أجبر الضغط الإعلامي الدولي والمحلي الذي أحدثته مذبحة التضامن المروعة نظام بشار الأسد على التعليق على المجزرة، بعد صمت طويل، ولكن ليس على طريقة الدول وإنما على طريقته المعروفة كعصابة وميليشيات، مستعيناً هذه المرة بابن عمه رفعت علي الأسد، الذي رغم اعترافه بالمذبحة وبشاعتها إلا أنه بررها بالتهديد والوعيد.
وفي بث فيسبوكي مصور تحت عنوان "تلميحات" استمر 17 دقيقة، ظهر جلياً حجم الاضطراب الكبير الذي أحدثته مجزرة التضامن في قلب النظام والطائفة العلوية، من خلال الرسالة التي أرد ابن عم بشار إيصالها وكان في بعضهاً صريحاً إلى حد استخدام مصطلحات ورواية الثورة الشعبية من قبيل (النظام السوري والتغيير الديمقراطي واصطفاف الطائفة العلوية مع النظام)، وفي بعضها تلميحاً كما عنوان كلمته ولكنها كانت أقرب للتصريح، وهي أن النظام كان مضطراً للمجازر لحماية الكرسي.
وحتى يبرر ابن عم بشار هذه الاضطرارية قسم بثه لثلاثة محاور اتهامية للثورة والمعارضة، ساق خلالها 3 افتراءات واضحة، ولم يكتفِ بذلك بل استشهد بإسقاطات تاريخية وحالية، ليخفف من هول مجازر النظام وموبقاته ضد السوريين، وليوصل رسالة بشار الأسد ورده النهائي على المجزرة.
المحور الأول: الجريمة مرفوضة والتبرير بالافتراء
يقول ابن عم بشار الأسد في بثه: "أنا ما ذنبي تحمّلني مجزرة التضامن الجريمة مرفوضة بس أنتو كمان ارتكبتو مجازر .. لشو ها التجييش والضغط كلو ... يعني كمشتوا بمجزرة التضامن ما أنتو ارتكبتوا 200 مجزرة،.. شو صار ببانياس وحمص والشام وداريا والأقفاص.. نسيتو عشرات المجازر... بالنهاية ذاكرتنا موجودة .. اللي صار ببداية الأحداث والهجوم على المدنيين والنسوان والولاد والأبرياء".
وكرر: "كمشتولي بمجزرة التضامن وشب ارتكب".. وهنا قطع ولم يكمل.
وتابع أيضا: كيف بدكم العلويين ما يصفّوا مع النظام ما أنتو أول ما جيتوا قلتوا بالذبح جئناكم ونصيرية وادبح واقتل".
وفي هذا المحور كيف سيصدق السوريون أن ابن عم بشار الأسد يرفض الجريمة ويدينها وأنه لا يتحمل ذنبها كعلوي وكموالٍ للنظام، وهو لم يطالب على أقل تقدير بمحاسبة الشخص الذي ارتكبها، وقطع الحديث حتى دون ذكر اسمه، لينضم إلى كل العلويين الموالين (المعدودين على أصابع اليد الواحدة) الذين تحدثوا عن مجزرة التضامن بنفس اللهجة التبريرية وحتى دون المطالبة بالقصاص من شخص واحد قتل 42 مدنياً وصوّر فعلته ليفتخر بها ربما أمام أهله وجيرانه قبل أن تصل هذه المفاخرة لكل العالم، تماماً كما فعلت العلوية المثقفة نهلة عيسى المدرّسة في كلية الإعلام بدمشق.
واعتماداً على ذاكرة الناس السمكية، قذف ابن عم بشار الأسد السوريين وثورتهم بافتراءين واضحين، الأول عندما برر اصطفاف العلويين إلى جانب النظام بسبب رفع الثورة لشعار ذبحهم وقتلهم منذ البداية وهذه الكذبه نفاها بشار الأسد بنفسه، عندما قال: إن الثورة كانت شعبية وسلمية ولم يبدأ العمل المسلح إلا بعد رمضان"، أي بعد حوالي 6 أشهر ، حيث بدأت الثورة في آذار 2011، بينما انتهى شهر رمضان مع بداية أيلول في ذلك العام.
أما الافتراء الثاني، فإلى جانب كونه كذب وقلب الحقائق فهو أيضا لايمكن قبوله كمبرر حتى وإن كان صحيحاً، وهذا الافتراء هو أن الثوار أيضا ارتكبوا 200 مجزرة بحق النساء والأطفال، وأين؟ بالشام وحمص وبانياس، وهنا يمكن طرح سؤال بسيط لكل السوريين، من منكم سمع بمجزرة اسمها الشام أو حمص؟!، نعم هناك مجزرة اسمها بانياس ولكنها ارتكبت ضد السُنة المدنيين وليس ضد أي علوي مدني أو سيدة علوية، كما يدّعي ابن عم بشار، وفيديوهاتها موثقة وتملأ وسائل التواصل.
ولكن بالمقابل سمع السوريون وشاهدوا مجزرة اللطامنة والقبو بحماة والحولة وكرم الزيتون بحمص وكيماوي الغوطة، وكل ضحاياهم مدنيون ونساء وأطفال سنة، وكلها موثقة بالفيديوهات، فأين المجازر الـ 200 أو عشرات المجازر التي ارتكبتها الثورة والسنة بحق مدنيين ونساء وأطفال علويين كما يدعى ابن عم بشار؛ الثوار والسنة لديهم الفيديوهات والصور وجميع التوثيقات، فأين وثائقكم؟!!
ولكن للإنصاف فقد صدق ابن عم بشار بمسألة النساء والمدنيين من الطائفة العلوية الذين احتجزهم جيش الإسلام ووضعهم بأقصفاص وسط الشوارع، وكانت حجته حينها وقف قصف ميليشيا أسد اليومي والكثيف على المدنيين في دوما والغوطة الشرقية، ورغم ذلك، خرج كثير من السوريين (الثورة والمعارضة) حينئذ وأدانوا ما فعله جيش الإسلام، وكما يعلم الجميع فإن هؤلاء كانوا في سجن ولم يتم تصفيتهم بدم بارد كما في مجزرة التضامن وغيرها، لا بل تم إطلاق سراحهم فيما بعد، بطرق شتى.
المحور الثاني: الثوار عملاء لإسرائيل
بدأ ابن عم بشار حديثه باتهام كل من خرج بالثورة والمعارضة بأنهم خونة وعملاء لإسرائيل، وذلك لأنهم يفرحون بقصفها لميليشيات أسد.
وقال : "أنتو عنصريين وطائفيين وبدكم تلغو العلوية وعملاء لإسرائيل وخونه ولو كنتوا صادقين ما كنتوا بتفرحوا لما بتضرب إسرائيل النظام كما أنتو بتسموه، لأنو النظام عندكم عدو وقتلكم وإسرائيل قتلتكم فلازم تكون عدو.. فشو هالتناقض وهالإزدواجية، وهالشي بيدل على عمالة وخيانة وغباء".
ولم يستند بكل كلامه في هذا المحور سوى على شخص واحد فقط من المعارضة زار إسرائيل، دون ذكر اسمه حتى، وفي هذا المقام ليس هناك حاجة للقول بأن الثورة والمعارضة وكما في كل الثورات ليست جسماً واحداً وله قيادة واحدة كما في ميليشيات أسد، فشخص واحد زار إسرائيل من المعارضة بالتأكيد ليس دليلاً على خيانة جميع الثوار والمعارضين.
وكما لايمكن نكران أن جمهور الثورة والمعارضة يفرح بقصف إسرائيل لميليشيات أسد وإيران وحزب الله، ولكن ذلك ليس لأنهم أصدقاء أو عملاء لإسرائيل بل لأن من تقصفهم إسرائيل ارتكبوا عشرات المجازر بحق السوريين المدنيين، ولأن هذه الضربات تكشف كذبة مقاومة النظام لإسرائيل وممانعته لها عبر 5 عقود، إذ لوكان كذلك لرد على 400 غارة موثقة خلال آخر 4 سنوات فقط، لا أن يكتفي بحق الرد على إسرائيل بينما يرد بقتل السوريين بإدلب وحلب وغيرهما.
المحور الثالث: المجازر حاضرة والقتل من أجل الكرسي
زبدة القول ما ختم به ابن عم بشار بثه الفيسبوكي،: إنه كتب منشوراً سابقاً عن كرسي الحكم في سوريا وأن الصراع على كرسي الحكم مكلف على مدار التاريخ، وسفك من أجله الكثير من الدماء بدءاً من الأمويين إلى الزنكيين، وكأنة يقول “على زمان الأمويين قتل صحابة وتابعون ما وقفت ع العشرات أو المئات بالتضامن”.
ثم وجه تهديداً مبطنا للسوريين بالفوضى وبالعودة إلى ارتكاب المجازر، في حال أصروا على ملاحقة نظام بشار بالمجازر والمطالبة بالتغيير.
وقال " لنفترض رحل النظام والله العظيم لنرجع للـ2013، ثم قفل بثه بعبارة هذه تلميحات لمن ألقى السمع وهو شهيد"، في إشارة للعام نفسه التي وقعت به مجزرة التضامن، وهو العام الذي ارتكب فيه نظام بشار أفظع المجازر بحق السوريين الثائرين على حكمه وما يزال وإن بشكل أقل.
مجزرة التضامن ورد العصابات
في 27 من الشهر الماضي، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، تسجيلاً يوثّق قيام صف ضابط في أجهزة ميليشيا أسد الأمنية يدعى "أمجد يوسف" بعمليات إعدام جماعية في حي "التضامن" جنوب دمشق، كما قام عناصر الميليشيا بتكويم الجثث فوق بعضها وحرقها..
فيما أفاد موقع newlines أن عدد الضحايا الموثقين في 27 تسجيلاً بحوزة مُعدّي التحقيق الذي نشرته الغارديان بلغ 288 شخصاً معظمهم من فئة الشباب وكبار السن وعدد من النساء والأطفال.
ورغم كل ما أثارته المجزرة من ضجه إعلامية وإنسانية على المستوى المحلي والدولي غير أن نظام أسد لم يخرج حتى الآن بأي رد أو بيان أو يفتح تحقيقاً على الأقل، كما تفعل أي دولة في هذه الحالة، ولكنه ظل صامتاً حتى خرج علينا أمس ابن عم بشار ليوصل تعليق النظام على المجزرة ولكن بشكل غير رسمي، وبطريقة العصابات المعروفة، تماما كما فعل ابن خالته رامي مخلوف عند بدء الثورة، حينما أعلن أن أمن سوريا (النظام)، من أمن إسرائيل، ليوجه ذات الرسالة القديمة: "الأسد أو نحرق البلد"، ولكن بأسلوب جديد " حرقنا البلد وبدنا الأسد".
التعليقات (6)