحسين ظروف اللاجئين؟ أم العمل على حماية الإنسان السوري سواء في تركيا أو شمال سوريا؟
لا أحد من السوريين يتطلّع إلى هكذا آمال واهية، فبعد سنوات طويلة كان زمام الأمور والقوة في اليد الخليجية واليد التركيّة، ولكنّهم أسلموه إلى الضياع، وقتها كان من الممكن أن يحدثوا أيّ تغيير كبير بأقل خسائر ممكنة، لذلك فإن التغيير الآن أكثر صعوبة من سابقه، وجميع الدول التي تعيد علاقاتها مع بعضها منشغلة بشيء مختلف عمّا ينشغل فيه الإنسان السوري…
ولهذا فلا أحد من السوريين يعوّل الآن على شيء سوى على الأمل الّذي وضعه الله في قلوبنا، وعلى العدالة الإلهيّة التي هي وحدها تستطيع أن تنصف هذا الشعب المعذّب.
هل المملكة وتركيا قادرتان على التغيير؟
إنّ من يدّعي أن الملف السوري بات أكثر تعقيداً وأصعب من أن تغيّر فيه تركيا والسعودية فقط، موعزاً ذلك إلى وجود قوى كثيرة وكبيرة متداخلة، فهناك إيران والولايات المتحدة وروسيا وكذلك إسرائيل، أضف إلى كل ما تقدم الواقع المزري لمؤسّسات المعارضة، لذا يُستبعدُ ظهور انعكاسات مباشرة وسريعة لهذه التحالفات الجديدة على الملف السوري، فإنّه تبرير يحاول من خلاله أن يريح نفسه من عبء الأمل، وعلى الرغم من أنّ للتجاذُبات الإقليمية والعربية أثراً سلبياً كبيراً على الثورة السورية، وربما كان للجغرافيا السياسية السورية دور كبير في ظهور هذا الأثر بشكل واضح في كل مراحل الثورة السورية، فإنّ دولتين إحداهما لديها نفوذ عسكري والأخرى لديها قوة اقتصادية وسياسية تستطيعان أن تؤجّجا الشعور العالمي من خلاله، وتجمعا الكثير من القوى بأقل تكلفة حول تحرّك معيّن للضغط على الدول الداعمة للنظام السوري، هذا إن أردنا تغيير ما هو واقع، ربّما التغيير الحالي الذي سيطفو على السطح بالنسبة لسوريا هو ملف قسد، الذي يشكل إزعاجاً لتركيا، إذ من الواضح أن السعودية ستدفع كما تفعل الولايات المتحدة، بقسد إلى الجلوس مع تركيا، والإصغاء لمطالب أنقرة، وهذا ما بدأ يطفو على السطح، وخاصة بعد أن باركت إيران شن عمليّة عسكريّة تركيّة داخل الأراضي الشرقيّة لسوريا، وربّما تعاود السعودية دعم المشاريع الإغاثية والتنموية في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، بعد أن كانت السعودية من الدول السبّاقة في دعم المجالات الإنسانية والإغاثية في مناطق سيطرة المعارضة، وهناك شبه اعتقاد أنها ستعاود دعمها.
كل ذلك بغضّ النظر عن السياسة اللبنانيّة الجديدة الّتي بدأت بيروت بانتهاجها وذلك بعد خطاب نجيب ميقاتي الّذي بدأ كغيره من السياسيين بجعل اللاجئين السوريين شمّاعة يعلّق عليها فشله، محاولاً بذلك الضغط القائم على "المال مقابل اللاجئين" لعلّه يستفيد من آخر أوراقه حيث إنّ بلاده ذهبت بعيداً في دوامة انهيار اقتصادي إبان سيطرة السياسة الحزبيّة الإيرانيّة على البلاد… تلك الدوامة الّتي لن يُخرجه منها كل لاجئي الأرض وليس السوريين فقط.
إنّ إعادة دعم المناطق المنكوبة في سوريا ربّما يحسّن من الواقع الإنساني قليلاً، لكنّه من المؤكّد لن يحلّ أي مشكلة كبرى، كمشكلة وجود النظام السوري، ولن يخلّص السوريين من الواقع المجنون الّذي يعايشونه منذ سنوات طويلة، وكذلك فإنّ حل مشكلة قسد بالنسبة لتركيا وإجبارها على الجلوس مع تركيا وتقديم تنازلات لضمان عدم تهديد قسد للأمن القومي التركي، هو حلّ لمشكلة تركيا فقط وليس للسوريين.. وحل أيضاً لكل الدول التي دخلت في هذا التحالف الجديد بقيادة المملكة العربيّة السعودية.
ربّما يحق لنا أن نأمل من زيارة تركيا للسعودية، ومن زيارة السعودية لمصر وتركيا والأردن، وأمريكا وأوروبا… حتى من زيارة رئيس الغابون إلى زيمبابوي، ونتعلق بأمل الخلاص الناتج عن هكذا زيارات، لكن من الواضح هو عدم وجود نوايا دوليّة ولا حتى إقليميّة لإزعاج بشار الأسد حتّى بكلمة….
التعليقات (3)