مسلسل "كسر عظم": رسائل خاطئة للسوريين بعيدة عن الرواية الحقيقية للأحداث!

مسلسل "كسر عظم": رسائل خاطئة للسوريين بعيدة عن الرواية الحقيقية للأحداث!

شاهدنا في السنوات الأخيرة كثيراً من المسلسلات التلفزيونية السورية التي تتناول قضايا الفساد بشكل عام في القضاء والتعليم والجمارك… وهذا يعد تجاوزاً كبيراً في بلدٍ يجرّم مواطنيه على منشور في الفيسبوك ينتقد أداء السلطة التنفيذية بسبب غلاء الأسعار أو فقدان السلع الأساسية في الأسواق..

آخر الأعمال التلفزيونية من هذا النمط هو مسلسل كسر عظم الذي عُرض في موسم رمضان الحالي..

قدّم المسلسل رجال الأمن ورجال السلطة وتجّار الأزمة ..وبعض الشخصيات من المجتمع الذين يحترقون بنار الحاجة.. وهي شخصيات لم تُثِر فينا إلا الكره والقهر والحزن لما آل إليه الوضع المجتمعي السوري، فالمشاهد بوضعه الحالي مشبع بنتائج الكارثة التي يعيش تفاصيلها في كل مكان وكل وقت…ولكن أصحاب المسلسل يريدون أن يخبروه…أو يضلّلوه أن هؤلاء هم المسؤولون عن فقركم وحزنكم وما آلت إليه الحياة في سوريا بعيداً عن العين التي ترعاهم.

هل هذا المسلسل مجرد عمل آخر يضاف إلى سلسلة نوعية هذه الأعمال التي صدرت سابقاً؟، أم إنه يحمل دلالة أقوى من ذلك؟

تدور قصة المسلسل حول شخصية الحكم "أبو ريان" الشخص النافذ بالدولة الذي يستغلّ أقرباءه وكل من يعمل معه من الضباط في الجيش والأمن والجمارك..لتمرير أعمال قذرة.. يشير الكاتب أن لها علاقة مباشرة بالأزمة في سوريا.. مع العلم أنها قضايا فساد تعاني منها سوريا منذ زمن بعيد ولكن جاءت الأزمة وعمّقتها وجعلتها أكثر وضوحاً وانتشاراً.

يقول هيثم "أبو مريم" الذراع اليمنى للحَكم: “في النهاية مو مهم قديش بينسفح دم ليبقوا صحاب الجاه على كراسيهم.. بدلالة أنو ما سبق وانذكر الصغار ولو مرة وحدة بكتب التاريخ”. 

أيضا يتحدث هيثم في اجتماع يضمّ الحكم وكبار مساعديه من الضباط عن خطة محكمة لبيع أحد الحواجز العسكرية في دمشق التي تعود تبعيتها "ملكيتها" إلى الحكم.

الأيدي القذرة للأجهزة الأمنية!

استمعتُ إلى الحوار، طبعاً لا يمكن لأي روائي مهما وصلت قدرته التخيلية أن يكتب هذا النص فائق الدقّة والسرّية وربما الحقيقية، إلا بمساعدة شركاء حقيقيين هم صنّاع الحدث أنفسهم.

يكشف المسلسل في غير حكاية ذات صلة بالقصة الأساسية، الأيدي القذرة للجهات الأمنية داخل الحرم الجامعي وتحديداً شراء النجاح وتأمين السكن عن طريق الانتهازيين والقوَّادين.

لم يقدّم المسلسل أي رسالة حضارية أو إنسانية تؤثر على المشاهد أو تقنعه أن صاحب هذه الشخصية الشريره لديه وقت ليفكّر أو يرى نفسه بلا ضمير ليغيّر من سلوكه الشيطاني قليلاً…

فهذه الشخصيات مشبعة بالشر والكراهية وأي تنازل عن قيم شريرة هو بمثابة تنازل عن مبادئ قد تودي بحياتهم.

نهاية مفتوحة وشخصيات بلا رؤية

لم يشر المسلسل إلى التفاؤل في انتصار الخير، وهذا مطلوب في دراما التلفزيون. بل ترك النهايات مفتوحة وهي رسالة واضحة أنه لا أمل في مواجهة أي من هذه القضايا التي أثارها المسلسل ..لا أمل إلا بالخلاص الفردي بالرحيل أو الانتحار..

من اللافت أن المسلسل ذكر إدارة الأمن الجنائي وكأنها خارج إطار منظومة الفساد…وهو يشكّل استهتاراً واستخفافاً بالذاكرة الحيّة للمواطن السوري عن انتشار الرشوة في هذا القطاع من أصغر شرطي بوظيفة حارس ليلي إلى أعلى ضابط في وزارة الداخلية.

أصابنا المسلسل بخيبة أمل في كثير من النجوم الكبار…فايز قزق في دور الحكم.. رجل الدولة الفاسد…ممثل موهوب ولكنه لم يقنعنا أداؤه في تجسيد هذه الشخصية.. أبدع في بعض المشاهد المستقلة عن صفات الشخصية التي يحملها في المسلسل، ولكنه لم ينجح في التقمّص أو التماهي في لعب هذا الدور الصعب، قد يكون عدم إيمانه بأداء هذه الشخصية المتعِبة نفسياً له، أشعرنا أنه يقدّم عرضاً مسرحياً يقرأ فيه حواراً مكتوباً مع تعابير لغة الجسد والوجه بشكل فاقع ومبالَغ فيه.

رغم الجهد الكبير الذي بذلته رشا شربتجي في الإدارة الفنية للعمل إلا أنها لم تقنعنا بأكثر من أنها مسؤولة عن إدارة التصوير..

المسلسل يعيبه سرعة الصورة وسرعة سرد الأحداث.. ربما ليكون بعيداً عن تحليلات يريدها المشاهد غير متوفّرة عند المسؤولين عن العمل..

الشخصيات أيضاً خطفت الأبصار ليس لأنها أسرت المشاهد بأدائها، ولكن لأنها جسّدت شخصيات لا يصادفها المشاهد العادي في حياته ولا يسمعها تتكلم ولا يرى أماكن وجودها.

فالحوار هو الأهم في المشهد وهو الذي خطف زمن المشاهد وخطف الصورة البصرية أيضاً، ربما يعود السبب لفقدان الرؤية من الأساس لتحليل شخصيات المسلسل والتي أعتقد أن لا أحد يمتلكها.. لا الكاتب ولا مصادره.. وتحتاج إلى كاتب روائي قادر على الغوص بعمق في شخصيات هذا المسلسل. لذلك ظهرت لنا كقصة كما ترويها محاضر الضبط أو ملفات المحاكم.

خيبة أمل أخرى في نجمة محبوبة هي كاريس بشار التي بدت بنفس الكاريزما التي تعوّدنا عليها ..ولم تتمكن من تغيير ملامحها ولا من إخفاء نظراتها الذكية وابتسامتها الطفولية البريئة.. في دور يتطلب ملامح قاسية وصارمة.

كشف المسلسل عن صعود عدد من النجوم الشباب الذين أجادوا في تأدية أدوارهم واستطاعوا أن يتفوّقوا على أنفسهم في أداء أدوار مميزة وصعبة أمثال ولاء عزام ويزن السيد..

الآخرون كانوا كمن يقدّم مشهداً تدريبياً لم يعطونا انطباعاً بالاجتهاد والتعب على الشخصية وبدوا كأنهم يقرؤون نصاً لا تعابير في الوجه ولا أبعاد في الشخصية وبدوا أقرب للحالة الطبيعية من الاسترخاء.

ممارسة الدعارة لا تدعو للخجل! 

تناول المسلسل الدعارة.. واختارت المخرجة ممثلات فاتنات يعملن في بيت دعارة علني في أحد أحياء دمشق ورصدت أحاديثهن ورغبتهن في ترك هذا العمل بمجرد الحصول على جواز سفر …

لم يجد المشاهد تذمّراً لدى العاملات في هذه المهنة..فهم يملكون كل شيء إلا الأخلاق.. والأخيرة لا يحتاجونها في هذا البلد.... بذلك أوصلت المخرجة رسالة أن ممارسة الرذيلة المأجورة عمل مثل أي عمل آخر لا يدعو للخجل.. والمخرجة لم تُشهّر بهذه المهنة ولم تعكس آثارها لا على نفسية العاملين فيها ولا على المجتمع من حولها.

كان يجب الإشارة إلى امتهانها كرامة الإنسان وتحقيره وإبراز روادع دينية أو مجتمعية أو قانونية ناظمة لأخلاقيات المجتمع…

هذه الظواهر هي بالتأكيد موجودة ولكن من واجب العاملين بالثقافة إيصال نصائح غير مباشرة بأن من ينحرف أخلاقياً تنتظره عقوبة أو فضيحة على أقل تقدير، وإلا أصبحت هذه المهنة مقبولة اجتماعياً وتنتظر تشريعاً ينظّمهاً.

عيوب فنية قاتلة

لغاية الحلقة 27 كنا ننتظر معالجة واقعية أو موضوعية لنهاية الأحداث التي رماها المسلسل.

ولكن ما حدث بعدها مخيّب للآمال. سقط الجميع وسقط المسلسل في بئر خيانة عقل المشاهد... الضحية.

حوارات تافهة… وأحداث لا يمكن تصديقها مشابهة لما تناولته السينما المصرية في عهد مبارك…عندما كرّست جهدها في إلقاء اللوم بمسؤولية الفساد على الموظفين الصغار وإذا أصبحت رأياً عاماً وضاغطاً يتم استجواب وزير على أبعد تقدير…

كنا مندهشين لعدم إجادة فايز قزق للدور ولكن في الحلقات الأخيرة قدّم فايز قزق بعض التعبيرات الدرامية المهمّة عندما تحوّل من رجل سلطة إلى إنسان حقيقي يعاني كأب، وكإنسان معرّض للاعتقال والموت.

من الأمور الفنية السيئة في المسلسل شارة البداية، تصميم صور الغرافيكس تافهة ومباشرة لا تلائم ذوق المشاهد الحالي.. أيضاً الموسيقا التصويرية رديئة جداً.

أخطأ المسلسل بشكل لا محدود في الحلقة الأخيرة حيث تتراكم الزيجات وتحل معضلات كثيرة في ثوانٍ معدودة وكأننا أمام أفلام حسن فايق وكل عقد المسلسل تم حلّها ويجري حلها كما لو أنها في الأصل عقد بسيطة.

كسر عظم مسلسل كان يجب على كاتب نصه أن يكبر به.. الأموال التي احترقت مع مساعد الحكم كانت يجب أن تعطى للدولة لتحسين أوضاع البشر وكافة المواطنين وبالأخص الموظفين والطبقة العاملة.. وأن يُحاكَم هيثم بالأشغال الشاقة المؤبدة.

نحن بحاجة إلى مسلسلات وإلى نصوص تدعس ذُلّنا وهزيمتنا أمام القوى الغاشمة لتعيد خلقنا من جديد. في النهاية يجب أن يدلنا أحد حراس مقبرة العظام..أية عظام قد كُسرت.. ويبدو لي أن الشعب نفسه هو الذي تكسّرت عظامه وتكسّرت مروءته وتكسرت نخوته..لا عظام أمراء الحرب كما أراد صنّاع المسلسل ترويجه.

هل تلتئم العظام عن طريق إنتاج نسيج عظميّ حقيقي، ذاتياً بعد الكسر، أم إن العظام التي تعرضت إلى الكسر يلزمها تفتيت وتشكيل من جديد؟.

إن عرض المسلسل في هذا التوقيت وبعد فوات الأوان له أهمية بالغة بإيصال رسائل خاطئة للسوريين، بعيدة عن الرواية الحقيقية الناقصة للأحداث... بغض النظر عمن رواها سواء المؤلف أو عدة مؤلفين.  

العبقرية أن تكتب نصاً إبداعياً ينبئ بالمستقبل. الجحيم أن تصف ما حدث بعد فوات الأوان.

التعليقات (21)

    سوريون

    ·منذ سنة 11 شهر
    الله يكسر عظامهم وين وصلوا البلد البلد النا مو لبيت الاسد ومخلوف ولازم يتحاكمو وترجع المصاري اللي نهبوا منن ومن اللي ورثوها أولادهم وأولاد ولادهم مهما طال الزمن

    سوريون

    ·منذ سنة 11 شهر
    الله يكسر عظامهم وين وصلوا البلد البلد النا مو لبيت الاسد ومخلوف ولازم يتحاكمو وترجع المصاري اللي نهبوا منن ومن اللي ورثوها أولادهم وأولاد ولادهم مهما طال الزمن

    ...

    ·منذ سنة 11 شهر
    بدي قول شي ل اورينت وهي انكن صرعتو طي....نا بهالمسلسل من كتر ما كتبتو مقالات عنو ، وهو مسلسل تافه و ساقط ، بقى شو غايتكن لتكتبو كل هالمقالات عنو ؟!!!

    عبد السلام

    ·منذ سنة 11 شهر
    تحليل واقعي ومنطقي..

    منتصر

    ·منذ سنة 11 شهر
    عادي قصة العميد حسن مخلوف رئيس الضابطة الجمركية

    منتصر

    ·منذ سنة 11 شهر
    عادي قصة العميد حسن مخلوف رئيس الضابطة الجمركية

    ثابت

    ·منذ سنة 11 شهر
    مقال مهم جدا وعارف ونقدي ومؤلم لنقده العميق وتوصيفه للحقيقة التي يغطي عليها المشرفون والمشتغلون بالدراما التي تريد حرف الحقيقة والوقوع قصدا او عفوا بما يروجه النظام ان الرأس الهبيل الاجير لاذنب له ولا يعلم، والمشكلة كلها بالبطانة الفاسدة.. وبعدين كانما الحال كما قال نجيب سرور : منين اجيب ناس مع انني ماشاهدت المسلسل ولم اجد حاجة لمتابعة مسلسل وجرحنا ساخن وعظيم.. كل الشكر نوار الماغوط المدقق والناقد لهذه الروح وهذا الدأب في كشف عنل ضخم بين مثالبه، وبعض إضاءاته، الذي يصب اخيرا في الديماغوجيا التي تغطى على الفساد الغظيم من الرأس حتى اصغر نفاصل نظام لم يبق منه زلا ابادة ماتبقى من امل.. وهو مايكرسه العمل بقتل الامل والاغلاق على ماتبقى

    Maruf

    ·منذ سنة 11 شهر
    هلق الفساد والاضلال موجود مو بس بطرف واحد بجميع اطراف سوريا صاير كان حكم واحد مشالله صار في عنا حكام كتير بتمنى يجي يوم وشوف اجهزه امنيه ببلادنا احسن من هيك وتصير البلد كلها عديمه الفساد وبالله المستعان

    ALI

    ·منذ سنة 11 شهر
    مسلسل "كسر عضم" سلط الضوء على شبكات الإتجار بالمخدرات وبالبشر و عن تورط ضباط في بيع الحواجز . عن فساد رجال السلطة و"أمراء الحرب" في سوريا.. لكن السؤال الكبير ????? كيف يسمح لهذا للمسلسل بالبث ????

    شو القصة

    ·منذ سنة 11 شهر
    تحليل هام ... يسمح بعرض هذا المسلسل بكل ما يحمله من فضائح تودي المسؤولين بستين داهية يعني الناس ماعادت فارقا معا والسلطة مو سائله!!! ولا شو القصة ؟ ياريت حدا بيفهم من جماعة المسلسل توجهولو هالسؤال؟

    ALI

    ·منذ سنة 11 شهر
    مسلسل "كسر عضم" سلط الضوء على شبكات الإتجار بالمخدرات وبالبشر و عن تورط ضباط في بيع الحواجز . عن فساد رجال السلطة و"أمراء الحرب" في سوريا.. لكن السؤال الكبير ????? كيف يسمح لهذا للمسلسل بالبث ????

    Hatem

    ·منذ سنة 11 شهر
    مجرد عمل آخر يضاف إلى سلسلة الأعمال التنفيسية التي صدرت سابقا.

    Hatem

    ·منذ سنة 11 شهر
    يقدم المسلسل نقداً واضحاً وجريئاً للواقع الأمني والعسكري في سوريا، عبر تقديم شخصيات اعتبارية وقيادية ذات رتب رفيعة اتخذت شكل المافيات المتقاتلة ولا تتوانى عن إزهاق الأرواح من أجل إتمام مصالحها، ويظهر العمل مدى مسؤولية تلك الشخصيات عن عمليات تهريب الأموال والأسلحة والمخدرات عبر الحدود لتبدو رسالة العمل كأنه لا مكان لضابط شريف يعمل في موقع حساس سوى أن ينحر نفسه أو يستقيل أو يجاهد ضد الانجراف إلى منظومة الفساد، ولا أمل في التغيير في ظل نظام يبرئ من يشاء ويجرم من يشاء.

    لويز

    ·منذ سنة 10 أشهر
    الكاتب ما عرف يطلع من الحبكه الي شربك حالو فيها هذا اذا كان هو عامل المسلسل لازم عرف كيف يطلع وكمان يعني كنتو دفعوا لشركة غرافيك محترمة تعملكن الشارة احسن من هي الشارة المبهدله وكمان الموسيقى كنتو جيبو حدا بيفهم بيدكم حق مافي حدا بيفهم بيعمل عقد مع الجهة المنتجة للعمل (المخابرات السورية)

    عدنان

    ·منذ سنة 9 أشهر
    صحيح وما خفي أعظم.

    صحيح

    ·منذ سنة شهرين
    صحيح ...تناول المسلسل قشور مكامن الفساد، من دون التصويب إلى لب وأساس الفساد التي يديرها النظام بإتقان ،

    مشاهد

    ·منذ سنة شهرين
    "بمسلسل كسر عضم، المسؤول يلي حاطط وراه عالحيط صورته هو ضابط فاسد ومجرم، ويلي حاطط عالحيط صورة بشار الأسد هو ضابط شريف". هي الرسالة اللي اصحاب المسلسل بدن يوصلوها

    امل

    ·منذ سنة شهرين
    سوريا قادمة إن شاء الله …سوريا بلد القانون …سوريا بلا لصوص

    ايمن

    ·منذ سنة شهرين
    المسلسل عباره عن مسلسل كمودي عشر نجوم مقارنه مع شو عم يصير

    سيف الدولة

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    أحسنت التقييم

    دعاء

    ·منذ 9 أشهر أسبوع
    الله يكسر عظامهم وين وصلوا البلد البلد
21

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات