إنها لنكتة سمجة أن يصدر قرار من النظام الطائفي باحتجاز مجرم الحرب أمجد يوسف على خلفية مجزرة التضامن والتي شغلت الساحة السورية في الداخل والخارج، والسؤال يطرح هنا ماذا عن الآخرين الذين أوغلوا في الدم السوري ماذا عن مرتكبي مذبحة الحولة؟ ماذا عن مجزرة الكيماوي في الغوطة؟ ومجزرة البيضا في اللاذقية، وصيدا في درعا، والتريمسة في حماة، ومجزرة السارين في خان شيخون وعشرات المجازر في كل منطقة دخلت عليها ميلشيات الأسد الطائفية، ثم ماذا عن باقي المجازر التي ارتُكبت قبل الثورة من مجزرة تدمر إلى مجزرة حماة، هل سيحاسب النظام رفعت الأسد مرتكب مجازر وحشية في حماة؟
مجزرة عجز النظام عن تبريرها
ما يمّيز مجزرة التضامن عن مثيلاتها أنها تمّت بدافع انتقامي طائفي بحت، لم يقدر النظام على تبريرها ضمن مسميّات كانت في السابق يطلق عليها مثلًا البعث أو ثمّة إجرام في بعض النفوس من كل الطوائف، لتحييد الدافع الطائفي لها.
لا شك أن مجزرة التضامن على ما فيها من توحّش لا تقارن من حيث الهمجية والوحشية بمثيلاتها التي حدثت منذ استلام النصيريين السلطة، وما رافقها من تكتم المجتمع السنّي مع تواطؤ المجتمع الدولي الذي أدى إلى تفاقم الظاهرة، والغريب أن أبناء الطائفة العلوية لا يستنكرونها بل يعجبون من الذين يستنكرونها، كأن دماء السنة مباحة لهم، وكأنه أمر عادي لا يستحق ذكره، وتلك خيانة فاضحة للدم السني المراق، فبعض أبناء الطائفة برّرها بقوله تمت مجازر شبيهة بها، مثل جسر الشغور وغيرها، الكارثة أن تعمّم تلك الظاهرة، ويصبح الدم السني رخيصًا إلى درجة الاستهتار، وتجاهل الفرق بين من يقوم بالمجزرة والذي ترعاه الدولة بأفرعها الأمنية كافّة وتباركه شيوخ الطائفة، وتكرمه الميلشيات الطائفية الأخرى، فيصبح في منظورهم بطلًا عتيدًا يشجّع فتيان الطائفة ليحذوا حذوه في القتل والترويع وزهق أرواح السنة حيثما تمكّن منهم! تلك المصيبة والكارثة المسكوت عنها.
حلقات من مسلسل إجرامي طويل
تلك المجازر كانت ولا تزال تحت مسمّى طائفي بحت، ارتكبته الطائفة النصيرية بتنظيم مدروس، وعن سبق إصرار وتحت رعاية العصابة الحاكمة، تلك الحقيقة المسكوت عنها، وما رشح من مجازر كالحولة مثلًا أو التضامن تعد حلقات من مسلسل إجرامي طويل من الرعب والتشبيح باسم الطائفة النصيرية، من موقع تحكّمها بتلابيب الحكم، منذ استلامها السلطة، وما نقل عن واقع مجزرة حماة كان أدهى وأمر من تعذيب بالملزمة وسحل وسمل عيون واغتصاب بأدوات حادة. كانت من نصيب الغالبية السنيّة، فقد صبغ النظام سابقًا الغالبية السنية بالإخوانية، حيث كانت الطامة الكبرى لحساسية الصراع على السلطة التي اصطدمت بجدار أحداث حماة عام /1981 / والتي كانت الإرهاص الأول للعنف غير المبرر، لا سيما وقد تسرّبت فيما بعد أحاديث تقشعر لها العقول قبل القلوب من اغتصاب جماعي وحرق أعضاء تناسلية وحفلات اغتصاب وعربدة بحق أطفال صغار وذويهم، ثم شاءت الأقدار أن تُعاد تلك الحلقات على نطاق أوسع من ذي قبل مع اندلاع الثورة السورية. وهنا يرى بعض أبناء الطائفة ومثقفيها ممن صرّحوا حول المجزرة المروّعة أنها مجزرة مثالية لم يكن فيها عنف ووحشية كما يحدث في العادة، بل تمت عملية القتل بمنتهى الهدوء بدم بارد، وتم القتل النظيف مقارنة بمجزرة جسر الشغور، فهنا لم يتم الذبح بالسواطير كما حدث في مجزرة الحولة! ونزع البعض ليبرّر الفعل الشنيع للمجرم تحت مسمى الظرف الذي كان فيه، ظرف الحرب المستعر مع الإرهابيين! كل هذه التبريرات من أجل ذر الرماد في العيون، وما احتجاز المجرم أمجد يوسف سوى لطمس معاني المجزرة الحقيقي وهو البعد الطائفي الواضح جدًا.
أمجد اليوسف.. البطل المغوار
وكما هو الحال في كل حرب تنطلق لسبب ما، ثم توضع لها المبررات في مرحلة لاحقة، لا يمكننا القول: إن الحرب والعنف يتعارضان، فالحرب ما هي إلا عنف منظّم في أقرب صورة لها، ومن هذه الزاوية لا يمكننا الحديث عن قتل نظيف أو عن إنسانية القتل؛ بمعنى إضفاء نزعة أخلاقية في التعامل مع الأسرى والجرحى والخصوم في أرض المعركة، لكن المعضلة الكبرى في المأساة السورية هي أن هذه الحرب تُشن ضد المدنيين العزّل، واتسمت بالشمولية والإبادة الجماعية ولم يتوانَ عن استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا، إن الفرق بين الحرب التي شنّها النظام على السوريين والحروب التي تشنّها الدول فيما بينها، يشبه الفرق بين الاغتصاب العادي، والاغتصاب المحرّم! كلاهما اغتصاب لكن الثاني أدهى وأمر.
المصيبة الأخرى أن يُبرر هذا الفعل للمجرم أمجد يوسف على أنه فعل فردي إجرامي فالنظام هنا يبرّئ الطائفة من الجرم الواضح الذي لا لبس فيه على حساب التضحية الفردية للمجرم، والذي لو تم الحكم عليه بأقصى عقوبة كالإعدام شنقاً، سيبقى في نظر النظام وطائفته البطل المغوار الذي دافع عن العرق العلوي ضد الأغلبية السنيّة.
لا شكّ أن انتهاك المحرّم يشكّل عنفاً لا محدوداً، وخصوصًا عندما يغيب الرقيب فالجيش في النهاية هو من أبناء البلد، وما يمنحه الجرأة على انتهاك المحرمات هو وجود هذا الرئيس الخائن لشعبه، وهذا أدى إلى تصعيد العنف، ليجعل منه عصابة منظّمة تمتلك مستوى عال من الترهيب. وأدى أيضًا إلى ظهور ظاهرة "التشبيح" التي روّعت الشعب السوري وخلقت حالة من الرعب لم توجد في زمن البدائية الأولية التي هي الأقرب إلى الحيوانية، لم يكتف النظام بإطلاق يد الأجهزة الأمنية بتفرعاتها وتشعباتها العديدة؛ بل أنشأ ميليشيات طائفية علنية، في سبيل خلق التوازن مع الأغلبية الساحقة، والنتيجة التي غفل عنها الطرف الآخر هي المآل الحالي من قتلى ومعتقلين وتهجير وغيره مما يدور في فلك مأساة العصر الحالي، مما يبرز الدافع العدواني ضد المجتمع ، خاصة بعد صبغه بالتطرف والإرهاب، ومعاداة الأقليات مما يثير الحساسية الطائفية التي لعب النظام عليها بمهارة.
المثقفون وخيانة الدم السوري
يجب على المثقفين الثوريين وضع النقاط على الحروف، تلك خيانة للدم السوري، في حال تم تعرية الجذر الطائفي للمجزرة، وتجاهله بحجة عدم إثارة النعرات الطائفية، وفي حال التواطؤ مع فكرة القيادة تحاسب مجرمي الحرب على أنهم مجرمون فقط. لا يجب أن تنطلي حيلة النظام الطائفي المفضوحة، فهؤلاء يقادون بغريزة طائفية عمياء، وبإشراف أجهزة الدولة مباشرة، فلا يمكن للمجرم أن يحاسب مجرمًا آخر من طينته، أقل إجرامًا، أو ربما سيحاسبه على فلتانه الأمني من حيث تسريب المقطع المصوّر، ربما تكون المسألة برمتها هكذا.
التعليقات (6)