مستقبل المنطقة بعد تراجع شعبيَّة نتنياهو في إسرائيل وحزب الله في لبنان

مستقبل المنطقة بعد تراجع شعبيَّة نتنياهو في إسرائيل وحزب الله في لبنان

ظهرت منذ مدَّة بعض التَّحرُّكات الدِّبلوماسيَّة العربيَّة الخجولة تجاه نظام بشَّار الأسد المجرم في دمشق، وظنَّ بعض المراقبين ممَّن وثَّقوا جرائم بشَّار الأسد ونظام الأسرة الحاكمة في دمشق أنَّ هذه التَّحرُّكات الدِّبلوماسيَّة ما هي إلَّا محاولات غير مجدية لتعويم النِّظام الحاكم أو إعادة إنتاجه؛ فالجرائم الَّتي اقترفها، والدِّماء الَّتي سفكها، لم يعد بإمكان أيِ عاقل أن يتجاوزها، وحين فاضت حُفرة مجزرة التَّضامن بدماء السُّوريِّين الأحرار؛ صاح غير قليل من شرفاء العالم: (بلغ السَّيل الزُّبى)، في إشارة واضحة إلى اقتراب نهاية النِّظام المجرم في دمشق بعد ليل طويل؛ بشَّرنا بنهايته أبو القاسم الشَّابيِّ؛ حين قال:

إذا الشَّعب يومًا أراد الحياة فلا بدَّ أن يستجيب القدر

ولا بدَّ للَّيل ِأن ينجلي  ولا بدَّ للقيد أن ينكسر

سنقدِم في هذا المقال قراءة أخرى مختلفة؛ تربط الحراكين: السِّياسيِّ والدِّبلوماسيِّ في المنطقة الشَّرق الأوسط بكلٍّ من انتخابات المجلس النِّيابيِّ اللُّبنانيِّ وانتخابات الكنيسيت الإسرائيليِّ قبلها، فقد أكَّدت انتخابات الكنيسيت الإسرائيليِّ المبكِّرة والمتكرَّرة تراجُعَ شعبيَّة رئيس الوزراء السَّابق بنيامين نتنياهو، وكشفت عن تغيِّر كبير في مزاج النَّاخب الإسرائيليِّ، الَّذي لم يعد يصدِّق انتصارات نتنياهو الوهميَّة ضدَّ الشَّعب الفلسطينيِّ الأعزل، فقد أشعل نتنياهو أكثر من حربٍ ظالمة ضدَّ الفلسطينيِّين العُزَّل في غزَّة، وأطلق شُعلتها من حيِّ الجرَّاح حينًا، ومن حرم المسجد الأقصى حينًا آخر؛ ليعلن كلٌّ من نتنياهو وحماس بعد كلِّ حربٍ نصره المزعوم في محاولة من الطَّرفين لاكتساب شعبيَّة وجماهيريَّة وهميَّة لم تعد تُقنع الكثيرين ممَّن يؤيِّدون السَّلام، ويسعون إليه، ويعارضون غطرسة نتنياهو ضدَّ الشَّعب الفلسطينيِّ الأعزل، ولا يؤمنون بأيِّ جدوى لمقاومة مزعومة ومُمناعة خُلَّبيَّة واهية لا تتحرَّك إلَّا وفق أجندات نتنياهو حينًا، وحسابات إيران وشُكرِها حينًا آخر. 

يبدو أنَّ أكثر من قضيَّة جنائيَّة تنتظر نتنياهو ليُحاكم عليها، بعدما فشلت انتصاراته المزعومة على حماس في تحقيق أيِّ مكسب انتخابيٍّ؛ فعاقبه النَّاخب الإسرائيليُّ على سياسته العنيفة دون جدوى؛ مَّا فسح المجال أمام نفتالي بينيت أن يشكَّل حكومته الائتلافيَّة الرَّاهنة؛ ولعلَّنا نلتقط ههنا إشارة ضمنيَّة نحو نزوع فئة من النَّاخبين الإسرائيليِّين نحو السَّلام ومعارضة واضحة لسياسة نتنياهو العنيفة، وإن فقدت حركة حماس على الطَّرف الآخر كثيراً من شعبيِّتها وجماهيريَّتها فإنَّ الهزيمة الكبرى لحقت بالجناح الثَّاني لتيَّار المقاومة المزعومة الممتدِّ من جنوب لبنان حتَّى طهران، مروراً بالقرداحة معقل المجرم بشَّار الأسد وأتباع النِّظام الإيرانيِّ في بغداد.

التقط نفتالي بينيت خيط التَّحوُّلِ في مزاج النَّاخب الإسرائيليِّ؛ فقدَّم له خطاباً آخر؛ يقول فيه: إنَّ قوَّة إسرائيل في تعايشها السِّلميِّ مع جيرانها أوَّلاً، مع حفاظها على تفوِّقها الاستخباراتيِّ والعسكريِّ النَّوعيِّ ثانياً، ولعلَّ هذا التَّحليل حول سياسة نفتالي بينيت الانتخابيَّة يشكِّك-بشكل أو بآخر-في أسطورة نفق الحرِّيَّة المزعوم، الَّذي حفره الأسرى الفلسطينيِّون بالملعقة؛ لتلتقطهم استخبارات نفتالي بينيت بعد هربهم بقليل؛ ليقول للنَّاخب الإسرائيليِّ: هذه قوَّة إسرائيل الحقيقيَّة؛ إنَّها قوَّة استخباراتيَّة وعسكريَّة نوعيَّة، وليست انتصارات نتنياهو الوهميَّة على حماس والشَّعب الفلسطينيِّ الأعزل؛ ونحن في هذا المقام نأمل الحرِّيَّة لكلِّ معتقل سوريٍّ أو أسير فلسطينيٍّ في سجون بشَّار الأسد أو نفتالي بينيت، ولا نعرض هذه الحادثة لمعارضة الهرب من قيود المجرمين، وإنَّما نعرضها لننقد سرديَّة الإسرائيليِّ وسرديَّات الأوهام في إعلام بشَّار الأسد التَّضليليِّ أيضاً.

مثلما التقط نفتالي بينيت تغيَّر المزاج لدى النَّاخب الإسرائيليِّ، فنَّد النَّاخب اللُّبنانيُّ دجلَ محور المقاومة المزعومة الممتدِّ من جنوب لبنان حتَّى طهران؛ وعرف أنَّ تجهيز (صواريخ ما بعد حيفا) و(براميل بشَّار الأسد المتفجِّرة) وطائراته وصواريخه لم تكن يوماً لمحاربة إسرائيل، الَّتي تضرب كلَّ يومٍ أنَّى شاءت، ويحتفظ محور المقامة بحقِّ الرَّدِّ إلى ما بعد يوم القيامة، وإنَّما جمَّع محورُ المقاومة هذه التَّرسانة لاحتكار امتيازات المقاومة المزعومة وقمع الشَّعب في الدَّاخل؛ لذلك كان ردُّ النَّاخب اللُّبنانيِّ على سياسة الفشل بمعاقبة محور (بشَّار الأسد وجبران باسيل وحزب الله)؛ فأسقط مرشَّحيهم في الانتخابات النِّيابيَّة اللُّبنانيَّة، ولم تبقَ بيد حزبِ الله أيُّ أغلبيَّة نيابيَّة، يعتمد عليها؛ لتستمرَّ بها وبالسِّلاح غير الشَّرعيِّ هيمنته على قرار الدَّولة اللُّبنانيَّة، وسقطت في الانتخابات شخصيَّات تبعت لمحور المقاومة المزعومة على الدَّوام، كطلال أرسلان، ووئام وهَّاب، وإيلي الفرزلي، وأسعد حردان، وتكشَّفت بعضٌ من أهداف زيارة بشَّار الأسد الفاشلة إلى إيران قُبيل الانتخابات النِّيابيَّة اللُّبنانيَّة.

والآن؛ وفي نهاية هذا المقال، يمكننا أن نقول: ماذا بعد؟ وما المأمول من الحِراك الدِّبلوماسيِّ المنتظر؟ في الحقيقة يأمل المواطن العربيِّ خيراً كثيراً؛ ولا سيَّما المواطن في سوريا وبلدان الممانعة الأخرى، بعد ظلم طويل عانى منه ما عانى في بلاد الأوهام الرُّومانسيَّة؛ عانى فيها من الدِّكتاتوريَّات الظَّالمة حيناً، وقاسى من عيشه تحت خطِّ الفقر أحياناً أخرى، ولا بدَّ لنا من الإشارة إلى ضرورة التقاف هذا التَّغيُّر الكبير في أمزجة النَّاخبين في إسرائيل ولبنان وسوريا والعراق؛ للإطاحة بنظام المجرم بشَّار الأسد، ومساعدة القوى التَّحرُّريَّة النَّاهضة في هذه البلدان؛ لدعمها داخليّاً وإقليميّاً ودوليّاً؛ لعلَّ شعوب هذه المنطقة تعيش بُرهة من السَّلام، بعد أن قبعت ردحاً طويلاً من الزَّمن تحت نفوذ أنظمة دكتاتوريَّة مستبدَّة.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات