هل يمكن أن تشكّل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ملاذاً للمضطهدين السوريين؟

هل يمكن أن تشكّل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ملاذاً للمضطهدين السوريين؟

شكلت الدعوى التي أقامها لاجئ سوري على السلطات التركية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية وصدور حكم قضائي عنها لصالحه، سابقة مهمة يجب الوقوف عندها وتحليلها، باعتبار أن مضمون الحكم الصادر عنها اعتبر أن قيام سلطات الهجرة التركية بترحيل لاجئ سوري قسرياً على الرغم من أنه مشمول بنظام الحماية المؤقتة منذ العام 2018 يُعدّ إجراء غير قانوني وانتهاكاً واضحاً لحقوقه، وأن تلك السلطات مارست عليه معاملة مهينة لكرامته الإنسانية ولم تمتثل للموجبات القانونية حتى المنصوص عليها بالقانون الوطني وحرمت المدّعي من حريته ومنعت عنه فرصة ممارسة سبل الانتصاف المقررة قانوناً للطعن على قرار ترحيله .. فهل يُعتبر هذا الحكم القضائي سابقة يمكن استلهامها أو الاقتداء بها من قبل لاجئين سوريين آخرين يعتبرون أنفسهم قد ظُلموا ورُحلوا قسراً ومورست بحقهم إجراءات غير قانونية؟.

  بطبيعة الحال يفرض قانون الحماية المؤقتة ابتداء على السلطات التركية عدم إجبار أحد “ممن هم مشمولون بنظام الحماية” على العودة إلى البلد الذي فرّ منه أصلاً ملتمساً ملاذاً آمناً لنفسه أو لعائلته ، كما وتفرض الالتزامات القانونية الدولية للدولة التركية احترام موجبات المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عموماً وحقوق اللاجئين خصوصاً .. وبالتالي فأي إجراء أو سلوك يخالف تلك الموجبات هو انتهاك للقانون الوطني أولاً ولما التزمت ووقّعت عليه الدولة التركية نفسها من مواثيق دولية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ( إكراه اللاجىء على التوقيع على مايسمى بورقة العودة الطوعية – أو احتجاز اللاجىء ومنعه من إخبار أهله أو التواصل مع محاميه – أو عدم إتاحة السبيل له للاعتراض على قرار ترحيله قسراً أمام المؤسسات القضائية المختصة – أو اعتقاله وتقييده ومعاملته معاملة مهينة وحاطّة لكرامته الإنسانية .... ) . 

ولأجل الإحاطة بسبل الوصول الى الانتصاف القضائي واللجوء لمرحلة التقاضي أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية من المهم معرفة ماهية تلك المحكمة ومتى وكيف يمكن اللجوء إليها. 

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هي أعلى هيئة قضائية في قارة أوروبا وتتخذ من مدينة ستراسبورغ في شمال شرق فرنسا مقراً لها ، وتتمثل مهمتها في ضمان احترام الحقوق الأساسية لنحو 830 مليون شخص يعيشون في الدول الأعضاء الـ47 لمجلس أوروبا ( وهو كيان آخر مختلف عن الاتحاد الأوروبي ) وقد تأسست تلك المحكمة عام 1959 ، وهي تضم ممثلين عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ، إضافة لدول أخرى مثل تركيا وأرمينيا وروسيا، وهي تستند في أحكامها على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950. 

 وبالطبع يمكن لأي شخص استنفد سبل التقاضي في المحاكم الوطنية بالدولة التي يقيم فيها، أن يلجأ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، وذلك ينطبق على المواطنين والمقيمين وحتى الأطفال الأجانب القصّر غير المصحوبين مع ذويهم وطالبي اللجوء الذين لايستطيعون الحصول على حقوقهم أو تُنتهك في الدول الـ47 الأعضاء في مجلس أوروبا، وتركيا عضو في هذا المجلس. 

 إذاً من المهم معرفة أن اللجوء لتلك المحكمة يجب أن يسبقه استنفاد لكافة الطرق القانونية المتاحة أولاً في بلد الإقامة ( كاللجوء للمحكمة الإدارية مثلاً للنيل من قرار الترحيل وكذلك استنفاد سبيل اللجوء للمحكمة الدستورية وهي آخر سبل التقاضي الممكنة في بلد كتركيا على سبيل المثال ) وفي حال لم يحصل المتظلم على قرار يشعره بالرضى والإنصاف، يمكنه بعدها أن يسلك سبيل تلك المحكمة وإلا قوبل طلبه بالرفض. 

ومن المهم في هذا السياق التنويه أن من يلجأ لتلك المحكمة ليس ملزماً بتوكيل محامٍ للقيام بالأمر، ولكن بالنظر للشروط الشكلية والموضوعية الصارمة التي يجب توفرها عند ملء الطلب فإنه يُنصح باللجوء لمحامٍ مختص وذي خبرة في هذا المجال، لأن عدم استيفاء تلك الشروط عند تقديم الطلب ( الذي يمكن الحصول عليه وتحميله من رابط المحكمة على الويب http://www.echr.coe.int/Pages/home) يمكن أن يؤدي لرفض الطلب كلياً وإهداره كما ويتعذّر إعادة تقديم طلب جديد بذات الشأن. 

 وعندما تقضي المحكمة برفض الملف المقدّم لها بعد دراسته، فهي لا تقدم سبباً لهذا الرفض وبالتالي فقرارها غير قابل للطعن به، كما لايمكن أيضاً تقديم ملف جديد بنفس الواقعة مرةً أخرى إعمالاً لقاعدة عدم جواز النظر بنفس الحق مرتين. 

أما إذا صدر حكم لصالح الجهة المدّعية فهو بالتأكيد ملزم للدولة التي صدر الحكم ضدها لكونها أصلاً من الدول التي سبق أن وافقت على الخضوع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والامتثال لأحكامها من خلال التصديق عليها، حيث يحال القرار الصادر عن المحكمة إلى ( لجنة الوزراء وهي هيئة ديبلوماسية داخل مجلس أوروبا ومكونه ممثلون عن الدول الأعضاء) حيث تصبح لجنة الوزراء هي المسؤولة عن التواصل مع الدولة المعنية للطلب إليها تنفيذ هذا القرار . 

والسؤال الآن هل يمكن أن تشكل تلك المحكمة ملاذاً لأولئك اللاجئين السوريين الذين تم انتهاك حقوقهم الأساسية أو ممن يفترض أنهم كانوا عرضة لهذا الانتهاك، وهل لديهم الإمكانية فعلياً على أرض الواقع لفعل ذلك؟ 

 بطبيعة الحال وبحسب مايتوفر لدينا من معلومات فإن السوريين ممن يتم ترحيلهم قسراً أو لمجرد ارتكابهم مخالفات لاتوجب قانونياً ترحيلهم ، قلّما لجؤوا للقضاء للنَيل من قرارات ترحيلهم وذلك للكثير من الصعوبات التي يواجهونها في هذا المجال، وفي مقدمتها الصعوبات المالية باعتبار أن اللجوء للقضاء يستوجب توكيلَ محامٍ يجب أن يقوم بعمله على وجه السرعة لضيق الزمن القانوني المتاح للاعتراض على قرار الترحيل، وهذا العمل لايقوم به المحامي مجاناً بل بمقابلٍ مالي ليس بقليل وهو ما لا يملك اللاجىء ترف تقديمه بالإضافة لقلة المتطوعين في هذا المجال وكثرة أعداد الموقوفين المقرر ترحيلهم .. كما إن سلطات الهجرة تملك الحق القانوني بإبقاء المقرر ترحيله محبوساً في مراكز الترحيل لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة لحين الفصل بالطعن المقدم على قرار الترحيل ، مالم تقرر محكمة صلح المنطقة إطلاق سراحه من محبسه لحين الفصل بالدعوى من المحكمة الإدارية، وبالنظر للوضع المزري الذي يعيشه اللاجىء المقرر ترحيله في مخيم الترحيلات فإنه غالباً مايستسلم لقدره ويفضّل الترحيل على البقاء سجيناً.

مع ذلك فإن هذه الأوضاع يجب أن لاتحبط أولئك الأشخاص المنتهكة حقوقهم وألَّا تقوض جهودهم للبحث عن الحماية القانونية والدفاع عن حقوقهم القانونية والإنسانية بشتى السبل، وعلى الوجه الآخر فإن الأمل يبقى معقوداً على أولئك المؤمنين حقاً بحقوق الإنسان والمدافعين عنها من رجال القانون والمنظمات الحقوقية التي تملك الإمكانات والموارد اللازمة للنهوض بهذا الدور، فنصرة حقوق اللاجئين شرف لا يدانيه شرف لأنهم الفئة المستضعفة والعاجزة عن الانتصار لنفسها وحقوقها .. فاللاجئون في تركيا صاروا اليوم وبسبب سياسات التضييق عليهم والبيئة النابذة لهم صاروا أحوج الناس لطلب الحماية القانونية والقضائية حتى مداها الأخير في ردهات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.  

  

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات