اصطياد حسن خدائي في طهران: الاستكبار العالمي أم الاختراق الإسرائيلي؟

اصطياد حسن خدائي في طهران: الاستكبار العالمي أم الاختراق الإسرائيلي؟

اغتيل أواخر أيار/ مايو الماضي في قلب طهران الضابط في الحرس الإيراني حسن صياد خدائي. الاغتيال أو للدقة الاصطياد بدا لافتاً جداً لوقوعه في منطقة يفترض أنها محمية ويسكنها ضباط كبار في الحرس ولطبيعة الموقع والمهام المكلف بها خدائي. والتوقيت الذي جرى فيه الاصطياد مع تعثر المفاوضات النووية، وازدياد الضغوط الدولية ضد طهران وهروبها إلى الأمام في الحواضر العربية التي تحتلها بالقوة الجبرية المسلحة، واستخدامها ورقة القضية الفلسطينية العادلة للتغطية على ممارساتها الاستعمارية التوسعية، كما الجهة المسؤولة عنه مع تسريبات وتحليلات كاشفة في الإعلام العبري وتسريب لافت جداً ومعتاداً في صحيفة نيويورك تايمز أشار إلى إبلاغ تل أبيب لواشنطن بمسؤوليتها عن الاصطياد، وقبل ذلك وبعده الدلالات والاستنتاجات المتعلقة به والتداعيات المحتملة له، مع سعي إيران للردّ ضد أهداف إسرائيلية تتضمن مواطنين ومؤسسات بالخارج بما في ذلك تركيا، كما سمعنا من التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة التي أبلغت رسمياً أيضاً إلى السلطات في أنقرة وتأخذها الأخيرة بجدية خاصة مع السوابق الإيرانية المماثلة.

مسؤولية الاستكبار العالمي! 

كان حسن صياد خدائي مسؤولاً كبيراً في فيلق قاسم سليماني " القدس" التابع للحرس الإيراني، وكما جاء في النعي الرسمي له، فقد قام بمهام لحماية المراقد المقدسة في العراق وسوريا. هذا يعني مباشرة أنه كان شريكاً في استجداء الاحتلال الأمريكي للعراق والروسي لسوريا، وتدمير الحواضر العربية والإسلامية التاريخية في البلدين – الموصل وحلب تحديداً - وقتل وتشريد أهلها، وشريكاً كذلك في القيام بمهام الاحتلال الأصغر لصالح الاحتلال الأكبر الأمريكي في العراق والروسي في سوريا.

أشار بيان النعي وبشكل دعائي وتقليدي إلى مسؤولية الاستكبار العالمي عن الاصطياد، لكن لم يتحدث بالتفصيل عن مهامه الأخرى تحديداً عضويته بل قيادته الوحدة 840 بالحرس - هنا نجد تقليداً أو استلاباً للوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمان - المكلّفة بتنفيذ عمليات خارجية ضد المعارضين الإيرانيين، إلا أن التسريبات الأمنية في الصحافة العبرية كشفت المزيد بإشارتها إلى توليه مسؤولية التخطيط لاستهداف مواطنين ورجال أعمال إسرائيليين تحديداً في تركيا وقبرص وإفريقيا. علماً أن هذا لا يبدو مفاجئاً قياساً للسوابق الإيرانية التي كشفتها السلطات التركية في الماضي - بمعزل عما يقال في إسرائيل - من قبيل اغتيال المعارض الإيراني مسعود وردنجاني في إسطنبول ثم الإعداد والتخطيط لاغتيال رجل أعمال تركي إسرائيلي"يائير جيلر" يملك شركة خاصّة ويستمتع بالحياة في إسطنبول. وكان قد رفض التحذيرات بالمغادرة إلى تل أبيب ولو بشكل مؤقت بينما قبضت السلطات على الشبكة الإيرانية التي حاولت استهدافه وضمت كالعادة مزيجاً من عناصر الاستخبارات وأفراداً وأعضاء بالعالم السفلي من عصابات التهريب والمخدرات.

اختراق إسرائيلي كبير

مثّل اصطياد خدائي في قلب طهران بشارع ومنطقة يفترض أنها محمية خاصة أن ضباط كبار بالحرس يقطنون فيها ضربة قوية للنظام وهيبته وسطوته، خاصة لمجيئه بعد اغتيال نائب وزير الدفاع المسؤول بالحرس الجنرال محسن نوري زادة في طهران أيضاً، ومن ثم قصف مستودعات طائرات مسيّرة وتدمير مئات منها في  مدينة كارمنشاه شباط/ فبراير الماضي، ثم تواصلت الصفعات، وبعد اصطياد خدائي بأيام فقط، قامت طائرات مسيّرة بمهاجمة قاعدة بارشين العسكرية المحصنة قرب طهران وقتلت أحد أبرز مهندسيها  "إحسان قد بيغي" العامل في المجالات العلمية والنووية.

الأكيد هنا أن ثمة اختراق إسرائيلي كبير لإيران كما قالت يديعوت أحرونوت عن حق الثلاثاء - 31 مايو –، يتوغل عميقاً داخل المنظومة الأمنية، ما أتاح العمل بحرية كبيرة داخل الأراضي الإيرانية لدرجة نقل قطع طائرات مسيّرة وتجميعها وتشغيلها ضد الأهداف المحددة، ثم انسحاب الفرق المسؤولة عنها تماماً كما جرى مع المسؤولين عن اغتيال- اصطياد خدائي ومحسن نوري زادة المفترض أنهم ضباط كبار بالحرس والمؤسسة العسكرية بشكل عام، علماً أن خدائي لم يكن معروفاً على نطاق واسع داخل إيران وخارجها.

واضح بالطبع أن إسرائيل هي الفاعلة، حتى لو لم يجرِ التسريب المتعمد من قبل البيت الأبيض لصحيفة نيويورك تايمز من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها المحرجة لجو بايدن وإدارته، ولا شك أن الاغتيال - الاصطياد يمثل تحوّلا في العمل الإسرائيلي داخل إيران من استهداف علماء نوويين ومسؤولين على علاقة بالمشروع النووي والصاروخي إلى ضابط بالحرس على علاقة بأذرع وميليشيات طائفية ومتهم بالتخطيط لعمليات ضد الإسرائيليين بالخارج، ما يعني ارتقاء درجة لجهة نقل المعركة إلى داخل إيران نفسها بعدما كان الردّ الإسرائيلي يستهدف عادة أهدافا ومواقع  للحرس وميليشياته الطائفية في سوريا والعراق ولبنان.

يجب الانتباه إلى أن الردود الإيرانية على الضربات الإسرائيلية المتتالية تأتي دعائية في العادة، تماماً كما جرى بعد تدمير الطائرات المسيّرة في كارمنشاه شباط/ فبراير الماضي حيث تضمن الرد قصفا دعائيا لفيلا عائلية بمجمع سكني مفتوح في مدينة أربيل يملكها رجل أعمال عراقي "باز كريم البارزنجي" يمتلك شركة مرخصة لقطاع الطاقة، وعلى علاقة قوية بحكومة إقليم شمال العراق، يقال إنه استضاف فيها اجتماعات لخبراء ورجال أعمال من عدة جنسيات "أمريكان وأتراك بشكل أساسي" وربما  حضر خبراء إسرائيليون أيضاً - علماً أن تل أبيب تشتري نفطاً من الإقليم ولو بشكل غير مباشر - خصّصت لنقاش كيفية تصدير الغاز العراقي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، ما يعنى أن  القصف الإيراني له علاقة بالهيمنة على سوق الطاقة في العراق وخدمة لروسيا وهيمنتها على السوق نفسه في أوروبا وقبل ذلك وبعده وقود للحشد الشعبي الإعلامي الناطق بالعربية.

التصعيد الإعلامي كبديل عن الرد! 

أتت الردود الأولية على الاغتيال-الاصطياد الأخير بنفس الطريقة الدعائية المعهودة، وبعد عجزها عن فعل ذلك من سوريا أو لبنان أو حتى العراق "الخاضع عملياً للاحتلال الأمريكي"، ولا بالطبع من اليمن. يأتي الحديث عن استهداف مواطنين بدول أجنبية وعلى طريقة العصابات في تجاوز موصوف للقوانين والمواثيق الأممية وسيادة تلك الدول وتحديداً تركيا التي تمتلك علاقات جيدة مع إيران ولم تكن شريكة في أي أفعال عدائية تجاهها بل على العكس وكانت ولا تزال رئة للتنفس في ظل الضغوط والعقوبات الأمريكية ضدها.

أما المفارقة بل قمة الانتهازية والنفاق أن إيران التي تتلقى الصفعات والركلات الإسرائيلية في عقر دارها، وتعجز عن الرد عليها تصعّد من خطابها الإعلامي الداعي لتدمير الدولة العبرية خلال دقائق، وتحريض الفلسطينيين المستضعفين في غزة المدمرة تقريباً والتي لم تتعافَ من آثار الحروب السابقة على فعل ذلك.

في الأخير لابد من الانتباه إلى أن إيران وبعد التموضع-الاحتلال في العراق وسوريا ولبنان واليمن لجأت إلى التصعيد الدعائي ضد إسرائيل للتغطية وتبرير وتسويغ احتلالها البلاد العربية السالفة الذكر، كما قال علي يونسي مستشار الرئيس السابق حسن روحاني. بينما أفصح وزير الخارجية السابق جواد ظريف في اعتراف نادر أن بلاده لا تستهدف إسرائيل وليست في حالة حرب معها. ومن جهتها تستغل هذه الأخيرة ممارسات طهران لتضخيم الخطر الإيراني ولفت الانتباه عن ممارساتها وجرائمها، ولتحقيق أكبر قدر ممكن من التطبيع والاختراق في العالم العربي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات