من يحدد الموعد.. ويرسم لنا طقوس العزاء؟!

من يحدد الموعد.. ويرسم لنا طقوس العزاء؟!

يختلط علينا الأمر، هذا وطنٌ أم حقل ألغام؟! زعامات سياسية وأنظمة، أم قبيلة من الديكة تتناقر وتتناهش وتتذابح وتتناطح، وحين ينجلي غبار معاركها نكتشف أننا نحن الذين تعرضنا وحدنا للنهش والركل والضرب والاختناق!

هذه جمهورية أم غابة!

الفقراءُ أرانب الحياة،.. فئران التجارب والمختبرات،.. ما أروع القبور، وحدها بيوتٌ لا يقصدها جباة الهاتف والكهرباء،.. ولا تصل إليها محطات الأخبار،.. ولا يصحو قاطنوها صباحاً ليكتشفوا أن شمس الفرح لا تصل إليهم إلاّ بمرسوم،.. وأن الرزق لم يعدْ من عند الله،.. بل صار من عند الوزير فلان والمسؤول علتان!..

هذه دولة أم مسرح يختص بالعروض السوريالية والفانتازيا،.. على المنصة والشاشات خطابات تعدنا بالعسل والزبيب، وفي الكواليس مخالب تتوعدنا بالانقضاض على ما تبقى من أجسادنا وأرواحنا الناحلات.

وما ينطبق على سورية اليوم بهذا الخصوص ينطبق تماماً على لبنان الراهن، فكلاهما مرتهنٌ ومبيع لخارج وخوارج من كل التصانيف والأنواع، والشعب في كلا البلدين في القاع ذاته والأسر عينه، وليس هناك إطلاقاً ما يدعو للاستغراب، فالبلدان محكومان بالأمر الواقع للنظام ذاته، النظام الذي هو مستعد للبقاء حيّاً ولو على جثث أبناء البلدين معاً .

منصات وكواليس والكهف واحد

على المنصة وزيران يتصارعان على من يحبنا أكثر، ومن يريد مصلحتنا أكثر، يتلاكمان، يتعاضّان، وفي الكواليس يجتمعان معاً ليتبادلا الأنخاب ويتعاضدا على سحقنا!

على المنصة جنازة لنائب ذائع الصيت، تمر محفوفة بالهيبة وقصائد الرثاء،.. وفي الكواليس تتطاحن القبيلة على ولاية العهد،.. ومن سينوب عن المرحوم في قيادة اللاءات في زمن النَعم..

على المنصة تظاهراتٌ تندّد بالإرهاب والقمع،.. وفي الكواليس شبّان تقاد معصوبة الأعين إلى المعتقلات ومقصّات تمارس سطوتها على الحناجر والألسنة والعيون!..

على المنصّة يقاتل المعارضون الموالين،.. يتسابّون،.. ينشرون الغسيل الوسخ،.. وفي الكواليس يتعانقون ويبوّسون اللحى والشنبات..

على المنصة حياة لا تشبه الحياة،.. وفي الكواليس واقع لا يشبه الواقع،.. ونحن كالعادة ملزمون بالتصفيق الحار لكل المشاهد التي يقدمها لنا مسرح الوطن،.. وإلا كنّا مواطنين لا يقدرون جيداً مواسم الإبداع، ولا يعترفون بالجهود الإخراجية التي بذلتها وتبذلها وزارات الثقافة والهاتف والأمن التي تعاقبت على تحويل جمهورياتنا إلى منارة في محيطها المطفأ!..

كأننا في الكهف ذاته، كأننا المعنيون بكل تلك الحكاية وجدواها والعبرة منها، كلنا في الكهف، مع فارق أن كهفنا كبير على امتداد جمهوريتين معاً، غياب الكهرباء فقط 24/ 24 يعني أننا خارج الحياة، الافتقاد للخبز، للماء، للدواء، لأقل عناصر العيش الكريم، كل هذا يعني أننا في الكهف، نقبع صائمين محنيين مذلين في عتمة فادحة، وخارج الكهف يتاجر بأعراضنا وأسمائنا وأصواتنا قطيع من الفاسدين السارقين المكشوفين، وكلما احتاجوا لأصواتنا في انتخاب أو تلميع أو حرب صغيرة يسمحون لنا بالخروج قليلاً، مقابل حفنة من الضوء والدولارات وأكذوبة أننا شعب يمتلك الرأي، وأننا بلاد ديمقراطية رائعة وحقيقية.

كأننا الصدى المعطوب، لكل ما يجري على المنصات،.. وبقع في الكواليس،.. تكولَستْ بيوتنا،.. تمسرحنا إلى درجة أن الأب يمثل على أولاده أنه قادر عل اجتياز المرحلة،.. والأم تمثل على أبنائها أنها لا تزال تحتفظ في صدرها بحديقة قادرة على احتضانهم،.. والأبناء يمثلون على الأبناء،.. هذه الغابة /الوطن/ الجمهورية/ حقل الألغام/ المسرح المختل/ حوّلنا إلى وحوش بلا أنياب،.. وحوش في أعماقها الرغبة في أن تفترس حتى مراياها، كي لا يفاجئها المستقبل بالكوابيس الأشد حلكة!..

والأيام الأكثر مرارة وهذياناً!

ولكثرة ما ندور في دوامة اللامعقول، تحولنا إلى قطيع من الحالمين الأغبياء،.. نصدّق الوعود ونتحرّق للبدائل،.. ونمارس السجود المتواصل أمام حزم الأمل الذي لا يتسرب منه سوى اليأس.

كش ملك! 

الذين جرّبوا تخليصنا من الكارثة فشلوا. وحين اختل الأمن الوطني، استعنّا ببيارق الآخرين، وجلسنا سعداء لنسمع: كش ملك فنقوم إلى تعظيمٍ جديد.. وحين تخدرت جغرافيا الجوار من حقول انتشائنا،.. أحرقوها وأجبرونا على زراعة الانتظار والصبر..

أظنهم اليوم يتوصلون إلى حلّ ناجحٍ.. هو واحد من إثنين: أما استبدالنا بشعب أكثر بلادة ومقدرة على احتمال الصبر،.. أو استيراد حكومات ونواب أكثر مقدرة على احتمالنا واحتضاننا كالمواليد الجدد!..

كل شيء قابلٌ للتحقيق،.. لم يعد خلافنا على الأرض،.. على الحقول،.. على ألوان الراية،.. وعدد المجنسّين، وتسمية الدويلات التي تتشكل عرقيا وطائفيا ومذهبيا .. خلافنا الأوحد فقط على ساعة موتنا..

من يحدّد التوقيت،.. ويرسم لنا طقوس العزاء!

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات