ليس من عادتي أن أكتب أي كلمة تخص رجال الدين، وذلك لسببين: الأول عدم الاهتمام بهم، والثاني وهو أنني بعد الثورة أصبحت على قناعة مفادها أن فتح أي جبهة خارج نطاق هدف إسقاط الأسد هي جبهة يُراد منها تفتيت كلمة الثورة تمهيداً لإضعافها، وأن الخوض بالحديث حول رجال الدين، ولا سيما من يحظون بمريدين وتابعين، أمر لا يخدم الثورة السورية العظيمة.
الرجل المثير للجدل!
بالأمس قرأت منشوراً على الفيس بوك لأحد الأشخاص الدمشقيين المؤيدين للثورة، يكيل فيه المديح للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وقرأت كمّاً كبيراً من التعليقات التي تهاجم الشيخ البوطي وتصفه بالعميل لنظام الأسد وأنه لم يتخذ الموقف الواجب اتخاذه حيال القتل الذي مارسه نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري. عندها قررت أن أكتب هذه الأسطر لأبيّن ما أعرفه عن هذا الرجل المثير للجدل، وبكل الأحوال هي ليست بالمعلومات الكثيرة، ولكنني أعتقد بأنها مهمّة، لسببين الأول أنها من مصدر موثوق، والثاني أنها تعطي مؤشراً عن هذا الرجل وعن مكانته المرموقة عند نظام الأسد بدءاً بحافظ الأسد. وقبل الخوض بالمعلومات التي عندي أحبّ أن أبيّن مصدر تلك المعلومات.
في تسعينات القرن الماضي حدثت فضيحة أخلاقية في فرع جامعة دمشق لحزب البعث، وقد كان بطل الفضيحة رئيس الفرع ( أعتقد أنه غياث بركات الذي أصبح فيما بعد عضواً في القيادة القطرية رئيس مكتب الطلبة)، وعندما سمع حافظ الأسد بتلك الفضيحة أمر بحل قيادة فرع جامعة دمشق للحزب بالكامل، ولأن حافظ الأسد ديكتاتور لا أحد يستطيع مناقشته، فقد تم تنفيذ الأمر بحذافيره، ولكن الفضيحة سببها رئيس الفرع فقط وليس أعضاء قيادة الفرع، ولذلك وبعد أن حُلّ الفرع أصبح لزاماً على حافظ الأسد إنصاف أعضاء قيادة الفرع ممن ليس لهم علاقة بالفضيحة، فأمر أن يتم توزيع أعضاء قيادة الفرع على وزارات الدولة، كل حسب اختصاصه، وأن يُعيَّن هؤلاء فوراً كمُديرين في الوزارة التي يرسَل إليها (هكذا نقل أبو سليم دعبول مدير مكتب حافظ الأسد التوجيهات للوزراء). كان من ضمن هؤلاء مهندس زراعي اسمه محمد زين الدين وهو من محافظة اللاذقية، وقد كان من نصيبه - كونه مهندساً زراعياً- وزارة الزراعة التي كان السيد أسعد مصطفى وزيراً فيها، وأنا كنتُ موظفاً فيها. ولأن وزراء الدولة السورية في زمن عائلة الأسد موظفون بمرتبة وزراء، لم يكن بوسع الوزير أسعد مصطفى سوى تنفيذ الأوامر، فتم تعيين محمد زين الدين مديراً لمديرية القطاع الاقتصادي التي تم تشكيلها خصيصاً له، ولم يربطها بأي من معاوني الوزير، بل جعلها متصلة به مباشرة لزيادة التفخيم لهذا الشخص الذي يحظى بتوجيهات من حافظ الأسد.
مُخبر بدرجة مدير!
محمد زين الدين هذا كان مُخبراً بدرجة مدير، وكان متبجّحاً جداً، ولا سيما أنه أصبح مديراً بمرتبة معاون وزير بتوجيه من حافظ الأسد مباشرة، وقد كان يشكّل عبئاً ليس فقط على زملائه المُديرين بل حتى على كل الوزراء الذين تولّوا وزارة الزراعة، إلى أن استطاع وزير الزراعة عادل سفر في عام 2008 ترقيته إلى مدير عام الهيئة العامة للأسماك ومقرها جبلة، وبذلك يكون قد نفاه بصورة ترفيع وظيفي، ليقطع دابر أي مساءلة من جهات أمنية عن أسباب إبعاده عن دمشق، وهو الذي يقدم خدمات جليلة للأفرع الأمنية.
وبحكم كوني موظفاً في نفس المديرية التي تولى رأسها محمد زين الدين، وبحكم عقليته بالتبجّح الدائم حول ماضيه في فرع جامعة دمشق لحزب البعث، فقد دار في أكثر من مرة حديث حول الدكتور محمد سعيد البوطي أحببتُ في هذا السياق ذكره.
من المعروف في سورية أن الأفرع الحزبية في الجامعات السورية تُمثل مركزاً أمنياً متقدماً، يُناط به مسؤولية نقل التقارير ومراقبة الطلاب والمعيدين والأساتذة ودراسة تصرفاتهم ودراسة شعبيتهم وما إلى ذلك. والدكتور البوطي كان مدرساً في كلية الشريعة وقد تسلم في فترة من الفترات عمادة كلية الشريعة في جامعة دمشق، ومن الطبيعي (ولا سيما وبعد أحداث الإخوان المسلمين) أن تكون كلية الشريعة طلاباً ومعيدين وأساتذة تحت مجهر فرع حزب البعث.
حافظ الأسد وشعبية البوطي المزعجة!
كان فرع البعث في جامعة دمشق يراقب عن كثب الدكتور البوطي، يراقب تصرفاته، أحاديثه مع طلابه، محاضراته، والأهم شَعبيته التي كانت مصدر قلق وانزعاج لأعضاء قيادة فرع جامعة دمشق للحزب جميعهم، ومنهم محمد زين الدين، الذي قال لي مرة إنه ضرب الطاولة بكف يده ما أدى لتكسر بلور الطاولة، وذلك غضباً وحنقاً على شعبية الدكتور رمضان البوطي، وعندما سألته لماذا لم تستطع قيادة فرع الحزب الحدّ من شعبيته، ولا سيما أنه يمتلك الأدوات لذلك وأهم تلك الأدوات الارتباطات القوية والوطيدة بالأفرع الأمنية قال لي كعضو (وهنا مربط الفرس) إن أعضاء قيادة فرع الحزب لجامعة دمشق كلما يتخذون إجراءات عقابية بحق الدكتور البوطي بهدف الحد من شعبيته، يأتيهم اتصال، إما من أحد رؤساء الأجهزة الأمنية الفعالة في سورية أو من أبو سليم دعبول شخصياً يُطلب فيه منهم إنهاء الموضوع فوراً وترك الدكتور البوطي وشأنه، ما يدل على أن الدكتور البوطي كان يحظى برعاية خاصة ومباشرة من القصر الجمهوري في زمن حافظ الأسد.
هذه المعلومة التي أضعها بين أيدي السوريين متأكد منها، كتأكدي من أن ثورتنا ثورة كرامة وثورة حق، ويبقى من الطبيعي والمشروع أن يتساءل الشعب السوري، الذي يعرف تماماً دهاء ومكر حافظ الأسد وأنه لا يترك أي أمر مهما كان صغيراً للمصادفة، لماذا هذه الرعاية الخاصة من حافظ الأسد للدكتور البوطي؟ هل لعلمه وتُقاه؟؟ وكم في دمشق تحديداً وفي سورية عامة من يضاهي الدكتور البوطي بالعلم والتقوى وكان حافظ الأسد يناصبهم العداء وقد قتل منهم الكثيرين؟ والسؤال الآخر الذي هو أيضاً مشروع: هل الحظوة التي يتمتّع بها الدكتور البوطي عند عائلة الأسد جعلته يكون إماماً للمصلّين في جنازة حافظ الأسد، وجعلته يذرف الدموع المريرة على رحيله؟ وأيضاً هل هي نفس الحظوة التي جعلته يتخذ موقفاً من الثورة إن لم نقل ضدها ولكن ليس معها، وجعلته يُحرّم الخروج على الحاكم، وجعلته يتهم الثوار بأن جباههم لا تعرف الصلاة وجعلته يمتدح جيش عائلة الأسد؟
هذه الأسئلة برسم مؤيدي ومريدي الدكتور محمد سعيد البوطي فهل من إجابة؟.
التعليقات (20)