بصوت جهوري ينادي أيوب الحلبي "تعال شوف الرخيص يا غالي.. رخيص.. رخيص" ويكمل نداءه بالصوت العريض: "اتفضّل يا حبّاب.. أفضل طماطم في برلين"، ساعياً للفت أنظار المارّة إلى بضاعته المعروضة في قلب (سوق العرب) شرقي برلين. بينما يرد علي اللوباني صاحب مَلحمة سورية على جاره: "عندنا أفضل لحمة حلال في برلين... حلال يا حلوين". بينما أبو مازن الشامي صاحب مطعم العجمي غير البعيد عن الاثنين يقول بكل ثقة: "نحن أفضل من يقدّم الفتات في برلين.. واللي عنده إثبات للعكس يتفضل يدوقنا"، إنها أجواء سورية لم يكن يتصور المرء أن تنتقل بمثل هذا الإصرار على النكهة المحلية مع اللاجئين إلى بلدان غريبة الوجه واليد واللسان كألمانيا!
ثالث أكبر أسواق برلين الشعبية
يبدي جانباً من المارة تفاعلاً مع لوحات المحلات السورية المكتوبة باللغة العربية، بينما يمضي الآخرون بحثاً عما يحتاجونه في (سوق العرب) المتراص المحال فيه على مسافة أكثر من اثنين كيلومتر، ويعتبر الآن ثالث أكبر أسواق برلين الشعبية ومن أكثرها جذباً للعرب والسوريين والألمان وحتى السياح الذين يقصدون المدينة.
وتضم معروضات هذا السوق الشعبي بالإضافة للمطاعم ومحال الحلويات الشرقية والسورية الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم، وأنواع لا حصر لها من التوابل والمخبوزات، وأكثر من سبعين نوعاً من الأجبان إلى جانب العسل والقهوة العربية بأنواعها والمخللات والمكسرات والحقائب والثياب والأقمشة وحتى محلات المجوهرات التي تعتبر بصمة سورية بامتياز، وحتى الحلاقة والحجامة تجدها متوفرة في هذا السوق العربي بنهكة سورية.
ويقول بائعو"السوق العربي" من السوريين لصحيفة (أورينت نت): “إنه ليس هناك نوع من الأكل والبضائع السورية غير متوفرة، وبأسعار زهيدة، أقل بكثير من أسعار متاجر برلين”، ويفخر أيوب الحلبي، صاحب متجر سوري، بمنح مشتري خضرواته وفاكهته، وصفات لصناعة وجبات وأطعمة سورية لذيذة.
وأشار أيوب -لأورينت نت- إلى أن السوق الذي يعمل فيه منذ أكثر من ثلاثة أعوام "يتميز بأشياء عديدة لا تتوفر في متاجر برلين"، من أهمها "الفصال بين البائع والمشتري" حسب ما يقول أيوب.
دمشق الصغرى
يقع (سوق العرب) في شارع "الزونن آليه" شرق العاصمة برلين، ويعتبر من أكثر الشوارع ضجيجاً وازدحاماً مرورياً، هذا الشارع يربط شرق برلين مع غربها، ويطلق عليه السوريين اسم "دمشق الصغرى" بسبب كثافته السكانية السورية المرتفعة، كحي للسكن والعمل، يجذب الطبقات السورية من أصحاب المهن، بينما يجد السوريون من الطلبة وأصحاب المؤهلات العلمية المتوسطة والعليا، فرصاً للعمل والاستقرار في أحياء ألمانية في برلين والمدن الأخرى، وفي هذا السوق تجد أن المحلات لا تكتفي باللوحات العربية، ولكن إن تكلمت بلغة أخرى غير العربية، ربما لا تجد أحداً من الباعة يفهم عليك، المطاعم والمقاهي والمتاجر ساهمت في فكرة برلين عن الطبخ المفتوح، بالإضافة لجذبها محبّي موسيقى الجاز.
وتأسس السوق العربي بعدة متاجر ومطاعم ومقاهٍ متفرقة ومع استقرار أكثر من 800 ألف لاجئ سوري فارّين من آلة حرب نظام أسد، ولولا ذلك لما تركوا دفء شمس بلادهم وطبيعتها الجذابة، الآن يمكن الحديث عن أكثر من خمسين متجراً ومطعماً ومقهى، ولا يفوت المتجول بالسوق وجود شباب باعة "بسطات" مقابل المتاجر المتجاورة، بالإضافة للتوسع بالشوارع المحيطة، بالقرب من هذا الشارع تجد متاجر عديدة بدأت توسّعها للتو.
ويمثل السوريون أكثرية أصحاب المطاعم والمقاهي والمتاجر والعاملين فيها، بالإضافة لجنسيات مشرقية من فلسطين ولبنان والعراق بالإضافة للأتراك، ولا يمكن إلا الحديث عن مصاعب تواجه السوريين من الوافدين القدامى، وهذه المصاعب تتمثل في "الإتاوات"، هناك من ينكر حدوثها وهناك من يؤكدها، كما أن هناك حرب باردة بين الأشقاء وينظرون بعين الريبة وبعض العنصرية والخوف، ورغم المنافسة للسوريين من المتاجر والمطاعم والمقاهي التركية، نجد أرقاماً تتحدث عن نصف مليون زائر سنوياً للسوق وهناك من يأمل أن تصل لمليون زائر، وتبقى المطاعم والمقاهي والمتاجر السورية الأكثر تردداً للزبائن السوريين والعرب وحتى الأتراك عليها، وهذه تثير مخاوف أكبر جالية وافدة في ألمانيا .
نقاشات تثير حساسية الزبائن!
وقال أبو مازن الشامي صاحب مطعم "العجمي" لأورينت نت، إنه بدأ العمل في السوق العربي منذ ثلاث سنوات، لكنه يرفض مساعدة أولاده له بالمطعم، ويفضل بقاءهم على مقاعد الدارسة "المستوى الاجتماعي والمديني يستدعي توفير كل شيء من أجل إكمال أولادي دراستهم" هكذا يعبر أبو مازن عن طموح السوري من كل عمل يمارسه في بلدان اللجوء: حفظ الكرامة وعدم مد اليد لأحد، واستكمال تعليم الأولاد.
ولفت صاحب المطعم السوري إلى أنه يتعدى عمله بتجهيز وتقديم الطعام، إلى الدخول بنقاشات مع الزبائن حول السوريين وقضايا وصور اندماجهم والإسلام وما يحدث هناك في البلد الأم من استهداف طائفي متعمد.. وهو نقاش لا يخفى أنه يثير حساسية الزبائن أحيانا، لكن بلباقة الدمشقي يستطيع ألا يتسبب الحوار بإفساد العلاقة.
ويؤكد أيوب الحلبي تاجر الخضار والفواكه والمنتجات السورية على حديث مواطنه أبو مازن الشامي، مشيراً إلى أن السوق يتحول إلى مكان جذب للصحفيين الألمان، بمجرد تجدد النقاشات المستمرة حول السوريين والاندماج والإسلام. مشيراً إلى هذا سبب له ولزملائه حساسية من الصحافة والتصوير.
ولفت الحلبي إلى تحول ملحوظ شهده السوق مؤخراً “هو اهتمام تجاره بفئة من الزبائن تزايد إقبالهم على السوق”، ويضيف الحلبي "الزبائن هم من أصحاب الدخول المرتفعة الباحثين عن التنوع" إضافة إلى اهتمام التجار بالزبائن التقليدين المهتمين بالأسعار الرخيصة والكم الكبير.
معلم سياحي من معالم برلين
تشير الإحصائيات إلى السوريين والعرب والأتراك هم أكثرية المترددين على السوق، الذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى معلم سياحي برليني، ينتمي زواره إلى أكثر من 180 جنسية.
وتختلف أسباب زيارة زبائن السوق له بين زبون وآخر، فأم مصطفى السورية المقيمة في برلين تحرص على شراء احتياجاتها الغذائية الأسبوعية من سوق العرب، تقول السورية الستينية لأورينت نت "إن سعر كيلو البرتقال والموز والتفاح على سبيل المثال 1 يورو واحد في السوق العربي مقابل الضعف أو أكثر في المتاجر البرلينية، لذلك تدني الأسعار السبب وراء ترددي المنتظم على هذا السوق".
وبنفس السياق قال باسل أحمد الطالب الجامعي إنه يفضل زيارة السوق نهاية الأسبوع، ويقول لأورينت نت مبتهجاً: "هنا في نهاية الأسبوع تحصل على الخضروات والفواكه بأسعار جد متدنية، وبنفس الوقت تحصل على الكيلو أو نصفه من الخضروات كهدية، وهذه عادات التجار السوريين وتقاليد عملهم للحفاظ على زبائنهم".
وذكر أحمد معمار الصحافي والشاعر السوري أن المعروضات السورية والعربية وروائح البخور والبهارات والأطعمة الشهية تجعل للسوق روحاً للمكان الأم غير موجودة في 250 سوقاً موجودة في برلين، وقال لأورينت نت إنه حريص على زيارة السوق أسبوعياً لاستنشاق روائح الشرق السوري وتناول الشاورما والفلافل والحلويات السورية الشهية التي تقدمها مطاعم السوق الجذابة للزبائن.
التعليقات (4)