لأول مرة تخرس وسائل إعلام الأسد الرسمية وتعجز ماكينته الدعائية عن صوغ كذبة واحدة، تدحض حقائق ارتكابه لمذبحة التضامن الطائفية والنازية، كتلك الأكاذيب التي اعتادت على صياغتها لنفي جرائم ميليشيات الأسد ومجازرها المتكررة ضد السوريين، من قبيل (مفبركة، وتمثيل، وفوتوشوب، ومؤامؤة كونية، واستهداف المقاومة).
ورغم أن ميليشيات أسد الطائفية نفذت عشرات الجرائم التي تفوق فظاعتها مذبحة التضامن أو تماثلها، إلا أن هذه الأخيرة، كانت الأكثر تأثيراً، وهو ما بدا واضحاً من خلال الصمت المطبق الذي خيم على إعلام الأسد ومسؤوليه الرسميين، الذين اعتادوا على التكذيب واتهام الغرب والدول الإمبريالية وأدواتهم في الداخل بالتآمر على نظام المقاومة والممانعة الذي يريد تحرير فلسطين، بلد أولئك المدنيين العزّل الذين قتلهم جنوده في مذبحة التضامن.
والراجح أن الحقائق الدامغة التي نشرها تحقيق الغارديان مع فيديو المذبحة، من كشف أسماء وصور المجرمين ومكان الجريمة وهوية المستهدفين، هي من أخرست وسائل إعلام الأسد، لا بل وأصابت النظام كله بمقتل، كما يذكر ابن وزير الدفاع السوري السابق فراس طلاس، الذي علم من مصادره أن كبار ضباط أمن الأسد يعيشون في حالة جنون فعلي من فيديو مجزرة التضامن وتحقيق الغارديان المرتبط به.
وأشار إلى أن التوجيهات جاءت ومن أعلى الهرم، لتمييع الموضوع، والتعتيم عليه والهروب منه ما أمكن، وهذا ما بدا واضحاً من خلال عدة إجراءات، عمل عليها نظام الأسد وماكينته الإعلامية منذ نشر فيديو المجزرة، وقد رصدت أورينت 4 إجراءات عاجلة حتى الآن.
1- تعيين وزير دفاع سني
بعد حوالي 24 ساعة من نشر الغارديان لفيديو المذبحة وتحقيقها الموسّع حولها، وبشكل مفاجئ عيّن بشار أسد وزير دفاع جديداً لميليشياته، ولأول مرة برتبة (لواء)، ثم رفّعه بعد يومين إلى عماد، كرتبة استثنائية وفي غير موعد الترفيعات القانوني المخصص وهو في شهر تموز وشهر كانون ثاني من كل سنة، كما يعرف جميع الضباط.
كما اختار الوزير الجديد من السنّة وهو اللواء علي محمود عباس وممن لم يسجل بحقة جرائم حرب، كما إنه ينتمي إلى مناطق ثارت ضد ميليشيات أسد في السنوات الماضية، وبالتحديد من منطقة الزبداني بريف دمشق.
وقال المحلل العسكري، العميد أحمد رحّال لأورينت نت، إن اللواء علي محمود عباس (أبو حسن) هو من دفعته العسكرية (الدورة 38) وكان زميله في الأكاديمية العسكرية العليا، وأضاف: “كنا زملاء كمحاضرين بالأكاديمية العسكرية العليا لمدة عشر سنوات قبل انشقاقي".”.
ورجّح رحّال أن يكون تسليم اللواء عباس لوزارة الدفاع في هذا الوقت، للفت انتباه المجتمع الدولي عن مجزرة التضامن جنوب دمشق، التي كشفت عنها صحيفة (الغارديان) البريطانية قبل يومين، والتي أحرجت أسد وميليشياته بشكل كبير كونها جريمة إعدام ميداني بحق عشرات المدنيين.
2- إصدار عفو عن الجرائم
وبعد يوم من تعيين وزير الدفاع الجديد وبشكل استثنائي أيضا، أصدر زعيم الميليشيا عفواً عن "الجرائم الإرهابية"، ورغم أن جميع مراسيم العفو السابقة كانت حبراً على ورق، إلا أن هذا المرسوم، جاء مرتبكاً وغير واضح حتى في نصوصه على غير العادة، -كما ذكر محامون- وكأنه جاء أيضا للفت انتباه الرأي العام عن الجريمة التي هزت العالم بينما صمت عنها الأسد.
وبالعودة إلى المرسوم، فقد أكّد المُحامي عبد الناصر حوشان في تصريح لأورينت أنّ العفو المُصدر يوم أمس نُسخة عن عفوٍ قديم أُصدر عام 2014، مُشيراً إلى أنّ مرسوم العفو لعام 2014 نصّ على نفس الجرائم ومن المفترض أن يشمل كل المعتقلين، ولكن لم يخرج أحد منهم، وإذا ما خرج هذه المرة معتقلون من قبل عام 2014، ما يعني أنه يقر بنفسه على كذب المراسيم السابقة.
وأشار حوشان إلى أنّه ومن خلال استعراض نصوص هذا العفو نجد أنه "نسخة طبق الأصل عن قوانين العفو السابقة التي أصدرها النظام المجرم تشمل نفس الجرائم وتستثني نفس الجرائم، وهذا الأمر يثير عدة استفسارات والإجابة عليها تبيّن أهداف النظام من وراء إصدار العفو، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار توقيت إصدار المرسوم الذي تزامن مع نشر تقرير عن مجزرة حي التضامن.
أما المحامي إدوار حشوة فقال إن هذا القانون تم صياغته بسرعة واحتوى على عناوين يحتاج تنفيذها إلى إجراءات وتفاصيل وتحديداً للمواد المحكوم بها وهو بشكله الراهن صدر لأسباب سياسية تريد الإيحاء بأن النظام غيّر سلوكه تجاه معارضيه.
وأضاف في سورية يوجد ٣ قوانين لمكافحة الإرهاب ومرسوم العفو خصص العفو بجرائم القانون رقم ١٩ لعام ٢٠١٢ وقانون العقوبات العام ولم يشمل القانون ٢٠ والقانون ٢١.
ورغم كل النواقص والظروف التي صدر فيها المرسوم إلا أن حشوة يرى فيه جانباً إيجابياً فيه، حيث ستكون حكومة ميليشيا الأسد مضطرة لإطلاق دفعة من المعتقلين، لكن سيتحكم بالطبع وفق هذا المرسوم الغامض كما يسمية المحامي حشوة من إخراج من يريد ويغض الطرف عن كثيرين.
وختم حشوة منشوره بالتأكيد على أن سوريا تحتاج الى حل سياسي واسع لأن مراسيم العفو مهما تعددت لن تغيّر من وحشية النظام ولن تحقق الثقة بدولة إرهابية تدّعي أن من يعارضها هو إرهابي.
الأبواق غير الرسمية
عندما أسقط في يد إعلام الأسد الرسمي، ولم يستطع حراكا أمام حقيقة المذبحة الطائفية والقتل على الهوية لمدنيين عزل حتى أنهم غير متظاهرين ولم يحملوا سلاحا، كما كشف تحقيق الغارديان، سوى أنهم من "السنّة" مكون الأكثرية الذي طالب بالحرية وتغيير النظام، أطلقت حكومة ميليشيا أسد أبواقها لتمييع قضية المذبحة والتعتيم على فظاعتها، ليس أمام جمهور المعارضة بالتأكيد، وإنما أمام جمهور الموالين، المخدوعين بشعارات المقاومة والممانعة وكذلك أمام جمهور المحايدين الذين يتجنبون مناصرة أي الفريقين من باب اجتناب الفتنة على حد زعمهم.
فخرج حيدرة بهجت سليمان المقرب من عائلة الأسد مهدداً بكسر عظام المتعاطفين مع ضحايا مجزرة التضامن من الموالين في مناطق سيطرة أسد محاولاً تبرير قتل المدنيين على يد ميليشيا أسد والأجهزة الأمنية
فهاجمهم على منشور له في فيسبوك، زاعماً أن من قتلوا "مجموعة من إرهابيي داعش" رغم أن الحادثة وقعت في وقت لم يكن لداعش وجود في سوريا أصلا، كما حاول إخلاء مسؤولية حكومة ميليشيا أسد عن الجريمة، مدعياً أن من ارتكبها عناصر من "القوات الرديفة دون رتب وغير عسكرية"، وكأن تلك القوات الرديفة لم تنشئها وزارة دفاع أسد وتسلحها بسلاحها وتخصص لها راتباً لعناصرها.".
وفي محاولته المستميتة للدفاع عن القتلة وتبرير جرائمهم، اعترف بمقتل وإصابة مئات آلاف من ميليشيات أسد على جبهات القتال خلال السنوات الماضية.
وبعدها جاء دور المدرّسة في كلية الإعلام والمعروفة بمواقفها التشبيحية أيضا، نهلة عيسى، لتبرر لمرتكبي المجزرة فعلتهم وأننا "جميعاً أتى علينا وقت فقدنا فيه عقولنا في هذه الحرب"، بدلا من المطالبة على الأقل بمحاسبة الفاعلين الأصليين وليس النظام الذي يقف وراءهم، وهذا أقل ما يمكن انتظاره من أكاديمية من المفترض أن ثقافتها وموقعها ودراستها أن يمنحانها شيئاً من الإنصاف والإنسانية، كما كانت تعلمنا في الجامعة.
كما خرج أيضاً الإعلامي الموالي جعفر يونس على صفحته في فيسبوك، ليبرر المجزرة، بذكر ما زعم أنه مجزرة مقابلة ارتكبتها فصائل تتبع للمعارضة في منطقة التل بحق عدد من جنود أسد وبعض إعلامييه في 2012، وكأنه يقول بأن المقدم إبراهيم الراس وأمجد اليوسف ورفاقهما كان محقين بقتل المدنيين في مذبحة التضامن.
وهؤلاء الأبواق الثلاثة الذين تم ذكرهم، مجرد نماذج لكثيرين آخرين، البعض ساهم بمنشور وآخر بتعليق، وما يزالون في سبيل التعتيم على المذبحة الفظيعة التي عرّت النظام أمام الجميع وبشكل سافر هذه المرة في الداخل والخارج، حتى أن البعض اعتبر نشر فيديو المجزرة يهدد أمن الوطن ويزعزع استقراره ويهدد الوحدة الوطنية بعد الانتصار على المؤامرة الكونية المزعومة.
وهذه الأبواق تعزز صحة المعلومات التي نشرها المعارض فراس طلاس على صفحته الشخصية، قبل أن يبدأ المذكورون بنشر أي شيء عن المجزرة، وفق ما هو مبين بتاريخ النشر.
صمت الإعلام الرسمي
مع أن الإشارة إلى صمت الإعلام الرسمي، عن مذبحة التضامن سبقت في مقدمة التقرير غير أن هناك جانباً آخر في هذا الصمت لا بدّ من التنويه إليه، وهو أنه رغم اعتباره أحد الإجراءات لتجاهل المذبحة والتعتيم عليها، ولكنه في الوقت نفسه دليل إدانة، وخطأ فادح ارتكبه نظام الأسد أدان من خلاله نفسه، فمن العرف الإعلامي والسياسي وجود رد رسمي -وإن كان غير مقنع- في حال اتهام لحكومة أو دولة ما، وهذا ما فعلته وسائل إعلام أسد الرسمية عندما قصفت الغوطة بالكيماوي 2013، ودوما عام2018 وبمعظم المجازر التي اتهمت بارتكابها، رغم أنها كانت معظم ردودها كاذبة.
ولكن لو أن المذبحة جريمة فردية ويتحمل مسؤوليتها من ارتكبها فقط، لخرج الإعلام الرسمي ورد على ما أثاره التحقيق، ولكن عدم الرد هو فخ أوقع فيه النظام نفسه، حيث إنه اعتراف صريح بأنها جريمة ممنهجة يتحمل النظام كله مسؤوليتها وليس فقط هؤلاء الأفراد، والسؤال الذي يخطر هنا، ألا تعلم حكومة الأسد أن عدم الرد هو إدانة، فلماذا لم ترد؟، والإجابة الغالبة وفق المعطيات هي أن الفيديو والاعترافات المرافقة وهوية المنفذين ألجمت إعلام الأسد الرسمي عن أي رد، أو على الأقل لم يجد حتى الآن كذبة أو حيلة مقنعة يدحض بها تلك الحقائق الدامغة.
ويبدو أن تحقيق الغارديان وفيديو مذبحة التضامن هو اللغة الوحيدة التي تؤثر بميليشيات أسد، إذ أجبر لأول مرة على إخراج دفعة كبيرة من المعتقلين، على عكس مراسيم عفوه السابقة التي بلغت قرابة الـ14، حيث رصدت أورينت حتى الآن خروج نحو 20 معتقلا (والأمل بخروج الجميع)، بينما، لم تستطع هيئة التفاوض وما يسمى الائتلاف المعارض ولجنته الدستورية إخراج معتقل واحد، فضلا عن عدم التقدم خطوة واحدة في عملية الانتقال السياسي منذ عشر سنوات بل على العكس.
التعليقات (14)