شيرين وغفران والتلاعب بالحقوق والحقائق

شيرين وغفران والتلاعب بالحقوق والحقائق

شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة رحمهما الله.. هل هما مناضلتان أم إعلاميتان؟ وتحت أي صفة نالت كل منهما الاهتمام؟ وهل نالت حقها منه؟

نعم يوجد فرق بين الدورين/الصفتين .. هما إعلاميتان  لكن هل تنطبق صفة النضال الوطني الفلسطيني على الاثنتين؟ سؤال مهم لأن تكريم إعلامي مناضل يختلف عن إعلامي لم يمارس دوراً نضالياً في الحالة الفلسطينية.

بالبحث عن غفران وراسنة سنجد خبراً واحداً من ماضيها كإعلامية يتمثل في نشاطها الإعلامي لسنوات منذ كانت طالبة إعلام في جامعة الخليل، أما تاريخها كمناضلة ناشطة في الشأن الوطني الفلسطيني فيتمثل في اعتقالها  لمدة ثلاثة أشهر بداية العام الحالي ولا مزيد عنها مهما بحثنا .. شخصياً أعتقد مما تابعته عنها أن دورها النضالي وآخر اعتقال لها (وليس بالضرورة أن يكون الأول لها) أعتقد أن دوريها  النضالي والإعلامي كانا متوازيين ونشيطين على مدى سنوات عمرها الثلاثين حتى لو غابت الأخبار حول ذلك وسط خبر استشهادها الذي اقتصرت معلوماته في كل وسائل الإعلام على تكرار ببغائي للمعلومات المختصرة في بيان وكالة أنباء سلطة رام الله.

غفران رواسنة بدأت حياتها حتماً منذ طفولتها بالتظاهر بوجه الاحتلال والاعتصامات والمشاركة في كل نشاط نضالي سلمي، وما عملها في الإعلام إلا استكمال لهذا الدور النضالي لا مجرد طريقة كسب رزق وشهرة على محدوديتهما في حياة غفران القصيرة لكن الحافلة بالنضال الذي حرمها منهما، وهو ما عنى أنها كانت دائماً تحت خطر حقيقي عن سابق عمد وإصرار منها، خطر الاعتقال أو الإصابة أو الشهادة أو خسارة الفرص المهنية، أما تغييب تاريخها الحافل بكل هذه الإنجازات الصغيرة المتراكمة والاحتجاجات والنضالات السلمية التي كان آخرها ما أدى لاعتقالها الأخير (نضال يشترك به كثير من الشباب الفلسطيني الذين لولاهم لما بقي من قضية اسمها فلسطين)؛ فتغييب هذا التاريخ الرائع يدخل في لعبة إعلامية معروفة وهو ما جعل خبر استشهادها يمر بسرعة كأي خبر لشهيد فلسطيني، وهي التي استشهدت لأنها في نظر قاتلها مناضلة فلسطينية (مع كذب الرواية الإسرائيلية بمحاولة قتله بسكين) لا لكونها إعلامية، فدماء شيرين أبو عاقلة لم تجف بعد مع كل الضجة والإزعاج الذي أثاره مقتل شيرين أبو عاقلة لإسرائيل.

بالمقابل، فشيرين أبو عاقلة خريجة الإعلام عملت منذ تخرجها (ودون صعوبات في إيجاد فرصة عمل مجزية مالياً وهي البعيدة عن السياسة)؛ عملت في وسائل إعلام معروفة لخمس سنوات ثم انتقلت منذ ربع قرن لتعمل في قناة الجزيرة منذ انطلاقتها في عمل إعلامي يدرّ الشهرة والمال بعيداً عن أي خطر ما دام بعيداً عن أي نضال سياسي .. هنا قد يحاجج البعض باستشهادها، والرد واضح: قتل شيرين أبو عاقلة بعد ثلاثة عقود من حياتها المهنية بكل ما حفلت به من أحداث عاصرتها وغطّتها أتى بقرار فردي لجندي إسرائيلي بعيد عن المعادلة التي نعرفها هناك والتي لم يستهدف يوماً وفقها عمداً إعلامي واحد بسبب دوره الإعلامي في أي وسيلة إعلامية، فشيرين كانت تغطي الحدث دائماً من موقع آمن وتعرّضها لبعض المضايقات أحياناً (كالدفع مثلاً) كغيرها من الإعلاميين لا يمكن أن يندرج في خانة التضحية والمخاطرة غير الموجودة في هذه الحالات.

أيضاً، وعن دور شيرين كمناضلة وطنية فلسطينية ليس موجوداً، إذ لم يُعرف عنها يوماً مشاركتها في أي نضال سلمي مهما كان صغيراً حتى لو تمثّل باعتصام سلمي لا يحمل أي خطر يُذكر من أجل الاحتجاج على مصادرة أرض فلسطينية لبناء مستوطنة إسرائيلية، فتغطيتها الإعلامية للحدث (أي حدث) كان يتم من موقعها الوظيفي كإعلامية محمية من أي خطر متعمد خلف شارتها الإعلامية ووسيلة الإعلام التي تتبع لها، ومن نقطة تغطية ميدانية بعيدة عن خطوط أي اشتباك، وهو ما كان يعني المال والشهرة بدون أي خطر، عمل يتمناه كثيرون فهو عمل سهل بكل المعاني بعيداً عن الفذلكات والشعارات الفارغة التي قد تحاول نفي هذه الحقائق .. ومع ذلك حظي خبر استشهاد شيرين أبو عاقلة بتغطية واهتمام وتشييع حوّلها إلى مناضلة عظيمة لم تكنها يوماً وفق نفس اللعبة الإعلامية التي حوّلت خبر استشهاد وتشييع غفران وراسنة إلى خبر عادي جداً.

بالنسبة لي وبعيداً عن هذه اللعبة الإعلامية التي لا تتّسم بأي عدالة وحق، شيرين أبو عاقلة فلسطينية قُتلت ظلماً كعشرات آلاف الفلسطينيين الذين سبقوها وهو البعد الوحيد المؤثر في خبر مقتلها/استشهادها، لكنها لم تكن ولم تمارس يوماً أي دور نضالي بل مارست مهنتها المريحة المدرّة للمال والشهرة متجنّبة أي خطر بل ومتجنّبة أي فعل نضالي شخصي احتجاجي قد يعرّضها لأي خطر ولو كان اعتقالاً ليوم واحد قد يفقدها وظيفتها ناهيك عن حياتها أو أي خسائر شخصية، فشيرين أبو عاقلة لم تكن يوماً مناضلة ومكانتها أتت من مقتلها الظالم فقط الذي لا يعطيها أي تميّز عن عشرات آلاف الفلسطينيين الذين سبقوها بل كانوا نضالياً وطنياً فلسطينياً أهم منها بكثير وآخرهم الشهيدة غفران وراسنة.

رحم الله الشهيدتين اللتين قُتلتا ظلماً وعدواناً شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة، لكن آخر ما يعنيني الانسياق وراء هذه اللعبة الإعلامية التي تتلاعب بالعقول والعواطف وتغمط الناس حقوقهم، فكم من أشخاص رائعين أنجزوا الكثير وضحّوا كثيراً وغاب ذكرهم كغفران رواسنة، ولنا في الثورة السورية خير مثال، مقابل من "لعبوها" على المضمون كأمن شخصي مع كل مكتسبات الشهرة والمال فإن رحلوا بأي سبب تم تحويلهم إلى أيقونات، ولو رحلوا (ولو بمرض كورونا) وترافق تاريخهم (ولا أعني هنا شيرين أبو عاقلة) بكل الألاعيب السياسية الرخيصة ومشاركتهم بكل الخراب والتلاعب بتضحيات الثورة، فأيضاً لنا في الثورة السورية خير مثال.

التعليقات (2)

    محمد فنوش

    ·منذ سنة 10 أشهر
    لدي شكوك في أن تكون شيرين حية ترزق، مع اعطائها التعوتامناسب لتختفي من الساحة الإعلامية. لا اثق في الجزيرة أو من يقف معها أو ورائها . تحول خبر مقتل شيرين ابو عاقلة إلى حدث يكافئ في دويه الحرب العالمية الثانية ، و هنا بيت القصيد.

    بسام فياض

    ·منذ سنة 10 أشهر
    مقال سليم تماما!!!!! فمقتل شيرين أبو عاقلة كانت مصادفة لا أكثر ولا أقل!!!!!! يعني بالخطأ.....فمعلوم لمن يريد أن يعلم الحقيقة انها وباقي اعلاميي الجزيرة العاملين في الأراضي المحتلة كانوا ممن يحصل على امتياز الوصول لأماكن ممنوعة والتحدث مع الأسرى بمت لا يعطى لغيرهم من وسائل الإعلام!!!!!!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات