إيران تقطف في سوريا ثمار الحرب "الروسية الأوكرانية"

إيران تقطف في سوريا ثمار الحرب "الروسية الأوكرانية"

مع انشغال آلة الحرب الروسية على جبهات أوكرانيا، ومع سحب القيادة الروسية لكثير من أطقمها القتالية البرية والبحرية والجوية من سوريا، إضافة لمعظم عناصر شركة مرتزقة فاغنر من الجغرافيا السورية، تتقدم إيران للاستفادة من تلك الظروف لملء الفراغ الروسي بكثير من الأريحية معيدة أمجادها في سوريا التي كانت تتمتع بها قبل عام 2015، عندما اضطر الجنرال قاسم سليماني لثلاث زيارات متتالية إلى موسكو لإقناع القيصر "بوتين" بالتدخل في سوريا، بعد أن أوشكت ميليشياته مع كل ما يملك الأسد وحزب الله من عسكر على الانهيار أمام ضربات وانتصارات الجيش السوري الحر.

إيران لم تُخفِ يوماً طموحها ببسط نفوذها على أكبر مساحة ممكنة من الجغرافيا السورية باعتبارها المحافظة رقم 35 كما قال كبير معمَّميها مهدي طائب, وبالتالي ومع أولى ملامح الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية، ومع بدء الفراغ العسكري الروسي على الأرض السورية، اندفعت تعزيزات إيرانية داخل سوريا عبر الحرس الثوري الإيراني وعبر ميليشيات حزب الله ومرتزقة زينبيون وفاطميون والنجباء العراقية وكتائب الإمام علي إضافة لعصائب أهل الحق ولواء الباقر، للانتشار في 120 موقعاً عسكرياً جديداً خلال الشهرين الأخيرين شملت أرياف محافظات حمص وحماة ودير الزور وحلب وأرياف القنيطرة في الجولان السوري، وحتى استخبارات النظام العسكرية لاحظت الأمر فقدّمت تقريراً للأركان العامة في جيش الأسد (سُرّب إلينا) يتحدث عن ازدياد نشاط الميليشيات الإيرانية في سوريا، ترافق هذا النشاط مع ازدياد واضح في عمليات التشييع التي عادة ما ترافق تحرك أدوات إيران. وأكد التقرير أن ازدياد النشاط الإيراني شمل إضافة للمحافظات الأربع السابقة حدود الجولان المحتل بشكل كثيف، بتحدٍّ واضح لتكتيك "حرب بين الحروب" الذي تعتمده القيادة الإسرائيلية في تعاملها مع الوجود الإيراني في سوريا.

من خلال موزاييك التحركات الميدانية العسكرية للجيش الروسي في سوريا ولميليشيات إيران، يبرز واضحاً تنسيق عالي المستوى من قبل موسكو لصالح طهران في سوريا، فالتنازل الروسي لطهران عن مستودعات "مهين" العسكرية في ريف حمص قرب بلدة “القريتين”، وهي المستودعات الإستراتيجية الأضخم للجيش السوري لم يكن اعتباطياً، وكذلك انسحاب قوات قاعدة حميميم من مطار تدمر العسكري لصالح حزب الله والحرس الثوري الإيراني لم يكن مصادفة، وقبلها بأسابيع تشاركت القوات الروسية مع الحرس الثوري الإيراني السيطرة على مطار القامشلي المدني بعد تحويله للجهد العسكري، وإليه نقلت إيران مجموعة ضخمة من الميليشيات الخاصة بتشغيل وإطلاق الطائرات المسيرة “درون”، ولاحقاً سيطرت القوات الإيرانية وبشبه سيطرة مطلقة على مطار "النيرب" العسكري في مدينة حلب ولحقت به مؤخراً بالسيطرة على مطار "كويرس" بعد انسحاب القوات الروسية منه بشكل نهائي، وبذلك تكون إيران قد أصبحت صاحبة الأوراق العسكرية الأقوى التي أوصلتها لمرحلة التمكين لوجودها فوق أراضي الجمهورية العربية السورية كما فعلت في العراق ولبنان واليمن.

بعيداً عن الروس، الوجود الإيراني ورغم الحرب التي تضخّها الآلة الإعلامية في كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حول التغوّل الإيراني في سوريا، إلا أن ميليشيات إيران لم تتلقّ ضربات حقيقية لا من طائرات التحالف الدولي ولا من الطيران الإسرائيلي بشكل يؤكد أن هناك رفضاً كاملاً لوجودها في سوريا، وكل ما يحصل إسرائيلياً عبر سياستها المسمّاة “جزّ العشب”، أو عبر ضربات "درون" التحالف تقول: إن تلك الضربات تستهدف فائض القوة الإيراني ولا تقترب من ضرب جذور تموضع إيران في سوريا، بمعنى أن إيران التي تدعم نظام الأسد لا مشكلة غربية أو إسرائيلية معها، لكن إيران التي تغيّر عبر شحنات أسلحتها (المشحونة من إيران أو المصنّعة في سوريا) من التوازنات العسكرية في المنطقة، هي ما يتم استهدافه عبر الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية المتكررة فوق ساحات سوريا.

تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخراً والتي طالبت الأسد بالابتعاد عن التموضع بالمشروع الإيراني إذا ما أراد العودة للحضن العربي، لم تلقَ آذاناً صاغية من دمشق بل صرفت على الإعلام فقط، وسياسة العرب بالتقرب من نظام الأسد مقابل فك ارتباط الأسد مع إيران تبقى آمالاً وطموحات غير قابلة للتطبيق، لأنه لا قدرة للأسد على فعل ذلك لضرورات عسكرية ولضرورات شخصية للأسد نفسه، لأن مصير بشار الأسد في حال أي تصريح له ضد إيران أو مطالبتها بالخروج من سوريا، سيكون كمصير الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي قتلته إيران عبر حليفها "الحوثي" بمجرد خروجه وشقّ عصا الطاعة الإيرانية، وزيارتان لعلي مملوك ولبشار الأسد لطهران لاستجداء ملء الفراغ الروسي تُعطي صورة واضحة عن مدى التصاق نظام الأسد بطهران واستحالة فصلهما.

المطالبة بإنهاء الوجود الإيراني في سوريا ليس مصلحة سورية خالصة، بل هو حاجة إقليمية وعربية، فالأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق طالما هناك بند في الدستور الإيراني يقضي بتصدير ثورة الخميني للخارج، ولن يتحق استقرار المنطقة قبل سحب أذرع إيران من سوريا واليمن والعراق ولبنان، ولن يتحقق أيضاً قبل تعهد إيراني بعدم التدخل بالشؤون الداخلية لدول الجوار، وتلك المطالب الثلاثة لن يكون بمقدور دول الإقليم فرضها منفردة، بل تحتاج لوضعها بنداً أساسياً في مفاوضات النووي الإيرانية في فيينا، وتحتاج أيضاً لقرار واضح وصريح من قبل مجلس الأمن الدولي، الذي تقع على عاتقه مهمة تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، وهذا الأمر ليس بعسير على الغرب وعلى الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد، فالدولة التي فككت الاتحاد السوفييتي، واحتلت العراق، وفككت تشيكوسلوفاكيا، لن تصعب عليها مهمة ضبط وتحجيم الدور الإيراني في المنطقة، إلا إذا كان الدور المستقبلي المنوط بإيران غربياً أن تكون شريكة إسرائيل بلعب دور الشرطي الأمريكي في المنطقة، وبذلك تضرب  الولايات المتحدة الأمريكية بكل مصالح حلفائها في منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

خلال العامين السابقين كان واضحاً أن هناك تفاهماً روسياً إسرائيلياً على تحجيم الدور الإيراني في سوريا، ووجدنا غض طرف روسي لمعظم الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع ومستودعات وشحنات السلاح الإيراني على الأراضي السورية، والتنسيق وصل لمرحلة متقدمة بين موسكو وتل أبيب عندما طالبت موسكو إسرائيل (فقط) بإعلامها قبل 15 دقيقة من موعد ضرباتها، لاتخاذ الإجراءات الدفاعية الكافية بحماية عناصرها في سوريا، وتكفلت موسكو لإسرائيل أيضاً بوقف استخدام منظومة الدفاع الجوي السورية (إس_300) التي منحتها مؤخراً لنظام الأسد، لكن إسرائيل وافقت على الطلب من حيث الشكل ورفضته من حيث المضمون عندما وافقت على إبلاغ موسكو بموعد ضرباتها الجوية داخل الأراضي السورية قبل مدة (3_5) دقائق فقط، كي لا تكون هناك (بحبوحة) زمنية لموسكو لإبلاغ الجانب السوري والإيراني وبالتالي فشل ضرباتها أو تعريض طائراتها للخطر.

لكن تلك التوافقات الروسية الإسرائيلية اهتزت مؤخراً، بعد إدانة إسرائيل للحرب الروسية في أوكرانيا وإدانتها للجرائم التي يرتكبها جيش بوتين أيضاً، فردّت موسكو بتصريحات استفزّت فيها تل أبيب أكدت فيها أن الجولان كان ولا يزال أرضاً سورية محتلة، وأن موسكو ستفعّل بعض منظومات الدفاع الجوي في سوريا، وذهبت موسكو لأبعد من ذلك فبعد إعلانها صراحة اشتراك منظومات دفاعها الجوي بالتصدي للصواريخ الإسرائيلية المطلقة على أهداف إيرانية في سوريا، خرجت مؤخراً قاعدة حميميم لتعلن استهدافها بصاروخ من منظومة إس300 لطائرة إسرائيلية من نوع أف16 شاركت بتاريخ 15 أيار بهجوم على مراكز إيرانية في منطقة مصياف، برفض واضح وصريح لاستمرار الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، وبالتالي تراجع موسكو عن مهمة التنسيق مع تل أبيب بموضوع تحجيم الدور الإيراني في سوريا.

الضربات الجوية عبر طائرات "درون" الحوثي وصواريخه للمنشآت المدنية في كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات لم تكن خارج هذا الإطار، فهي رسائل إيرانية واضحة المعالم للرياض وأبو ظبي، أن النقاش حول الوجود الإيراني في المنطقة يكون ثنائياً مع طهران من خلال حفظ أمن تلك الدول منفردة، وليس عبر أطروحات تستهدف إخراج إيران من المنطقة، كما تفعل بعض العواصم العربية التي تربط عودة بشار الأسد للحضن العربي بابتعاده عن الحضن الإيراني.

إيران التي تجيد اللعب على حافة الهاوية، وتجيد السباحة في بحر التناقضات الدولية واقتناص الفرص، تريد تجذير وجودها في سوريا بعد أن انتهت من تلك المهمة في العراق ولبنان، فهل يتنبه الغرب ودول المنطقة للتوافقات الروسية الإيرانية الجديدة ويكون هناك موقف صلب في وجه طموحات إيران؟ أم تدخل المنطقة في أتون توازنات جديدة يكون لاعبها الأول الحرس الثوري الإيراني؟!

التعليقات (3)

    JAMAL

    ·منذ سنة 10 أشهر
    أية تهدم المذهب الشيعي من أركانه. ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ فلو كانت قيادة الأمة لأل البيت بأمر من الله. لما ذكرت تلك الآية.لأنة طلب الله فقط من الأمة أن تود أل البيت ولا تؤذيهم ولم يطلب الله من الأمة أن يأخذوا أهل البيت أجراعظيما وهي قيادة الأمة.

    JAMAL

    ·منذ سنة 10 أشهر
    لماذا تلومون الماسونية لتمكينها لإيران المجوسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وهذه السنة الأردن فتبوك فالمدينة فمكة فللماسونية أعداء هم الديانات السماوية والأخلاق وهم يسعون لإقامة مملكة الشيطان على أنقاض الأديان.ويعتقدون أيضا أنه يجب عليهم هدم الكعبة وحفر قبر الرسول حتى يهتز الإيمان في قلوب المسلمين.الزعماء العرب يسهلون مهمة المجوس بأوامر من الماسونية

    جاز العشب

    ·منذ سنة 10 أشهر
    تعودنا سيادة العقيد الركن ان تكون مقالاتك متوازنة ومنطقية غير أن بعض النقاط التي أوردتها ههنا تحتاج لمزيد من البراهين لتقنع القارئ فما يتعلق بأن إسرائيل تستهدف فائض القوة لإيران في سوريا يحتاج لدليل طالما أن فائض الأسلحة عند حزب الله هو أكثر بكثير منه في سورية. النقطة الثانية عبارة تصدير الثورة والتشيع التي تتقاذفها الأفواه لم نجدها إلا عندنا كأعداء لإيران ولم ترد هذه العبارة في الدستور الإيراني ولو كان الأمر حقيقة لما وجدنا ٤٥ بالمائة من سكان إيران من السنة ناهيك عن أننا لم نسمع بأي سني تشيع ممن يعمل مع الميليشيات الإيرانية في درعا مثلا فكلهم بقوا على دينهم ولم نسمع منهم عكس ذلك
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات