لا تزال الضربة التي وجهتها إسرائيل إلى مطار دمشق الدولي، يوم الجمعة الماضي، تلقي بظلالها على المشهد المحلي والإقليمي باعتبارها الضربة الأقسى التي توجه إلى ميليشيا نظام أسد وإيران، بالإضافة إلى دلالاتها الإستراتيجية الكبيرة، حيث يعتبر تعطيل المطار الرئيسي بمثابة إعلان حرب غير مباشر.
سخط موجه ؟
وهذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الجيش الإسرائيلي مطار دمشق منذ حرب عام ١٩٦٧، الأمر الذي أدى إلى صدمة كبيرة وردود فعل ساخطة في أوساط النظام وحلفائه.
وبينما عبر الإعلام الروسي عن تفاجئه من هذه الضربة، واعتبرها تصعيداً غير مسبوق يمثل تحولاً في مشهد الصراع وقواعد الاشتباك، وهو الأمر الذي أكدته تل أبيب، عبّر الإعلام الإيراني وجمهور نظام أسد عن سخطه العارم تجاه روسيا، محملاً إياها المسؤولية، ومجدداً اتهامه لها بالتخاذل.
ويوم الإثنين اعتبر رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت أن قواعد الاشتباك مع إيران تغيرت، بينما اتخذت حكومته إجراءات حول سفر مواطنيها إلى تركيا بسبب، ما قالت، إنها تهديدات أمنية "يقف خلفها الحرس الثوري الإيراني".
وفي تصريح له قال بينيت: "لم نعد نلعب بالمخالب مع وكلاء إيران، ومن الآن فصاعداً أنشأنا معادلة جديدة بالذهاب إلى الرأس" متعهداً بتطبيق مبدأ "الأخطبوط" في مواجهة إسرائيل لإيران، بما في ذلك على الأراضي السورية.
وفيما يبدو تأثراً إيرانياً كبيراً جراء الضربة، خاصة وأن الحرس الثوري يعتمد على مطار دمشق في نقل التقنيات الدقيقة التي يستخدمها لتطوير برامج الأسلحة، وتحديداً الصاروخية منها، في مراكزه وقواعده التي أنشأها في سوريا، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها تلقت إنذاراً جدياً بوجود مخططات إيرانية لاستهداف طيرانها المدني ومواطنيها في تركيا، معلنة وقف الرحلات إلى هناك، كما طالبت بعودة الإسرائيليين الموجودين على الأراضي التركية في أسرع وقت ممكن.
المطالبة برد
ومنذ إعلان النظام عن خروج المطار عن الخدمة بسبب رشقات صاروخية انطلقت من هضبة الجولان المحتل، وأصابت برج الملاحة ورادار المراقبة والمدرج الجنوبي في المطار بشكل مباشر، لم يتوقف مؤيدو النظام عن المطالبة بالرد، والسخرية من المبررات التي اعتاد عليها قادته للتهرب من المواجهة.
واللافت هذه المرة أن المطالبة جاءت من شخصيات بارزة في هذا النظام لتشمل "دريد رفعت الأسد" ابن عم بشار أسد والمعروف بتأييده الشديد له ودفاعه المستميت عنه باستمرار، حيث اعتبر أن أي رد أقل من قصف مطار بن غوريون الإسرائيلي "مجرد هراء".
بينما سخر وزير الزراعة السابق في حكومة النظام "نور الدين منى" وبقوة من التعاطي الروسي مع القصف الإسرائيلي المتكرر على المنشآت والمواقع الحيوية في سوريا، مشيراً إلى أن الرد الروسي لا يمكن أن يأتي إلا من خلال استهداف شمال أو شمال شرق سوريا.
وقال منى في منشور له على "فيسبوك": الكرملين يوجه رسالة احتجاج وبشدة على هذا القصف يقول فيها "يمكنكم قصف المنشآت الحيوية في سوريا، والفعاليات الاقتصادية وحتى الجامعات وأسواق الهال والمدارس.. لكن إياكم أن تقصفوا مطعم "ناش"، في إشارة إلى المطعم الروسي الفخم الذي افتتحته "لونا الشبل" مستشارة بشار أسد في دمشق مؤخراً.
وأضاف: عندها لا سبيل أمامنا إلا الرد بإطلاق صواريخ بعيدة المدى وتفعيل منظومة اس-٣٠٠ منتهية الصلاحية باتجاه الشمال والشمال الشرقي من سوريا.
روسيا متفاجئة!
لكن ومنذ الإعلان الإسرائيلي عن الهجوم، الذي اعتبر بمثابة التحول الأخطر في المشهد السوري وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والإعلام الروسي يعبر عن تفاجئه بهذه الخطوة، على الرغم من تأكيد الإعلام العبري أن القصف تم بالتنسيق مع القوات الروسية في سوريا.
القناة 12 الإسرائيلية أكدت في تقرير لها يوم الإثنين أن "تل أبيب" أبلغت موسكو بتفاصيل الهجوم على المطار، زاعمة أن ذلك كان وفق الآلية المشتركة لمنع الاحتكاك، وأن هذا التصعيد النوعي جاء لأن الهجمات السابقة لم تحقق أهدافها، "لذا تم قصف المطار لمنع نحو 70 بالمئة من شحنات الأسلحة الإيرانية".
لكن المحلل السياسي السوري المقيم في موسكو محمود الأفندي يستبعد وبشكل قاطع أن تكون روسيا قد أخذت علماً مسبقاً بهذه الضربة، ويرى أنها بمثابة إعلان حرب غير مباشر ستكون تبعاته خطيرة على المنطقة برمتها.
ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": قصف منشآت حيوية في المطار لم يكن المفاجأة الوحيدة فيما حصل يوم الجمعة، بل نوعية السلاح الذي استُخدم في الهجوم كان مفاجئاً أيضاً، حيث اعتمدت تل أبيب هذه المرة على صواريخ فرط صوتية وعالية الدقة لم تتمكن الدفاعات السورية ولا الروسية الموجودة في محيط دمشق وفي المطار من كشفها والتعامل معها، ولذلك فإن اتهام روسيا بالتواطؤ في هذا القصف ليس صحيحاً.
بل إن الأفندي اعتبر أن مجرد استهداف مطار العاصمة بهذا الشكل وإخراجه عن الخدمة هو تطور استثنائي وخطير جداً في الأعراف الدولية "هدفه ليس فقط توجيه ضربة عسكرية لما تقول إسرائيل إنها عمليات تهريب إيرانية عبر هذه المنشأة، بل وتقويض صورة النظام ومعنوياته حيث يعتبر المطار منشأة سيادية من الدرجة الأولى، وبالتالي توجيه ضربة معنوية كبيرة لروسيا نفسها باعتبارها هي من تحمي حكومة دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرتها".
الأفندي، وهو الأمين العام لحركة الديبلوماسية الشعبية السورية، يعتقد كذلك أن أحد أهداف هذه الضربة تأليب الرأي العام السوري المؤيد للنظام على روسيا وجعلها في موقع الاتهام مجدداً، "ولذا فإن موسكو لو كانت على علم مسبق بهذه الضربة لضغطت وبقوة على تل أبيب من أجل منعها، ليس فقط حفاظاً على صورتها، بل وكذلك لتجنب تصعيد كبير سينشأ عنها ويمكن أن يقود المنطقة إلى الانفجار وهو ما لا تريده روسيا، لكن الحكومة السورية وإيران قد تلجأان إلى الرد هذه المرة بالفعل".
روسيا تعلم
ويتفق المحلل المتخصص في الشؤون السياسية الروسية محمود الحمزة مع الأفندي في أن هذه الضربة ستعزز وتزيد من ارتماء نظام ميليشيا أسد في الحضن الإيراني أكثر، استغلالاً للنقمة الكبيرة على موسكو بسبب الفشل المتكرر في التعامل مع القصف الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، لكنه يختلف معه حول عدم علم الروس المسبق بها.
ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": أعتقد أن الإسرائيليين صادقين عندما يقولون إن القصف جرى بالتنسيق بينهم وبين الروس، وبالوقت نفسه أرى أن الروس سعداء بمثل هذا التصعيد لأنه يستهدف وعلى نطاق أوسع المصالح الحيوية لإيران، منافستهم في سوريا، وبالتالي فإن تعبيرهم عن الصدمة وإدانتهم للهجوم هو مجرد مناورة إعلامية لا أكثر.
ويضيف: طبعاً الروس كانوا على علم مسبق بهذه العملية التي لا يمكن إخراجها من السياق المفتوح للقصف الإسرائيلي الذي يستهدف قوات النظام والميليشيات الإيرانية في سوريا منذ سنوات، والذي يتم بتنسيق مع روسيا التي يجمعها تحالف إستراتيجي مع الدولة العبرية، لكن حرج موسكو متفهم طبعاً على اعتبار أن الهدف كان مختلفاً هذه المرة ونوعي بامتياز.
وحول تبعات مثل هذا التطور واستمرار التغاضي الروسي أو الفشل الروسي في التعامل مع القصف الإسرائيلي يقول الحمزة: أعتقد أن هذا سيسرع من وتيرة ذهاب نظام أسد بكل أجنحته وطبقاته نحو إيران، وهذا التوجه قائم بالأصل وعززه ما قاله بشار الأسد في لقائه الأخير مع قناة روسيا اليوم عندما أكد على نقطتين:
الأولى تجديده وصف وفد المعارضة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية بأنه وفد "شكلته تركيا" في محاولة جديدة لتقويض هذا المسار الذي أنتجته موسكو وهي أكثر من يناضل لكي يبقى مستمراً.
والثانية قوله إن "الظروف الأمنية غير مناسبة حالياً لإعادة الإعمار في سوريا" في إشارة إلى افتراق ضمني كبير عن الإستراتيجية الروسية في سوريا، فبشار يقول بذلك إن الحرب ما زالت قائمة بينما تقول موسكو إن العمليات العسكرية الرئيسية انتهت، وهي تبذل كل جهدها لإقناع العالم ودول الخليج تحديداً بالبدء في عمليات إعادة الإعمار في سوريا.
بغض النظر عن علم روسيا المسبق من عدمه بالضربة الإسرائيلية الأخيرة على مطار دمشق الدولي، فإن ما يتفق عليه الجميع هو أن هذا الاستهداف لمنشأة سيادية يمثل تصعيداً خطيراً وخرقاً لقواعد الاشتباك المطبقة بين الدول المتداخلة في الملف السوري، وسواء ردت إيران أو لم ترد. فإن ما حصل يؤكد بشكل واضح على انتقال تل أبيب إلى الجزء المتقدم من إستراتيجية المواجهة مع طهران، الأمر الذي لا يبدو مبالغاً معه القول إن ما حصل بمثابة إعلان حرب غير مباشر بالفعل.
التعليقات (6)