بإخراجه عشرات المعتقلين من سجونه بعد مرسوم "العفو" عن “الجرائم الإرهابية”، يؤكد نظام أسد أن مراسيم العفو السابقة، لم تُطبَّق، وأن مصلحته هي المعيار الذي يحدّد درجة تنفيذ القوانين والالتزام بمضمونها.
فبعدما أعلن أسد المرسوم التشريعي "رقم 7" لعام 2022، القاضي بمنح “عفو عن الجرائم المرتكبة قبل نهاية نيسان”، تم فعلاً الإفراج عن معتقلين في سجن صيدنايا على دفعات، وصل عددهم إلى قرابة 150 معتقلاً، من أصل 150- 200 ألف معتقل، إلى جانب نحو 100 ألف مختفٍ قسرياً، حسب مصادر حقوقية.
وقبل العفو، كان الحديث في سوريا متركّزاً على مجزرة التضامن التي تكشفت فصولها المروّعة بعد نشر صحيفة "الغارديان" البريطانية فيديوهات مسرّبة عن المجزرة التي نفّذتها قوات أسد في نيسان 2013، في ضواحي دمشق.
مجيء "العفو" وسط هذا المشهد الراهن، فرض على النظام كما يبدو تحرّكات تهدف إلى إعطاء انطباع جديد عن تغيير في طريقة التعاطي مع ملف المعتقلين، غير أن الإجراءات كشفت من جهة ثانية كذب نظام أسد، وكل ما يصدر عنه من مراسيم.
ولا بد من الإشارة، من وجهة نظر عضو "هيئة القانونيين السوريين" المحامي عبد الناصر حوشان، إلى تهويل أعداد المعتقلين الذين جرى الإفراج عنهم، مؤكداً أن قوائم غير صحيحة يتم تداولها، يقف النظام خلفها غالباً، لادّعاء خروج أعداد كبيرة من المعتقلين، علماً أن العدد الموثّق حتى مساء الثلاثاء، يُقدّر بالعشرات.
الاستهلاك الإعلامي
من جانب آخر، يقول حوشان لـ"أورينت نت" إن العدد الأكبر من المعتقلين المفُرج عنهم، هم من المشمولين بمرسوم "العفو" رقم 6 الصادر في آذار 2020، الذي ادّعى النظام وقت صدروه أنه من المراسيم ذات درجة العفو الواسعة.
ويوضّح أنه لدى رصد عدد من حالات الإفراج، تبيّن أنه كان على النظام إطلاق سراحهم منذ وقت صدور ذلك المرسوم، وخصوصاً أن غالبية المعتقلين المُفرج عنهم اعتُقلوا بعد إجراء "التسويات"، أي بعد العام 2017.
ومن هنا، يلفت حوشان إلى أن مراسيم "العفو" المكررة، تبقى حبراً على ورق، مضيفاً: "بمعنى آخر، يخبّئ النظام ملف المعتقلين إلى اليوم الذي يحتاجه فيه، ومراسيم (العفو) للاستهلاك الإعلامي لا أكثر".
إخماد صدى مجزرة التضامن
وأبعد من ذلك، يؤكد المحامي أن النظام لا يُصدِر مراسيم "العفو" إلا لخدمة أهدافه، دون أن يكون هناك أي حساب للمعتقلين، ويقول: "مجزرة التضامن أعادت الأنظار المحلية والدولية إلى جرائم النظام، وجاء هذا العفو لإخماد صدى المجزرة البشعة، وكان لا بد لذلك من إخراج عشرات المعتقلين".
والأهم من ذلك، وفق تأكيد حوشان، أن عدداً محدوداً من حالات الإفراج الأخيرة، جرى اعتقالهم ومحاكمتهم قبل صدور قانون "الإرهاب" رقم "22" لعام 2012، وهؤلاء تم تخفيض مدة محكوميتهم من المؤبد إلى 10-15 عاماً، بعد مراسيم "العفو" السابقة، وتم تشميلهم بالمرسوم الأخير، بعد أن شارفت محكوميتهم على الانتهاء.
ولذلك، لا بد من التنبيه إلى أن المرسوم الأخير ليس عفواً عاماً، وإنما هو محدد ببعض حالات "الإرهاب"، وهو ما ينفي عنه صفة "العفو العام"، حسب حوشان.
وبالمثل، يشير رئيس "الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين" الحقوقي فهد الموسى في حديثه لـ"أورينت نت"، إلى أن المرسوم الأخير لا يرقى إلى أن يكون عفواً عاماً، لأنه استثنى قسماً من المعتقلين في السجون العلنية (السجون المركزية) الذين لم تتم محاكمتهم في محاكم "جرائم الإرهاب"، علماً أنهم اعتُقلوا بتهم سياسية متعلقة بالرأي.
وعن سبب عدم شمول قوانين "العفو" السابقة للمعتقلين الذين خرجوا مؤخراً، يقول الموسى: "أساساً النظام لا يعترف بوجود معتقلين في سجونه العسكرية والسرّية الموزّعة على أفرع المخابرات والثكنات والمطارات العسكرية، وبالتالي لا يتم شملهم بمراسيم العفو".
ويضيف الحقوقي، أنه حتى لم تم تشميل المعتقلين في السجون السرّية بـ"العفو" الأخير، فإن النظام انتزع من معتقلي الرأي تحت التعذيب الاعترافات بضلوعهم في جرائم قتل (استهداف عناصر الجيش والحواجز)، وهو ما يعني عدم تشميلهم بالمرسوم الذي يستثني الجرائم التي أدّت إلى موت إنسان.
إجراءات مطلوبة دولياً
وهنا، ينبّه الموسى إلى غياب أي جهة رقابية دولية أو محلية على ما يجري في سجون ومعتقلات النظام، مختتماً بقوله: "النظام يصدر المرسوم بعد المرسوم، دون وجود لدولة قانون تعلن أسماء المعتقلين المشمولين بالعفو".
يريد النظام في هذا التوقيت أن يبدو مرسوم "العفو" الأخير كحدث سياسي فارق، وذلك في إطار إظهار تماشيه مع الإجراءات المطلوبة منه دولياً، والواضح أن حسابات التعامل إعلامياً مع مجزرة التضامن حاضرة بقوة.
التعليقات (3)