عيّن بشار أسد وزير دفاع جديداً لميليشياته، برتبة (لواء)، بدل العماد علي أيوب، في خطوة تحمل أبعاداً كثيرة ورسائل سياسية موجَّهة للمجتمع الدولي، كون القرار المفاجئ جاء بعد يومين على الكشف عن واحدة من أبشع المجازر المرتكبة بحق عشرات المدنيين في دمشق، وكون الوزير الجديد من المناطق السنّية التي ثارت ضد الميليشيا في السنوات الماضية.
وجاء في الخبر الذي نقلته وكالة "سانا" اليوم، أن أسد أصدر مرسوماً بتسمية اللواء علي محمود عباس، وزيراً للدفاع، خلفاً للعماد علي عبد الله أيوب الذي انتهت مدّة خدمته العسكرية، حيث لم يحمل المرسوم الجديد أي إيضاحات حول أسباب التعيين.
وُلد اللواء “عباس” في ريف دمشق عام 1964، وانتسب للكلية الحربية عام 1983 باختصاص (مدرعات) حيث بدأ مسيرته العملية في كلية المدرعات برتبة ملازم وتدرّج في الرتب والمهام، واشتغل محاضراً بالأكاديمية العسكرية العليا لمدة عشر سنوات حتى فترة اندلاع الثورة السورية عام 2011، وترقّى لرتبة لواء في عام 2018.
شغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان في وزارة دفاع أسد منذ العام الماضي، وعُرِف عنه ابتعاده عن ميدان العمليات العسكرية خلال فترة الثورة السورية، بحسب (مصادر محلية وعسكرية)، حتى ظهر بشكل مفاجئ إلى العلن حين عيّنه أسد وزيراً للدفاع في ميليشياته دون غيره من الضباط المقرَّبين والميدانيين الذين قادوا العمليات العسكرية ضد المدن الثائرة.
وخلال رحلته العسكرية، خضع عباس لدورات أساسية داخل وخارج سوريا، وأبرزها دورة قيادة وأركان في الباكستان عام 1997، ودورة دفاع وطني في بريطانيا (الكلية الملكية لدراسات الدفاع) عام 2000، ودورة أزمات دولية في السويد (الكلية الملكية السويدية) عام 2003، إضافة لدورة في توجيه دفاع الدولة في هولندا (الكلية الملكية) عام 2004، ودورة في إصلاح القطاع الأمني في الدول الخارجة من الصراعات في بريطانيا عام 2006.
احتجاز لدى المعارضة
وينحدر اللواء علي محمود عباس من قرية (إفرة) إحدى قرى منطقة وادي بردى، بريف دمشق الشمالي الغربي، والمحاذية لقرى عين الفيجة ودير مقرن من جهة، والتابعة إدارياً لمنطقة الزبداني، والحدودية أيضاً مع منطقة القلمون الغربي، وهي مناطق ثارت سابقاً ضد أسد ونظامه قبل أن تقتحمها الميليشيا وتُخضعها لسيطرتها مجدداً عبر سياسة الأرض المحروقة.
تعرّض الضابط عباس للاحتجاز على يد مجموعة من فصائل الجيش الحر في حي برزة بمدينة دمشق عام 2013، وكان حينها برتبة عميد، حيث تعرّض للضرب بعد سلبه سلاحه الحربي وسيارته العسكرية على خلفية وجوده ضمن صفوف الميليشيا، وأُطلق سراحه بعد أيام ضمن مفاوضات، بحسب مصادر خاصة لأورينت.
بعيداً عن الميدان
مصادر عديدة من المعارضة السورية، ومقرّبة من اللواء عباس، أشارت إلى عدم مشاركته في العمليات العسكرية التي خاضتها الميليشيا تجاه الشعب السوري طيلة عشر سنوات مضت، حيث فضّل الحيادية بالقدر المستطاع إلى جانب محاولة عمله كمفاوض لتخفيف التوتر بين الأهالي والميليشيا التي كانت تحاصر المنطقة واقتحمتها فيما بعد.
وأكدت تلك المصادر (بينهم ضباط منشقون) لأورينت نت، أن عباس كان يحظى بشعبية جيدة وسمعة حسنة بين الناس خلال رحلته العسكرية، من خلال ابتعاده عن الأضواء والتملّق، وبعد اندلاع الثورة السورية توقع الكثيرون انشقاقه عن الميليشيا بسبب سلوكه وابتعاده عن سفك الدماء والفساد، لكنه آثر البقاء في صفوفها خدمة لبشار وميليشياته التي مازلت ترتكب جميع أنواع الجرائم بحق الشعب السوري.
قرار لخلط الأوراق أم تلميع للميليشيا؟
وفي الصدد، قال المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، لأورينت نت، إن اللواء علي محمود عباس (أبو حسن) هو من دفعته العسكرية (الدورة 38) وكان زميله في الأكاديمية العسكرية العليا، وأضاف: “كنا زملاء كمحاضرين بالأكاديمية العسكرية العليا لمدة عشر سنوات قبل انشقاقي”.
ورجّح رحال أن يكون تسليم اللواء عباس وزارة الدفاع في هذا الوقت، للفت انتباه المجتمع الدولي عن مجزرة التضامن جنوب دمشق، التي كشفت عنها صحيفة (الغارديان) البريطانية قبل يومين، والتي أحرجت أسد وميليشياته بشكل كبير كونها جريمة إعدام ميداني بحق عشرات المدنيين.
وكشف العميد أن منصب وزارة دفاع أسد كان يُحضَّر للواء “سليم حربا” المقرَّب من المخابرات العسكرية (قريب اللواء علي يونس)، وتابع قائلاً: "لكن يبدو أن افتضاح مجزرة التضامن غيّر الحسابات ودفعت ببشار الأسد لتعيينه لهذا المنصب كنوع من لفت انتباه الإعلام بعيداً عن المجزرة الرهيبة التي تكشفت في حي التضامن بدمشق".
غير أن عشرات المواقع الإخبارية ووسائل إعلام محلية خلطت بين الوزير الجديد (اللواء علي محمود عباس) وضابط آخر من صفوف الميليشيا ويحمل نفس الاسم ولكنه ينحدر من جبلة بريف اللاذقية وهو من الطائفة العلوية، ومُدان بارتكاب جرائم حرب عديدة خلال مشاركته بالعمليات العسكرية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية لدمشق وغيرها من المناطق.
ويشغل عادةً منصب وزير دفاع أسد ضابط من الطائفة السنية، حيث شغل العماد مصطفى طلاس المنصب لمدة 32 عاما منذ عهد حافظ أسد منذ عام 1972، وحتى عام 2004، وأعقبه العماد حسن تركماني في المنصب حتى عام 2009، وتسلمه بعد ذلك العماد علي محمود حبيب (علوي) حتى عام آب 2011، ثم أعقبه العماد داوود راجحة (مسيحي) الذي قتل في تفجير (خلية الأزمة) تموز عام 2012.
عقب ذلك تسلم العماد فهد جاسم الفريج منصب وزير الدفاع حتى عام 2018، ليخلفه العماد علي عبد الله أيوب (من الطائفة العلوية) حتى تحييده عن المنصب يوم أمس بسبب "استنفاذ كل المدد القانونية المسموح فيها، وبالتالي تعيين وزير دفاع جديد يأتي في سياق التغييرات الإدارية الطبيعية."
التعليقات (8)