رواية (الوشم) لمنهل السراج: سيرة معتقلة تعيش ويلات الجحيم في مسالخ الأسد

رواية (الوشم) لمنهل السراج: سيرة معتقلة تعيش ويلات الجحيم في مسالخ الأسد

يتراوح فن السيرة "الغيرية"، أي السيرة التي يكتبها الكاتب عن شخص آخر وليس عن نفسه،  يتراوح هذا الفن داخل معتقلات وأقبية بل مسالخ نظام الأسد بين الدقة والرقة، هكذا ما يبدو عليه السرد في متن رواية (الوشم) للروائية السورية منهل السراج، الرواية الصادرة مؤخراً عن دار(موازييك) للدراسات والنشر، محاولة لبعث الروح في حياة امرأة سورية طيبة وحرة بالمعايير الأخلاقية والعادات والتقاليد التي أفرزت الروح والجسد والمشاعر داخل الزنزانة المنفردة.

الوشم والنظام

الروائية منهل السراج تخوض غمار السيرة "الغيرية" من خلال رواية (الوشم)، وتحاول السراج من خلال بطلتها المطلقة "لولا الآغا" فضح الواقع الفاشي الذي يمارسه جيش وأجهزة أمن واستخبارات بلون طائفي واحد، لولا تعود من خلال البوح الذاتي إلى الطفولة لحبها لقطط الحارة والحديقة والمدرسة التي شكلت وعي طفلة وحبها لوطنها، طفلة يجعل القدر من تقدّمها بالسن كارثة تحل بحياتها"أحب قطط الحارة، الكبيرة منها والصغيرة" مرارة على أكثر من صعيد خلال أحداث الرواية، مرارة تجعل من لولا بطلة من أبطال الربيع السوري المغدور، الربيع الذي أطلق أول صرخة تحدي ضد الخراب بكل أشكاله، وكان ذلك خلال أول مظاهرة تشارك فيها لولا في مدينة حلب"شجاعة هائلة اقتحمتني، لم أتردد نسيت ما كان يشغل بالي البيت وأولادي"، رحلة لولا في المعتقلات والأقبية والسجون والمسالخ، رحلة كل معتقلة سورية زوجة وأم وأخ كل ثائر وتحملها مالا يحتمل من همجية نظام فاجر لا يحفظ حرمة لحرمة أي شيء"اشلحي كامل ثيابك!قال آمراً بصوت مرتفع كأنه يسمع آخرين..وعرفت بعد ذلك أنه كان يسمع الشباب المشبوحين؛كان يهددهم بإحضار نسائهم".

سيرة غيرية مجزأة 

إلى أي مدى يمكن أن يسرد الروائي أحداثاً حقيقية وقعت لغيره في رواية؟وهل يستطيع الروائي التخلص من كافة الضغوط لتصبح القصة هي أنا وأنت وهم؟وأين هي الحدود الفاصلة بين الرواية كفنٍ وشكل أدبي مستقل، وبين كتابة السيرة "الغيرية" التي هي شكل أدبي مستقل؟

يمكن تعريف رواية (الوشم) نقدياً أنها شكل من أشكال السرد تقوم به الروائية منهل السراج بالكشف عن واقع ما، تتعرض له بطلة عملها المعتقلة السابقة "لولا" التي يدور السرد عن أحداث حياتها الخاصة وتاريخها، لولا بدورها تتفاعل مع مجموعة من الشخصيات الهامشية التي تساعد على فهم أعمق للشخصية المحورية. من خلال أسلوبية خاصة تميز البناء السردي للشخصية تقوم الروائية منهل السراج بالاعتماد على ضمير الشخصية الساردة، كان من الممكن أن تلجأ لضمير المتكلم الأول ولكنها اختارت تنويع الضمائر التي قد تلجأ لها للتخفيف من حدة انحياز الراوي اتجاه القارئ، وتوفر شرط عدم التحولات المفاجئة بين ضمير المتكلم الأول وبقية الضمائر، ما منح السرد رشاقة ومرونة و روعة، ليتحول العمل إلى سيرة"غيرية"، ولكن تبقى الروائية متمثلة وحاضرة في شخوص روايتها من خلال خبراتها، وهنا لا بد من توفر دوافع ذاتية للمؤلفة تتدفعها لخوض غمار سرد المتن الروائي. وتتبع الروائية منهل السراج أسلوب السيرة "المجزأة"للتخفيف من حدة الذاتية وتدفق المشاعر، وهذه النقطة ترتكز على قدمين روائيين ثابتين على أرض خصبة من الخبرات، وحتى لا تبوح بكل شيء عن الشخصية، وهنا تحافظ الروائية على مساحة تفاعل القارئ الحاذق مع بوح الشخصية. ويجب أن نأخذ بعين الحسبان أن هذه الرواية هدفها"التأريخ"وضبط الحقائق.

تفكيك

ليس الغرض من كتابة السيرة "الغيرية" هو سرد ظروف النشأة، أو الحديث عن الروافد المعرفية أو الحديث عن معلومات كانت طي الكتمان فحسب؛ بل يكون النقد ركناً أساسياً، وسهام النقد تطال بنية عنف النظام السوري القائم على تفنن مفرط  وبشع بالقسوة والتوحش الهمجيين، يبدأ بإدخال أشياء حادة بأعضاء المرأة التناسلية ولا ينتهي مع  إيذاء أماكن الإثارة الحميمية، نماذج للتعذيب في مسالخ الأبد الأسدي، الذي يجعل الاغتصاب فعل تدمير للروح والجسد ، تصبح أجساد التنكيل بها وفي إهانتها مثلما نفهم من السرد.

في النهاية، يمكن أن  نفترض جدلاً وجود صوتين في السيرة "الغيرية" لرواية (الوشم) للروائية السورية منهل السراج، صوتين طبعاً، حيث السيرة الغيرية تتشارك بين المؤلف والمؤلف عنه، ويتشاركون في المجايلة مما يقرب بين حياة الاثنين، وتبقى النزعة الانتقادية ضد الظواهر المهيمنة على النظام وتعاطيه مع المعتقلات السوريات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات