(الحلم السوري وحلف الأقليات) لغسان عبود.. وثيقة تحليلية لتاريخ وحاضر ومستقبل سوريا

(الحلم السوري وحلف الأقليات) لغسان عبود.. وثيقة تحليلية لتاريخ وحاضر ومستقبل سوريا

كل منا غادر وطنه مثقلًا بذاكرة متخمة بالويلات، ومن المستحيل أن تغادره، لكن أبى معظمنا إلا أن نبقى على احتكاك مع هذا الوطن، ولو حصل هذا الاحتكاك على شكل كتابة على الهامش، أو عبر صرخة في وجه من حاولوا ويحاولون جرّ الذبيحة "الوطن" إلى المقصلة. وقد يعد كتاب "الحلم السوري وحلف الأقليات" للكاتب والسياسي السوري "غسان عبود" أحد أهم الوثائق التي خُطت لا على الهامش، بل حاولت ملامسة مواطن العجز والإصابة في الجسد السوري المنهك، كما حاولت طرح نظرة استشرافية للمتوقع حصوله سياسيًا على الخارطة السورية، وذلك عبر جردة حساب تاريخية وآنية عرّت كثيرًا من الأحداث، بعيدًا عن الأماني والأحلام الوردية، قريبًا من الواقعية والحاضر بكل ما فيه من قسوة.

أسباب تاريخية لاختطاف الحلم السوري

يبدأ "عبود" كتابه بتحليل تاريخي لجذور الكارثة السورية، تحليلًا علميًا اعتمد فيه على الأسباب والنتائج، حيث بدأ بمشكلة تحييد وتهميش السوري والقضاء على روح الوطنية داخله، عبر تسليم الأقلية زمام السلطة؛ ليطلعنا على نتائج هذا التسليم وعواقبه التي ما زلنا نعيشها حتى يومنا هذا… وعن رضا الدول الإقليمية ومساهمتها في رسم خطوط السياسة السورية، وفرضها واقعًا محددًا. وأيضًا عن الدور الإسرائيلي في التحالف مع أقليات المنطقة لتثبيت أقدامها… فيقول:

"تل أبيب أيضًا دعمت وصول حكم الحاقدين من العلويين إلى سوريا، هذا الحكم الذي نفّذ -بدوره- سياسة ممنهجة بتدمير سوريا وشعبها."

وبمنظور الكاتب؛ لم تقف إسرائيل عند حدود الخارطة السورية فقد حاولت خلق حزام أمني في الدول المحيطة بها عبر دعم ميليشيات وسياسيين ذوي طابع أقلوي، حزام يحمي مشروعها الاستيطاني ويجنبها أزمات مستقبلية قد تعبر الحدود باتجاهها…

الثورة السورية المطبات والعراقيل

واكب "عبود" الثورة السورية بعين العارف المطّلع على الخبايا التي دارت في دهاليز السياسة وأقبية الأمن، من خلال التدوينات أو المقالات التي جمعها في هذا الكتاب، وفضّل أن يبتعد فيها عن التنظير والإرشاد كما جرت العادة لدى كتّاب السياسة، إلا أنه وضع يده على مواطن الأخطاء التي أدت إلى اختطاف ثورة السوريين… 

توظيف النخب السياسية المعارضة في خدمة مشاريع دول بعينها، التغاضي عن أطماع نظام الملالي الاحتلالية، السياسة الروسية، دور الإعلام في انقسام الشعب السوري، تغاضي المجتمع الدولي عن النزف السوري، جميعها وأسباب أخرى عزاها "غسان عبود" إلى عرقلة سير الثورة السورية باتجاه الحلم…

"فيما بعد تشظّى الجمهور السوري بتعدد وتشظي الكتل السياسية التي في معظمها الأعم تكتلات ساذجة ليس لها برنامج، لكنّ هدفها السعي لأن تكون على قائمة المعارضات التي انشغل بترتيبها دي مستورا لسنوات، وشغل بها الدول الغربية والعربية وشغل السوريين بكل فئاتهم عن القضية الكبرى للسوريين: الحرية، وعن المذبحة التي يتعرضون لها لأجل ذلك".   

لم يقتصر كتاب "الحلم السوري وحلف الأقليات" على كونه مجموعة من المقالات التقريرية والتحليلية، بل تجاوزت التصنيف، فقد تضمنت تجارب ومعارف الكاتب ومعاصرته للحركة السياسية، الإعلامية، الاجتماعية الدولية عمومًا والسورية على وجه الخصوص؛ لتجعل من الكتاب نصوصًا عابرة للتسميات…

كما لا يمكن التغاضي عن ما تعرض له رجال الأعمال السوريون في ظل حكم نظام أسد، من تضييق ثم نسف كل من يحاول منهم التمسك بمبادئ الوطنية، شارحًا تجربته الشخصية في مقارعة إجرام وتضييق النظام.

وعن دور القبائل في سورية، فقد أفرد الكاتب لهذا الأمر مساحة، استعان فيها بأحداث تاريخية وأسقطها على الوقائع التي حصلت في السنوات الأخيرة. وعن قضية الأكراد السوريين، لم يغفل الكاتب؛ فبقراءة معمقة لوضع هذا المكون قام "عبود" بوضع يده على مواطن الخطأ التي أودت بالأكراد إلى الرزوح تحت حكم قوات عابرة للحدود، وارتهانهم لأجندات قومية بعيدة عن الوطن الأم سوريا…

في حالة "الحلم السوري وحلف الأقليات" نستطيع القول إن الكاتب عمل على تقديم إحاطة كاملة للشأن السوري وارتباطاته والمؤثرات التي نقلته إلى ما هو عليه اليوم، أي إنه تميز في طرحه عن معظم ما يُقدم من قراءات سياسية في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن الكتاب لا يخلو من نَفَسٍ تعاطفي واضح، فلم يستطع الكاتب رغم ابتعاده الكبير وخروجه المبكر من وطنه، أن يقف على الحياد وهو يرى آلام أبناء وطنه والاستحقاق التاريخي المؤلم الذي تمر به البلاد، وأيضًا هذا لا يمس موضوعية المعلومة والتحليل المقدم بين صفحات "الحلم السوري"، بل ساهم في تقديمه حالة تشاركية في الألم السوري.

عن الكتاب والكاتب:

“الحلم السوري وحلف الأقلّيات” كتاب صادر عن مجموعة أورينت الإعلامية، العدد الثاني من (سلسلة كتاب أورينت الشهري)، التي بدأت المؤسسة بإصدارها منذ آذار/ مارس الماضي وهو لمالك المجموعة رجل الأعمال السوري غسان عبود، ويقع الكتاب في أكثر من ثلاثمئة صفحة من القطع المتوسط.

 

التعليقات (1)

    خالد

    ·منذ سنة 10 أشهر
    موجود الكتاب بتركيا ؟؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات