(رقبة امرأة شقراء) لنجيب كيّالي: سيرة الحب في زمن الحرب ووقائع حياة رجل أرمل!

(رقبة امرأة شقراء) لنجيب كيّالي: سيرة الحب في زمن الحرب ووقائع حياة رجل أرمل!

صدر حديثاً للأديب نجيب كيّالي كتابٌ بعنوان "رقبة امرأة شقراء" عن دار موزاييك في إسطنبول. الثيمة الرئيسة في الكتاب، كما جاء في التعريف هي الحبّ، لذلك ثُبّت عنوانٌ فرعيٌّ (كتاب في الحبّ) تحت العنوان الرئيس. جاء الكتاب في تسعة أبواب، ويُستهَلّ كلُّ بابٍ بتوطئةٍ مناسبة، وبعد ذلك تأتي النّصوص التي تتراوح بين القصّة، والقصّة القصيرة جداً، والشِّعر بأنواعه كافةً (العمودي والتفعيلة والمنثور) والخاطرة. 

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "يحاول هذا الكتاب -بما فيه من قصص، وقصائد وخواطر-  أن يقارب موضوعَ الحبّ مقاربةً أدبية..  أي قائمة على صور حيَّة، معبَّأة بالتجربة والمشاعر، العميق منها والسطحي، ومن خلال تلك الصور يستشفُّ القارئ منها أعماقاً وأبعاداً على حسب طاقته، وثقافته، ومنبته".

يذكرنا الكتاب بأشهر وأعظم كتابٍ عربيٍّ في الحبّ، وهو (طوق الحمامة في الألفة والألاف) لابن حزم الأندلسي، والذي جاء في ثلاثين باباً، أما (رقبة امرأة شقراء) فقد اقتصر على أبوابه التسعة، وبالطبع فإنّ كلّ ما جاء في الكتاب هو سيرةٌ ذاتيةٌ في الحبّ، تأسّى فيها المؤلف بطوق الحمامة، وإن كانت هناك أبوابٌ جديدةٌ فرضها العصر، والتطوّر الذي وصلنا إليه، كما في (الحبّ في عصر المال والعولمة).

ابن حزم يرثي عصرنا! 

يستحضر نجيب كيالي طوق الحمامة في مواضعَ كثيرةٍ، فيورد في باب (الحبّ وجمال الأنثى السّاحر) ما يأتي: "لجمال المرأة سطوةٌ على الأبصار والقلوب، قوةُ المغناطيس وجاذبيتُه لا شيءَ أمام جاذبيتهنّ الفائقة، وسحرهنّ، حتى إنَّ ابن حزم صاحبَ الكتاب الشهير طوق الحمامة يقول: (العينُ بابُ القلب)، وربَّ فتاةٍ جميلة يراها رجلٌ في الطريق، فتشغله عن التوجّه إلى عمله، أو عبادته كذات الخمار الأسود قديماً: 

قل للمليحةِّ في الخمار الأسودِ

ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبِّدِ".

ويتعدّى الأمر أكثرَ من الإشارة إلى طوق الحمامة وصاحبها، حين  يأتي بشخصية ابن حزم الأندلسي بشحمها ولحمها في قصّة (الزيارة)، حيث يفاجئنا بقدومه إلينا، عبر مركبة الزمن؛ ليعرف أحوال القلوب في عصرنا، ومن خلال تجوّله في بلاد العرب، وبعد ذلك في أوروبا وأمريكا يُصاب بالدهشة والحزن، لما آلت إليه أحوال الشباب والصبايا في عصر الاستهلاك والعولمة؛ ليعود إلى زمنه حزيناً، كما جاء في القصّة: "سار ابنُ حزم نحو مركبة الزمن ليغادر، وعند بابها التفت نحو الحمامة، وعلى امتداد خطّ النظر بينهما لمعت حبَّاتُ دموع، وكلماتٌ كثيرةٌ مغلقةٌ على أسرارها تشبه الأصداف ".

الحب في زمن الحرب

ومن الأبواب التي انفرد بها الكتاب، ولم يأتِ عليها ابن حزم الأندلسي في كتابه البابُ المعنونُ بـ (الحرب، وفتكها بالحبّ وأصحابه)، كما في (أحلام، وزجاجة مكسورة)، حيث يتحدث الكاتب عن الحرب، ومنعها المحبوب من رؤية الحبيبة، بالإضافة إلى منع أمّها "مرَّت عدةُ أيام بعد ذلك لم تظهر فيها خلود الورد، وخلودي التي أحببتُها تمنعها أمها من لقائي! والأسوأ أنَّ مدينتنا اشتعلتْ فيها حرب داخليَّة".

ويتابع في قصة (المرأة النائمة) حديثه عن قسوة الحرب والزمن، ويقول: "أنا حطامُ رجل كان، دعسَتْني عجلاتُ الزمن، وعجلاتُ الحرب السورية".

يستخدم الكاتب كلمة الحرب والصراع، وبنادق الإخوة؛ ليعبر عمّا يحدث في سوريا، دون أن يتوسّع، ويسهب بالحديث.. ودون أن يكون له موقف واضح من الثورة ضد الاستبداد.  

تتجلى في الكتاب قدرةٌ كبيرةٌ على السّرد، ويبلغ القصّ ذرا الرّوعة في قصصٍ عديدةٍ منها على سبيل المثال (على قدم واحدة)، (قبلة بالشماسي)، (إصبع مقطوعة)، (وقائع مرحة في حياة رجل أرمل)، (سرية أنبياء).

السخرية الإدلبية الغائبة!

بحثتُ في الكتاب والقصص عن روح إدلبَ الساخرة التي تميزتْ بها عن سائر المدن، وإرث الراحل الكبير حسيب كيالي، فوجدتُ هذه الرّوح في نصّين فقط هما: (ألعاب للتسلية)، (وقائع مرحة في حياة رجل أرمل)، وربما تعود قلّة النّصوص السّاخرة إلى أنّ الحزن قد لا يستطيع أن يعتمد السخريةَ منهجاً للتعبير، فالكتاب من صفحته الأولى، وحتى آخر صفحةٍ فيه يتلفّع بغِلالة الحزن والفقد، ومَن أحقّ بالحزن من رفيقة حياة الكاتب، وزوجته التي اختطفها الموت! هذا الحزن والأسى عبّر عنه الكاتب في قصة (سرية أنبياء) المؤثرة، وفي قصائدَ كثيرةٍ، وربما تكون قصيدة (أميرتي صفية التي عثرت عليها) أبلغها أثراً في النفس، يقول في مطلعها: 

أصفيّتي الحسناء زيديني اقترابا

وعلى جذوري في الهوى انسكبي انسكابا

شقي قميصي، وادخلي من تحته 

لأضالعي، فالقلب تحت الجمر ذابا

ازدحام السرد والشعر والنثر 

زاوج الكاتب في عمله بين السرد والشِّعر، وباعتقادي لو كان الكتاب سرداً قصصياً فقط، لكان العمل أكثر تميزاً وروعة، فالشِّعر والقصائد في المجموعة قد ظُلمت أمام روعة وجمال القصّ، وهذا لا يقلّل من الشِّعر الذي كُتب، والأوزان الكثيرة التي صيغتْ بها القصائد، والتي تدلّ على دربة الكاتب، وتمرّسه في كتابة الشِّعر العمودي، ولو أنني أميل إلى شعر التفعيلة الذي وجدته في قصيدةٍ وحيدةٍ في المجموعة.

لو كان الكتاب سرداً وقصّاً صرفاً، لكان أكثر جمالاً، لأنّ المتنقل بين السّرد والشِّعر يدرك الهوّة التي تفصل بينهما، وبالنسبة للخواطر الموجودة وقصائد النثر، فأرى أنها كانت عبئاً على الكتاب، ولم تُضفْ شيئاً إليه، وإن كانت تنتظم في ثيمةٍ واحدةٍ، وموضوعٍ واحد.

وربما كان مردّ هذه الهوّة إلى أنّ المؤلف هو كاتب قصّةٍ بامتياز، وصاحب تجربةٍ قصصيةٍ غنية تُوّجتْ بإصدار أكثرَ من عشر مجموعات.

تحدث الكتاب عن الحرب بشكل مقتضب، وكان بالإمكان الإسهابُ في هذا الأمر، والحديث عن الحبّ في زمن الحرب، وربما يتحفّظ بعضهم على ما جاء في الكتاب، وما حدث في البلد من ثورة، والاقتصار على تسميته صراعاً أو حرباً داخلية.

أخيراً لا بد من الكلام عن طباعة الكتاب، إذ كان بالإمكان إخراجُه بشكلٍ أفضل، ويبدو أن هناك خللاً ما في الطباعة، فبعض الحروف لا تظهر بشكلٍ واضح، ولا أدري إنْ كان ذلك نابعاً من هويّة الدار الفنيّة.

*حسام الدين الفرا: شاعر وكاتب سوري

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات