رواية لتاريخنا المعاصر: اغتيال شيرين أبو عاقلة وشريط الهزائم المرة

رواية لتاريخنا المعاصر: اغتيال شيرين أبو عاقلة وشريط الهزائم المرة

يحيل استشهاد الصحفية "شيرين أبو عاقلة" إلى جوهر القضية الفلسطينية برمتها منذ إعلان وعد بلفور إلى قرار التقسيم مروراً بثورات كفاح الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة في ثلاثينيات القرن الماضي إلى حرب 1948 وحرب 1967 ثم إلى أيلول الأسود ومجيء حرب 1973 التي تغذَّت على طفرة فوائض النفط المالية، وانتعاش الفساد الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري  في الدول التي بقدر ما رفعت من شعارات وطنية وقومية، بقدر ما خفضت سقف ممارستها لتلك الشعارات.. وهكذا لتنتهي مجازر بيروت إلى تصفية الحركة الوطنية اللبنانية التي تجلت بأبهى صورها وممارساتها، وإبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن مجالها الحيوي! ولتدخل المنظمة- من بؤس أصحاب الشعارات، وتقديمها قرباناً للمصالحة اللبنانية- نفق أوسلو الذي سيكون سبباً لخلاف رفاق الدرب وافتراقاً بين قيادات الثوار، ولتكثر عندئذ المزايدات التي تتحكم بالسياسات.

 

التغلغل الإيراني وخلفياته الطائفية

ذلك هو التاريخ المعاصر الذي عشناه مجللاً بالهزائم والمرارات والصراعات البينية عربياً.. ليعقب كل ذلك مرحلة التغلغل الإيراني باسم القضية الفلسطينية، ولتسحب إيران الملف الفلسطيني إلى أدراجها فيلتفّ حولها من يلتف من العرب وتتقدم المصالح الضيقة، وتختلط أحياناً بخلفيات طائفية، وثمة من التفت إلى محاربة إيران، وما إن تراه حقق نصراً مجرِّعاً خصمه "روح الله الخميني" "كأس السمِّ.." حتى أخذ ذلك النصر يشكِّل حالة قلق عربيًّ وشوكاً في وسائد بعض حكامهم، فيعمل أهل تلك الهواجس على نصب فخٍّ محكمٍ للمنتصر، وهو في زهوه لايزال، وهكذا يكون غزو الكويت، لتعقبه عاصفة الصحراء، وتعيد الأمور إلى طبيعتها، لكن بغداد التاريخ، والحاضر المتطلع إليه تسقط سقوطاً تاريخياً كالذي كان عام 656 هـ.. 

وهكذا يكون الدخول إلى نفق مظلم آخر، نفق أشمل وأعمّ.. ولا يطول الأمر كثيراً حتى تترامى بعض الأنظمة على أعتاب إسرائيل تحت حجج واهية، بل لتحقيق رؤية شمعون بيريز ومشاريعه الاستثمارية في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، وبسط النفوذ الإسرائيلي على المنطقة العربية برمتها.. وإذا كان تحققُ حلم بيريز مرتبطاً بإقامة الدولة الفلسطينية، فقد غدا اليوم حقيقة واقعة من غير قيام الدولة الفلسطينية، إذ لاتزال الأراضي الفلسطينية عرضة لقضم أراضيها، ولا يزال التطاول على القدس عاصمتها التاريخية..

 

هل ثمة عوامل أخرى للضعف العربي؟

وأما السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل العرب ضعفاء حقاً إلى حد يجعلهم يتهالكون أمام عدو تاريخي هروباً من عدو جديد آخر طامع، وهل المشكلة تتعلق بالسلاح والدعم الأمريكي/الأوروبي لإسرائيل؟! أم إنَّ ثمة عوامل قوة أخرى مهملة ولها السبق إذا ما استخدمها العرب! وأعني ذلك الكم البشري الهائل الذي يقترب من نصف مليار إنسان بينهم علماء وخبراء في المجالات كافة، وثمة اقتصاد متعدد الأوجه في موارده وغنى إنتاجه إذا ما تحقق، ولست أحلِّق في الخيال فأدعو هنا إلى قيام وحدة عربية على نمط ما كان يُطرح.. بل إن كل ما أريد قوله أن يدرك الحكام العرب أن مصالحهم، مصالح أوطانهم وشعوبها، تأتي في الدرجة الأولى من الاعتراف بقدرة تلك الشعوب على الفعل وبخاصة حين تعطى حريتها، وتشعر بصون كرامتها.. ولابد من اتخاذ مواقف سياسية عربية قريبة من بعضها، إن لم تكن موحدة، بهدف تأمين أمن قومي عربي، فالعالم يبحث عن مثل هذا الأمن على بعد آلاف الكيلومترات، فما بالك بشعوب ترتبط بوحدة التاريخ واللغة والثقافة والآمال والآلام.. إلخ.. والحقيقة إن العجز يكبل العقول والإرادات قبل تكبيل الأدوات والأساليب.

 

كأنما هي المستهدفة فعلا

وإذا كانت حياة الشهيدة شيرين أبو عاقلة قد اختزلت ذلك التاريخ المفعم ببطولات شعبها، على مدى عقدين وأكثر، فقد عكست باستشهادها، وهي التي لا تملك غير صوتها وعين كاميرتها، غدر الإسرائيليين وتعمّدهم قتلها بالطريقة التي رصدتها أعين زملائها إضافة إلى الكاميرات، وهي تحاول القيام بعمل إنساني إلى جانب عملها الصحفي، فقد حاولت إسعاف زميلها المصاب، فكان نصيبها رصاصة غدر عن سابق تصميم وترصّد، وكأنما هي المستهدفة فعلًا.. وهكذا ليبقى دم "شيرين أبو عاقلة" مَعْلَماً فاصلاً بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين المحتل وصاحب الأرض/الوطن.. ونقطة ضوء تكشف زيف الديمقراطية الإسرائيلية.. إن الدم الفلسطيني يستصرخ اليوم ضمائر كل من يمسك بدَفة قيادة بلد ما في عالمنا العربي والعمل على الخروج من تلك الهاوية التي وصلنا إليها.. سواء تعلقَ الأمر بالتطبيع أم بالاعتماد على الآخر، كائناً من كان، أم بحرية الشعب وتجديد الأنظمة بجرعات من الديمقراطية الفعلة التي تنمو في ظلالها دولة المواطنة والقوانين.. فالمشنقة ليست حول رقبة الفلسطيني وحده، إنما هو كبش فداء أول لا غير. 

واغتيال شيرين من جهة ثانية، شاهد على جرائم المحتلين الإسرائيليين العنصريين وعلى فظائعهم، واستهتارهم بكل الشرائع والقوانين الأممية منذ عام 1947 وإلى اليوم.. وهم مستمرون على تلك الصورة البشعة إلى يوم يصبح فيه العالم قادراً على رؤية الحق والحقيقة إذا ما نزع عن الوجه الإسرائيلي براقع حرياتها وديمقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان. بيْدَ أن الفلسطينيين استطاعوا بثباتهم على حقوقهم أن ينزعوا تلك البراقع، وما اغتيال "أبو عاقلة" اغتيال الصحفية المعروفة للملأ إلا تأكيد على ذلك ومحاولة لإنهاء كل صوت يفضح تلك الجرائم ويعرِّي مرتكبيها.. إنها الشهيدة والشاهد لا على التوحّش الإسرائيلي فحسب بل على معجزة الشعب الفلسطيني الكفاحية، والمستمرة حتى تحرير وطنه ونيله حقوقه كاملة بما في ذلك حق العودة وتقرير المصير..

 

التعليقات (1)

    A

    ·منذ سنة 9 أشهر
    طيب ايمتا رح نخلص من هالمقالات والكليشيهات المعتة والمملة، ياحيف ع اورينت وتاريخها الثوري... البرقاوي، محمد العثمان، الوهب...... الخ. شخصيات مافي عندها شي تقدمه سوى تهويمات وكلام فارغ، جايبين ثاقفتكم الخشبية من جريدة النور والجماهير والشعب والعروبة والبعث... يعني المقال له قواعد واركان وملامح ورسالة إذا ماقدم الكاتب شيء فليش ليكتب ويعل قلبنا وياخد مكان كاتب افضل ياخي احترموا عقول الناس يلي عم تقرأ... اقرؤوا ادب عالمي واسمعو خطاب عالمي وتحدثوا كلام عالمي بعدها نحطكم ع راسنا.... انتو معكم شيزوفرينيا ومتلازمة ثقافة تحت الهودج... مع احترامي لأورينت وتاريخها الجميل والثوري مع تحيات زهير سالم
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات