قتل وخطف ومعمل كبتاغون.. عصابات الأسد وحزب الله تصعّد في السويداء

قتل وخطف ومعمل كبتاغون.. عصابات الأسد وحزب الله تصعّد في السويداء

يتقاسم عناصر التعزيزات الأمنية ظلال الأشجار والأبنية في محيط ساحتي تشرين والزنبقة، وتتثاءب رؤوسهم في الصيف بمهارة لتطرد الذباب والحرّ، بعدما نسيتهم سلطة ميليشيا أسد هناك في وقت مبكر من شتاء هذا العام.

فيما يعلو إيقاع عمل العصابات المسلحة بحركات رشيقة لتقود حفلة التخريب المدروسة أركانه في السويداء، والتي يعجز المجتمع المحلّي عن سماعها أو إيقاف ضجيجها حتى الآن، وهو الفاقدُ لهياكل العمل السياسي، المنقادُ إلى المنظومة العائلية العشائرية في صورتها البدائية الجافة، والتي أرادتها ميليشيا أسد أن تظلَّ شكل التعبير الاجتماعي الوحيد في ذاك المجتمع المنعزل جنوباً منذ أن تأسس على أيدي دروز هاجروا من جبل لبنان عقب مجازر عام 1860 سيئة الصيت.

عصابات بأدوار متعددة 

ليس مفاجئاً ما جرى تناقله مؤخراً عن نيّة عصابة محلية مسلحة مقربة من ميليشيا حزب الله اللبناني الإشراف المباشر على تجهيز معمل صغير لصناعة حبوب الكبتاغون في إحدى قرى شمال السويداء، وربما سيكون إنتاجه ممهوراً بـ made in swaidaa، وقد يصلح للتصدير الخارجي.

فالمحافظة التي انغمست كلية في صنوف الجريمة المنظمة خلال النصف الثاني من العقد الأخير صارت اليوم تقارن بمدنٍ ذائعة الصيت بنسبة جرائمها المرتفعة، مثل كاراكاس في فنزويلا، وتيخوانا في المكسيك، وبورت مورسبي في غينيا.

إلا أن واقع الجريمة المنظمة في السويداء هو فريدٌ من نوعه، نادرٌ وغير مسبوق في مدنٍ أخرى، لا الآن ولا فيما مضى لجهة أن عصابات السويداء هي جزء من النظام السياسي القائم، ظهرت ونمت وازدهر عملها برعاية وتدبير أجهزة الدولة الأمنية، وعلى رأسها جهاز الأمن العسكري في ميليشيا أسد.

وتستطيع القيام بأدوار مركبة ومتداخلة في الوقت نفسه، مثلما فعلت إحدى تلك العصابات حين حاصرت منزل ملهم ناصيف في مساكن الكهرباء قبل أيام وتبادلت معه إطلاق نار وصفه سكان الحي بالكثيف والمرعب، قبل أن تأسره وتقتاده مصاباً إلى مقرّها في بلدة عتيل، بحجّة أنه مطلوب من قبل جهات أمنية.

وبعد هذه الحادثة بيوم واحد قامت نفس العصابة باقتحام منزل جابر سريوي وإضرام النار في محيطه بعد رفضه وساطات اجتماعية عديدة لإسقاط حقه الشخصي عن جريمة مقتل ابنه الوحيد على يد زعيم تلك العصابة قبل سنوات، وتمسّك والد الضحية بالحكم القضائي غير المنفّذ والصادر بحق مرتكبي الجريمة.

تلك العصابة وسواها من عصابات والتي تكوّنها عناصر من المجتمع المحلي، تمثّل اختراقاً متقدماً تمارسه السلطة الأمنية داخل الفضاء الاجتماعي، وتبني عليه مزيداً من أفعال تركيع المجتمع الدرزي وتخويفه باسمها، ولكنها تبقى متوارية خلف هذا الجرف البشري المتقدم الذي صممته بنفسها من مجرمين محليين سابقين طالتهم مراسيم عفو متعاقبة.

إذ لا تريد سلطة ميليشيا أسد الصدام المباشر مع الدروز، لذلك تختار من بينهم من يصلح للقيام بهذا الدور بالنيابة عنها، وممارسته بالجودة نفسها أو ربما أكثر.

القتل حصاد الشهر بالجملة

يوم الأحد الثامن من الشهر الحالي توغل العنف داخل السويداء بالغاً إحدى ذراه، حيث مات أربعة أشخاص في أنحاء متباعدة وجراء اشتباكات مسلحة مختلفة، أو تصفية فردية، بالإضافة إلى جريحين.

كما خطفت في اليوم نفسه عصابة عتيل المهندس فراس صابوني من مؤسسة الاتصالات واحتجزت سيارته رداً على رداءة خدمة الاتصالات في قرية عتيل حيث يتمركز أفراد العصابة، إلى جوارهم في قرية قنوات اشتبكت عصابة الفهد مع أيمن أيوب وقتلوه رداً على قتله لفردٍ من بينهم.

وفي قرية المزرعة أدت اشتباكات مسلحة أخرى وقعت داخلها في ذلك اليوم إلى مقتل شخصين وجرح شخصين آخرين، يضاف إلى تلك الاشتباكات المسلحة مقتل رامي عزّي في أرضه الزراعية والتي بدت أقرب إلى التصفية الجسدية.

كان يوماً ينطق بالموت من أوله إلى آخره، ولم تتزحزح مؤسسات النظام الأمنية في المحافظة عن صمتها المكين، لا في ذلك اليوم، ولا في سواه، وكأنها تحصد ثمار ما تزرع وتبتسم، تخيف الناس ولا تظهر، تقتل ولا تعترف، تشمت ولا تصرّح، تبتهج ولا تعلن.

بعد تلك الأحداث بيوم واحد اختطفت عصابة عتيل المسلحة وئام زريفة من أمام مكتبه وسط المدينة، ونقلته إلى مقرّها المعروف في البلدة، وهو من أنشط سماسرة تجنيد المرتزقة الدروز للقتال تحت إمرة قوات الاحتلال الروسي، ورجّح مطلعون أن يكون السببُ خلافاً عابراً حول محاصصات وتقاسم إتاوات معيّنة بين الطرفين.

وبهذا يبقى الفضاء الاجتماعي للدروز في السويداء مغلقاً يعاندُ أيّ انفراج جاد يفتح أفقه على رحابةٍ حقيقية، ويصطاد الكسل السياسي في أركانه وزواياه الصعبة الفهم، ما دامت مصالح التركيبة العشائرية العائلية الدينية هي الحالة المسيطرة على ذاك الفضاء، والتي تتطابق مصالحها الآنية مع مصالح النظام السياسي القائم.

وهذا الأخير يجيد دوماً شراء الولاءات له من الذين اعتادوا البيع حتى بأثمانٍ بخسة، وهم المسيطرون على المشهد والمتفرجون عليه، وهم الذين يفهمون التجارة على أنها البيع الدائم حتى وإن بلغت عندهم مبلغَ بيع رأس مالهم المعنوي نفسه، وذاك متى بيع فلا يمكن شراؤه مجدداً.       

                 

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات