مشواري مع الأدب والثورة-7: مكتبة ومركز ثقافي في مخيم.. وقاعة المطالعة لا تكفي!

مشواري مع الأدب والثورة-7: مكتبة ومركز ثقافي في مخيم.. وقاعة المطالعة لا تكفي!

لا تقلّ الحاجة إلى العلم في أهميتها عن الحاجة إلى الطعام..يظن الكثيرون أن الإغاثة هي تقديم المواد الغذائية وأن أهل المخيمات الواقعة ضمن الأراضي التركية يتمتعون بالاكتفاء منها… نعم نحن نتمتع بالاكتفاء الغذائي ولكننا نعاني مجاعة ثقافية عمرها عقود من السنوات… تربّى فيها أجيال من السوريين على الصفقة الطلائعية, وعلى هتافات منظمة الشبيبة وما تلاها, درسوا في كتب التاريخ تمجيداً لأشخاص تمَّ رفعهم إلى درجات الآلهة, وألبسوا بطولات هي بريئة منهم كما هم أبرياء منها، آن الأوان لتغيير هذه القناعات والفرصة ملائمة جداً هنا.

اتحاد الكتاب الأحرار ينجدنا بالرواتب 

ثلاثمئة وعشرون بين معلم وإداري ومستخدم يعملون في مدارس مخيمنا تطوّعاً لعامين دراسيين, لم يقبضوا رواتب من أية جهة كانت, ثلاثمئة وعشرن شخصاً... ثلاثمئة وعشرون أسرة, فرحت  بنيلها حصة من مبلغ تبرعَ به إخوتنا أعضاء اتحاد الكتاب السوريين الأحرار في الكويت…ألف شكر لكل من ساهم في هذه الحملة, ولكل من نوى المساهمة ومنعته ظروفه….مئة وخمسون امرأة اشتغلت في نسج الصوف وقبضت أجرة شغلها نقوداً فرحت بها وفرحت معها أسرتها, كتب, قرطاسية, أحذية, ملابس,  كل هذه النشاطات التي نقوم بها في مخيم جيلان بينار لابد من جمعها في مؤسسة, أو شبه مؤسسة, تستطيع احتواء كل هذا العدد من الاحتياجات وتشمل كل الشرائح السكانية في المخيم, لذلك قررنا إنشاء مركز ثقافي, يقوم بكل هذه المهمات, الصالة جاهزة بمقاعدها وطاولاتها, هي صالة المعهد الشرعي الذي سبق أن افتتحناه في المخيم, وله حكاية طويلة ليس هنا محلها.

البحث عن المكتبة

أعلنا إقلاع مشروع المركز الثقافي, وابتدأ العمل, كان ذلك في ربيع 2015. أولى احتياجات المركز الثقافي هي المكتبة, لذلك نشرت إعلانات على صفحتي بالفيسبوك، وصار الأصدقاء يتبرعون بما لديهم من الكتب, جاءتنا الكتب من منظمة  بلبل زادا, ومن الصديقة الأديبة جهان السيد عيسى, ومن عدد من المكتبات في إسطنبول, المركز الثقافي يحتاج قاعة للمطالعة, استخدمنا نفس الصالة للمطالعة خارج أوقات الدوام. 

فتيان في المخيم أعمارهم بين عشرة إلى خمسة عشر عاماً، منهم من انتظم في المدرسة سنة أو سنتين، ثم تركها بسبب تنقل أسرته من مكان إلى آخر في رحلة النزوح المريرة.. ومنهم من لم يدخل مدرسة أبداً لنفس السبب، هؤلاء يتنقلون في الممرات بين الخيام, لا يوجد متسعاً ليلعبوا فيه، ولا مجال لتعلم مهنة. بعضهم دخل مدارس المخيم لأيام قليلة ثم تركها، عافها من المعاملة السيئة التي لقيها من المعلمات، إذ توبخه وتقارنه في كل لحظة مع زملائه الصغار, وتعيره بأنه غبي لا يفهم ما يفهمونه.

هؤلاء الفتيان, كانت معاناتهم لا يكاد يشعر بها أحد, كلما مروا من أمام خيمة يزجرهم ساكنها ويطردهم, يتهمونهم بالسرقة حيناً, وبالتلصص على النساء أحياناً, والأطفال في فراغ قاتل لا يعرفون ولا يعرف أحد كيف وأين ينفقون وقتهم وطاقاتهم.

كان الإقبال رائعا

بدأنا مشروعنا بهم. أنشأنا في المركز الثقافي شعبة لتعليمهم, أعطتنا دار جان طاش في إسطنبول كمية من الكتب التي يدرسون  بها اللغة العربية للمبتدئين, اعتمدناها منهجاً, أضفنا إليها مادة الرياضيات, وبعض العلوم إلى جانب الأخلاق, واستلم ثلاثة من شباب المخيم عملية تعليمهم, كل ثلاثة أشهر كانت تتخرج من مركزنا دورة, ويلتحق أفرادها بالمدارس النظامية, في صفوف تناسب أعمارهم وتحصيلهم العلمي.

كان الأستاذ منور الناجي هو الأقرب إلى قلوب هؤلاء الفتيان, يبدأ معهم في الأسبوع الأول بعملية تأهيل وتوجيه, يعزز فيهم الثقة بالنفس, كان يلتقي معهم في دروب المخيم فيسلم عليهم ويصافحهم, وهذه كبيرة جداً عند أطفال ينبذهم المجتمع, ولا يلاقون سوى الزجر والصيحات الغاضبة بين الخيام, ثم يبدأ التعليم بهدوء شديد, وبحزم يخلو من العنف, ولا يبخل عليهم مرة بعد مرة بتوزيع السكاكر حينا والملابس أحياناً, حتى إنني كنت أسألهم حين تكبرون مثل من تريدون أن تكونوا؟؟ بلا تفكير.. الجواب واحد.. مثل الأستاذ منور.

في قاعة المطالعة قسمنا الوقت بين البنات والشباب, كان الإقبال رائعاً, مصدر آخر للكتب أضفناه, الإنترنت, كنا ننزل الكتب الهامة من الإنترنت, ونأخذها إلى مكتبة المدينة, نطبعها على الورق ونضيفها لمكتبتنا.

ملابس وأدوات للفريق الرياضي

حين كنت في القاهرة حضرت تشكيل الكتلة الوطنية الجامعة, التي أسسها السيد ماجد حمدون, التقيت به في أنطاكيا في مؤتمر للكتلة, حدّثته عن مخيمنا وعن مركزنا, بعد مدة زارنا في المخيم برفقة عدد من أصحابه, اهتموا بالفريق الرياضي الذي تأسس في المخيم, دعموه بملابس رياضية وكثير من الأدوات الرياضية, خاض الفريق الرياضي مباريات كثيرة في المدن القريبة وفي المخيمات., مثال حرّان وأورفا وتل أبيض وفيران شهير كما شارك الفريق في دورة الفرات وفي معسكر بمدينة أنطاكيا.

اكتشفنا في المخيم مكتبة كبيرة غنية تابعة لليونيسف, لكنها مغلقة لا يدخلها إلا بعض الإداريين في المخيم, لأنها بناء مسبق الصنع, نظيف مرتب فيه مكيفات, دخلتها, داومت فيها أسبوعا كاملاً وحدي, قرأت كل ما فيها من قصص الأطفال, بعد ذلك طلبت من مديري المدارس الابتدائية أن يرسلوا للمكتبة كل يوم شعبتين من الأطفال, بحدود خمسين طفلاً أو طفلة, داومت معي دائماً الآنسة هيام عقيل, كنا نقرأ القصة, ثم نطلب منهم القراءة الصامتة, ثم نطلب من بعضهم أن يحكي لنا القصة بصيغة حكاية, هذا الأسلوب كان أساتذتنا في المرحلة الابتدائية في حماة  يتبعونه في مدارسنا, كانت هذه المكتب بالنسبة للأطفال أكبر فرحة وأجمل نزهة.

جاءني يوماً أحد الشباب, بلا سؤال ولا جواب, قال أنا أريد أن آخذ مكانك في هذه المكتبة, بكل بساطة غادرت الكرسي, وابتعدت عن الطاولة: تفضل خذ مكاني, هل تعرف كيف تتعامل مع الأطفال وتدير هذه القاعة بلا ضجة ولا مشاغبات؟ هل تعرف كيف تحببهم بالقراءة وبالكتاب؟ حسناً, إذا كنت تعرف هذا فاستلم, ولكن, ليكن بعلمك أن هذا المكان ليس له مرتب من أية جهة, انتفض بشدة, قال بل ستخصصين لي مرتباً.. من أين؟؟ لو كان الأمر بيدي كنت خصصت لنفسي مرتباً, ترك المكتبة وراح غاضباً.

شخص آخر, يعمل معلماً في إحدى المدارس, قال إنه يريد المكتبة لأنها جميلة نظيفة مكيفة, هادئة بعيداً عن ضجة المخيم, يريد أن يتخذها استراحة لنفسه, ولن يستقبل فيها أطفالاً, قلت له المكتبة لليونيسف, استأذنهم, وخذ منهم مرتباً, طبعاً رجع بالخيبة.

التعليقات (1)

    منور الناجي

    ·منذ سنة 10 أشهر
    بارك الله فيك أستاذة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات