إعفاء أمريكا للمناطق الخارجة عن سيطرة الأسد من العقوبات: فرصة تواجهها 3 صعوبات

إعفاء أمريكا للمناطق الخارجة عن سيطرة الأسد من العقوبات: فرصة تواجهها 3 صعوبات

أثار الإعفاء من العقوبات الأمريكية للمناطق الخارجة عن سيطرة ميليشيا النظام الكثير من الأسئلة حول أهداف هذه الخطوة وتوقيتها، بالإضافة إلى النتائج السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تترتب عليها.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنت يوم الخميس إعفاء معظم المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني شمال سوريا، والمناطق التي تسيطر عليها ميليشيات "قسد" شرق الفرات من العقوبات بما يسمح بالتحويلات المالية واستثمار الشركات المحلية والأجنبية فيها.

وباستثناء منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة المعارضة المدعومة من تركيا وبلدة تل رفعت التي تحتلها "قسد" في ريف حلب الشمالي، فإن الإعفاءات تشمل جميع الأراضي الواقعة تحت سيطرة الطرفين، الأمر الذي قوبل برفض تركي وإدانة من جانب نظام أسد.

فرصة مهمة و3 صعوبات رئيسة

من ناحية النظام فإن معارضته للقرار الأمريكي الأخير يبدو مفروغاً منه ولا قيمة له في الوقت نفسه، أما تركيا فإنها سجلت نقطتين أساسيتين في اعتراضها عليه:

الأولى أنه يمثل اعترافاً أو ترسيخاً لهيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي، (pyd) الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب، حسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. والثانية أن هذه الاعفاءات جاءت "انتقائية" لأنها استثنت منطقة إدلب "الأكثر حاجة للدعم والمساعدة" كما قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو يوم الجمعة.

وإذا كانت تحفظات أنقرة على البعد السياسي المتعلق بارتباط قسد بحزب العمال محقة، فإن ما لم تشر إليه تصريحات المسؤولين الأتراك تعليقاً على القرار هو أن الإعفاءات تشمل المصارف، ما يعني إمكانية البدء بتحويل الأموال للمنظمات والشركات. وكذلك المؤسسات الإدارية في مناطق سيطرة قسد بشكل مباشر دون الحاجة للمرور بتركيا أو بإقليم كردستان العراق كما يجري حالياً.

أمر تدرك أنقرة مدى خطورته بطبيعة الحال، لكن ما يمكن أن يخفف من حدة معارضتها لهذه الخطوة، حسب المراقبين، أمران:

الأول أن الاعفاءات تشمل غالبية مناطق النفوذ التركي في الشمال، وحتى مع استثناء بعض المناطق منها، إلا أن ذلك لن يعرقل في النهاية الاستفادة من الأموال التي ستخصص لتنمية هذه المناطق والاستثمار فيها، ما يزيد من ثقة أنقرة في المُضي قدماً بخطتها المعلنة حول إعادة مليون لاجئ سوري مقيمين على أراضيها إلى هذه المناطق.

أما الثاني فهو زيادة وتوسيع فرص الشركات التركية للاستفادة من النمو المتوقع في أسواق الشمال السوري، ومنحها أفاقاً أوسع للتصدير والاستثمار المباشر فيها، بل حتى المناطق الخاضعة لسيطرة قسد لن يكون أمامها إلا الاعتماد بشكل أكبر على المنتجات التركية بحكم العامل الجغرافي.

الصعوبة الأولى: عقبة قانونية

لكن عقبة كبيرة تواجه هذا التطور ويتمثل في قوننة العمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بالنسبة للشركات الأجنبية، بل والمحلية منها، وحيازتها الاعتراف الرسمي الذي يمكنها من إجراء كافة المعاملات المترتبة على استثماراتها فيها مع غياب الاعتراف القانون بأي سلطة أخرى في سوريا سوى حكومة ميليشيا النظام.

ويرى عضو هيئة القانونيين السوريين الأحرار عبد الناصر حوشان أنه من الناحية القانونية ليس لدى سلطات الأمر الواقع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أي قدرة على منح التراخيص للشركات الأجنبية من أجل العمل فيها، بما في ذلك الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية والإدارة الذاتية.

ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": تواجه الولايات المتحدة والعالم اليوم مشاكل معقدة جراء عدم الاعتراف بالحكومة السورية المؤقتة والمماطلة في ذلك لاعتبارات سياسية معروفة لا يقلل منها عدم نجاح هذه الحكومة بالقيام بواجباتها على أتم وجه، ولذلك فإنه من غير المنتظر مبادرة عدد كبير من الشركات للاستثمار في هذه المناطق رغم الإعفاءات التي أصدرتها الولايات المتحدة، ورغم السوق الواعدة فيها.

ويرجّح حوشان أن تكون المجالس المحلية هي القنوات التي ستعتمد عليها الجهات الأجنبية من أجل تنفيذ أوامر الصرف أو تمرير المساعدات المالية، طبعاً إلى جانب منظمات المجتمع المدني، على الرغم من أن هذه المجالس لا تحظى بالشرعية القانونية دولياً لتحل مكان الحكومة المركزية.

ويتفق المحامي السوري محمد سليمان دحلا مع هذا التقدير. ويرى أن المخرج الرئيسي من هذه العقدة بالفعل هو الاعتماد على المنظمات والمؤسسات الإنسانية لصرف الاعتمادات المالية، بالإضافة طبعاً إلى تأسيس شركات محلية.

ويشير دحلا في توضيحه لـ"أورينت نت" إلى أن مثل هذه الشركات يمكن أن تلعب دوراً كبيراً ومهماً كمنفذ فعلي للمشاريع والاستثمارات التي يمكن أن تبادر بها الشركات الأجنبية، لكنه يؤكد أن الاعتماد سيبقى في أغلبه على منظمات المجتمع المدني، مستبعداً القيام بمشاريع ضخمة في المرحلة الأولى التي ستلي تنفيذ الإعفاءات.

الصعوبة الثانية: غياب سلطة محاسبة إدارية وقضائية

لكن ما سبق ليس كل شيء فيما يخص الإشكال القانوني الذي يمكن أن يقلل من حماس الشركات للعمل في مناطق الإعفاءات، إذ تبرز قضيتان أخريان لا تقلان أهمية عما سبق، وهي عدم وجود سلطة محاسبة إدارية وغياب السلطة القضائية المعترف بها.

الصعوبة الثالثة: الواقع الأمني الهش

ويتخوف الكثير من السوريين من أن غياب هاتين المرجعيتين يمكن أن يعزز من فرص الفساد وتسريب الأموال المخصصة للخدمات والمشاريع الإنمائية إلى جيوب المتنفذين ورجالات سلطات الأمر الواقع في مناطق هشة أمنياً ولم تتمكن حتى الآن من تحقيق إنجاز كامل على صعيد الحوكمة ومؤسسات المراقبة والمحاسبة، ناهيك عن غياب المرجعية القضائية التي يمكن التحاكم لديها عند أي خلاف أو اشكال بين أطراف الدورة الاقتصادية.

تطلعات متفائلة

أمر يفرمل بلا شك التطلعات المتفائلة نحو هذا التطور وانعكاساته الاقتصادية المتوقعة على المناطق التي ستطبق فيها الإعفاءات والسكان المقيمون عليها، إلا أنها ومع ذلك تمثل "فرصة غير عادية لتنمية هذه المناطق وتطويرها" حسب المحلل الاقتصادي عبد الرحمن أنيس، الذي يعتقد أن فرص الإدارة الذاتية ستكون أكبر من المعارضة في الاستحواذ على الجزء الأهم من المساعدات والمشاريع، لأسباب سياسية تتعلق بعلاقات الإدارة القوية مع الغرب من جهة، ولعوامل موضوعية مرتبطة بالمؤهلات والجهوزية اللازمة للتعامل مع هذا التطور من جهة ثانية.

ويقول في حديث مع "أورينت نت": أعتقد أن مناطق قسد لديها الرؤية للاستفادة من الإعفاءات بشكل أكبر من مناطق الحكومة المؤقتة، التي عجزت إلى حد الآن عن بناء اقتصاد قوي متحرر من التبعية في مناطقها، كما فشلت في بناء إدارة للشبكات المالية والمصرفية تستفيد من ربطها مع الشبكة الرئيسية العالمية، وهذا الفارق سيتضح في قدرة الدول والداعمين على تحويل الأموال لتلك المناطق بعد التحرر من العقوبات.

ومع ذلك يرى أنيس أن الخطوة الأمريكية ستمنح فرصاً كبيرة لجذب الأموال والاستثمارات والقطع الأجنبي إلى المناطق المشمولة بها، ما يعني خلق فرص عمل وتنمية كبيرة فيها.

أنيس يعدّ أيضاً أن هذه الفرصة هي اختبار لكفاءة إدارات المناطق المعفاة من العقوبات في رسم اقتصادات محلية تمكنها من إدارة المرحلة، وما يتبعها من تطورات ربما تشمل إعادة لاجئين من مختلف الدول إليها بعد تأمين فرص عمل لهم ومستوى خدمات معقول فيها.

مشاكل كبيرة نبهت إليها الإعفاءات الأمريكية من العقوبات للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكشفت إلى أي حد ما تزال هذه المناطق تعاني فيه على صعيد المؤسسات والشرعية، إلى جانب الوضع الأمني الذي يفرض نفسه كعامل ثقيل الحضور، لكن ومع ذلك فإن التطلعات بأن تشكل هذه الخطوة مقدمة لمعالجة جوانب الخلل وفتح آفاق اقتصادية وسياسية جديدة لهذه المناطق بمرور الوقت تبقى كبيرة وعلى جانب معتبر من الواقعية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات