قلق إسرائيلي مفتعل من انتشار إيراني بقواعد روسية في سوريا

قلق إسرائيلي مفتعل من انتشار إيراني بقواعد روسية في سوريا

قالت صحيفة موسكو تايمز منتصف أيار/ مايو الجاري إن روسيا تجري عمليات إعادة تموضع وانسحاباً جزئياً لقواتها وتقليصاً لعملياتها في سوريا لدعم الحملة العسكرية  المتعثرة في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، وحسب الصحيفة الروسية فإن المناطق التي شهدت تحركات روسية عسكرية في الفترة الأخيرة هي مطار القامشلي بالحسكة ومطار التيفور بحمص ونقاط عسكرية في الجنوب السوري حيث زاد انتشار الميليشيات الطائفية المدعومة من الحرس الإيراني في تلك المناطق حسب تعبير موسكو تايمز.

في السياق نفسه كانت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية قد نشرت تقريراً أواخر نيسان/ أبريل الماضي قالت فيه إن إسرائيل تشعر بالقلق من انتشار قوات إيرانية بقواعد روسية في سوريا بعد نقل موسكو قواتها من هناك للمشاركة في الغزو الروسي لأوكرانيا.

تقرير الصحيفة العبرية أشار كذلك أن ثمة قلق إسرائيلي أوسع نتيجة التوتر الأخير في العلاقات الروسية الإسرائيلية بسبب الخلاف حول موقف تل أبيب من الغزو الروسي لأوكرانيا، ما قد ينعكس سلباً على التفاهمات الثنائية فيما يتعلق بحرية الحركة الإسرائيلية في سوريا، تحديداً فيما يخص استهداف مواقع ونقاط التموضع الإيراني الاستراتيجي هناك، علماً أن إسرائيل لا تستهدف الوجود الإيراني في سوريا بحد ذاته كونه عاملاً مهماً لبقاء نظام بشار الأسد الذي يمثل نقطة تقاطع رئيسية بين تل أبيب وموسكو في سوريا.

بدت لافتة أيضاً إشارة الصحيفة العبرية إلى أن الانتشار الإيراني في القواعد الروسية تم بناء على طلب من رئيس النظام بشار الأسد لتعويض النقص البشري بعد مغادرة جزء من القوات الروسية من أجل دعم بقاء النظام نفسه الذي لا يستطيع الصمود دون وجود قوات أجنبية سواء من روسيا أو من إيران والميليشيات الطائفية التابعة لها.

لا بد من الإشارة كذلك إلى أن الصحيفة العبرية "هاآرتس" نشرت معلومات تفصيلية عما جرى في اللواء 47 جنوب مدينة حماه لجهة انتشار قوات إيرانية بدلاً من الروسية لتأكيد مصداقية ما نشرته بشكل عام.

بداية لا بد من لفت الانتباه دائماً إلى قاعدة منهجية مفادها أن الاهتمام بما ينشر في الصحيفة العبرية لا يعني بالتأكيد التأثر كثيراً بالمصطلحات المستخدمة فيها، من قبيل القلق أو الشعور بالخطر هذا غالباً غير صحيح ودعائي ويهدف أساساً إلى إبقاء الدولة العبرية دائما بدور وصورة الضحية، ولفت الانتباه عن احتلالها لفلسطين وهضبة الجولان السورية أيضاً، كما عن كونها عاملاً لعدم الاستقرار الإقليمي تماماً كما الممارسات الإيرانية الاستعمارية والتوسعية.

مع ذلك لا يمكن بالطبع استبعاد انسحاب أو مغادرة قوات روسية للمشاركة في الغزو الروسي لأوكرانيا كما قالت الصحيفتان الروسية والإسرائيلية كونه منطقياً وواقعياً ويتلاءم مع مجريات الأحداث والتطورات في سوريا وأوكرانيا في ظل الأنباء والتصريحات الرسمية المماثلة من روسيا نفسها أو تلك الصادرة من النظام عن نقل جنود وضباط روس وحتى ضباط وميليشيات تابعة للنظام للمشاركة في الغزو الروسي المتعثر والممتد لأوكرانيا.

غير أن هذا إذا صح وهو صحيح فعلاً، فلا يعني  بالضرورة أن القلق الإسرائيلي جدّي وغالباً هو مفتعل أو بالحد الأدنى مبالغ فيه، لعدة أسباب منها أن وجود ومغادرة القوات الروسية سوريا لا يغير شيئاً في استهداف القوات الإيرانية هناك، والاتفاق الإسرائيلي الروسي يتضمن فقط عدم استهداف القوات الروسية أو مؤسسات ومقرات ورموز النظام السيادية النسبية والضئيلة "حيث لا سيادة فعلية له" بشكل مباشر، مع مواصلة استهداف ومنع التموضع الإيراني الاستراتيجي المتضمن محاولاتٍ لإقامة قواعد برية و جوية و بحرية أو نشر ونقل أسلحة متطورة واستراتيجبة تعدّها تل أبيب كاسرة للتوازن مثل الصواريخ طويلة المدى ومضادات الطيران والسفن وما إلى ذلك، سواء في معسكرات النظام نفسه أو إلى الذراع الإقليمي المركزي لإيران في لبنان، علماً أن الاتفاق الثنائي نفسه وكما رأينا طوال السنوات السابقة لم يمنع استهداف إسرائيل قواعد ومعسكرات للنظام ينتشر فيها الإيرانيون - كمحيط مطار دمشق ومطار تيفور وميناء اللاذقية -  وميليشياتهم وأذرعهم الطائفية كون النظام لا يستطيع فرض كلمته عليهم، وبالتالي تجد تل أبيب نفسها حرة في قصفهم وإجهاض خططهم على قاعدة حقها في الدفاع عن أمنها، كما يقال دائماً في الأدبيات الروسية والإسرائيلية طبعاً.

ومن هنا تبدو تسريبات ومزاعم القلق الإسرائيلي من الانسحاب الروسي بشكل عام أو حتى نشر قوات إيرانية بدلاً منها دعائية ونسبية في أحسن الأحوال كون إسرائيل تعدّ روسيا رب البيت والقوة القائمة بالاحتلال في سوريا، ووجودها مهم بناء على التفاهمات الثنائية بين الطرفين وربما تخشى تل أبيب فعلاً من ملء إيران الفراغ أو زيادة تأثيرها على نظام الأسد  – بدلاً من روسيا - الفاقد للحياة والسلطة والسيادة أصلاً، مع الانتباه في السياق إلى أن تضخيم الخطر الإيراني دعائي بامتياز ويهدف أساساً إلى لفت الانتباه عن الخطر الإسرائيلي نفسه.

وفيما يخص القلق من التوتر في العلاقات الإسرائيلية الروسية بشكل عام مع ارتفاع سقف الموقف الإسرائيلي ونبرة التصريحات الفردية والشخصية عموماً ضد الغزو الروسي لأوكرانيا الذي دخل شهره الرابع وقد يمتد لأسابيع وحتى شهور طويلة، فهو مفتعل أو مضخم أيضاً وبالحد الأدنى غير جدي، كون روسيا طرحت الأمر أو عبّرت عن انزعاجها من المواقف ونبرة التصريحات الإسرائيلية الفردية والشخصية المتفرقة وغير الرسمية تجاه غزوها دون أن تتطرق أبداً ولو تمليحاً إلى التفاهمات السياسية والأمنية الثنائية في سوريا، حيث قامت بالإشارة مثلاً إلى رفض احتلال هضبة الجولان أو ضمّها لإسرائيل وهذا موقفها التقليدي أصلاً، علماً أنه نظري وكلامي فقط، ثم ردّت بالتطرق إلى القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي الطويل والممتد لفلسطين وعدم حلّ القضية العادلة بسبب الدعم الغربي الواسع لتل أبيب في تلميح إلى النفاق والازدواجية الغربية في التعامل مع قضيتي فلسطين وأوكرانيا.

وحتى التصعيد الكلامي الأخير إثر تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أصول نازية لأدولف هتلر والتي جاءت ردّاً على تصريحات نظيره الإسرائيلي يئير ليبد عن فظائع روسية في أوكرانيا، فقد كان مجرد زوبعة في فنجان وانتهت مباشرة باعتذار علني للرئيس فلاديمير بوتين مع تهنئة حميمة لإسرائيل في ذكرى تأسيسها.

في كل الأحوال لم تُشر روسيا أبداً إلى الواقع الحالي في سوريا تحديداً لجهة التضييق على حرية الحركة الإسرائيلية، بل إن الإشارة الوحيدة بهذا الصدد كانت إيجابية وأتت من السفير الروسي في تل أبيب أناتولي فيكتوروف باعتباره التنسيق الأمني ناجحاً وضرورة حيوية مهمة للجانبين. وهو نفس ما ذهب إليه وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال غابي غانتس-بعد اعتذار بوتين- عبر تأكيده على استمرار التنسيق الأمني بين الجانبين في سوريا، وعدم تأثره سلباً بالسجالات الأخيرة المحدودة حول أوكرانيا والموقف الإسرائيلي من غزوها، مع الانتباه إلى تحاشي تل أبيب إصدار موقف رسمي رافض وقاطع ومندد بالغزو عن الحكومة مجتمعة.

في الأخير وباختصار وتركيز، لا يمكن تجاهل احتمال وجود قلق إسرائيلي ما من الانسحاب الروسي التام تحسباً من حدوث فوضى وعجز النظام الأسد عن القيام بمهام حرس الحدود مع فلسطين المحتلة، لكن هذا لا ينطبق بالتأكيد على الانتشار والتموضع الإيراني حيث يصبح استهدافه أسهل، وهو ما يفسر بالتأكيد زيادة الغارات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في الفترة الأخيرة والتي بلغت 15 تقريباً منذ بداية العام الجاري ما يعني أنها باتت مكثفة وأسبوعية تقريباً.

• باحث وإعلامي

 

التعليقات (1)

    بسام فياض

    ·منذ سنة 10 أشهر
    يا ريت المتذاكي دائمآ وابدا في مقالاته ماجد عزام يخبر أصحابه وحبايبه في حركة حماس الملحقة بايران هذا الكلام!!!!!! ويقول لجماعة حماس كفاكم من علاقة العار مع النظام الإيراني وعصابة حزب الله ومن محاولاتهم المستميتة لإعادة دفء علاقتهم مع المجرم بشار!!!!!!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات