مكانة المرأة السورية وصورتها هي المحاولة القديمة المتجددة التي يخوضها شبيحة الدراما منذ انطلاق الربيع السوري، لتشويه أبعادها ودلالاتها، ولتعميق الشرخ الاجتماعي السوري الذي يشكل عالم المرأة أحد أهم معاول الهدم في محاولة للعبث بالقيم والعادات والتقاليد، والتاريخ قبل هذا وذاك، هذا ما تبدو عليه الصورة العامة لمسلسل (جوقة عزيزة)، سيناريو وحوار خلدون قتلان وإخراج تامر إسحاق وبطولة من كل نسرين طافش وسلوم حداد.
راقصة تلد أمام سكارى!
المكانة الاجتماعية للمرأة السورية في (جوقة عزيزة) لا هامش فيها للأبعاد الفكرية والنفسية والعاطفية، حيث إن الكادر الأول في العمل الدرامي أشبه "بالتراجكوميدي"، راقصة حامل على المسرح تولد أمام أناس سكارى!
هل يمكن لراقصة حامل ومنتفخة البطن في شهرها التاسع أن تمارس الرقص في ملهى تحت أي ظرف كان.. وفي سياق أي حالة تخيلية واهمة كانت؟! لا يتيح الكادر الخروج إلى الإطار الأوسع للعمل، لا يحتمل المشهد تأويلات أكثر من ذلك، وتبقى ولادة عزيزة حالة فردية لا تصلح للخراب المزعوم الذي لحق بقيم الأسرة السورية في مرحلة الثلاثينيات من القرن المنصرم تحت حكم الانتداب الفرنسي.
صورة المرأة السورية ووضعها الاجتماعي في تلك الحقبة التي كانت دور المرأة يتجاوز بكثير "هموم المنزل" نحو نطاق أوسع من مجالات الحياة وكافة عناصر التعليم والثقافة، ولهذا يمكن القول إن الأساس الاجتماعي الثقافي ما ينقص سيناريو وحوار العمل الذي يخرج عن سياق التاريخ إلى استخلاصات فردية ذاتية لا تصلح للبعد السسيوثقافي/perspective، لذلك تبقى صورة المرأة السورية وخاصةً بعد دورها الكبير في الربيع السوري، عرضة للاستغلال الدرامي وللإساءة والتنميط المنحرف، لأغراض غير درامية لا تخفى على السوريين بالطبع.
تاريخ القاع المزيف!
هكذا تبدو عليه الأمور في عتبة الكوادر التلفزيونية في الحلقات الخمس الأولى، أجواء درامية مرحلة من السوق الدرامي المصري في حلته القديمة، مكياج نسرين طافش"عزيزة" فاقع يذكر بأحمر شفاه نادية الجندي في فيلمها المحظور (خمسة باب) ونبيلة عبيد في فيلمها (الراقصة والطبال)، بينما يحل الطبال الدرامي سلوم حداد على خُطا أحمد زكي بدور"السنيد" بنسخته "المسورنة"، وتستحضر ألبسة تظهر من العري أكثر مما تخفي، وشجارات مفتعلة بين الشخصيات لإثارة التشويق الرخيص، والخير ينتصر عند خصر الراقصة، وكأنه متن ومضمون ومحتوى الخير كعتبة مركزية في العمل، بينما الاستعانة بالمنهج التاريخي مغيب تماماً لصالح "فنتازيا" تصور وجود عدد قليل من بيوت الدعارة لتصوير حي البدوي في دمشق على أنه حي للبغاء خلال ثلاثينيات القرن المنصرم، وكأنه انفتاح وتنوع دمشق لا وجود له إلا عبر هذا التشويه غير البريء بالمرة، ومعروف المرامي؛ هذه نمطية درامية ومخزون غير ثقافي سلبي.
أثناء مشاهدة مسلسل "جوقة عزيزة" تأخذك الأسئلة والتداعيات للغوص في المنطقة "المحظورة"، أليس هذا التاريخ المزيف، إسقاطاً على واقع القاع السوري المتمثل ببيوت الدعارة والملاهي الليلية أهم سمة دخيلة على المجتمع السوري، وقد عرفتها دمشق مع وصول الضباط العلويين لكرسي الحكم في دمشق هنا؛ تغوص في الوجع السوري الزاخر بمثيل هذه الحقائق المدهشة في إطاريها المثبت والمحاكاة.. وكأننا نعيش امتداد معنوي لهذه الحقبة "المظلمة".
طبّال الدراما السورية
نظرة " السنيد" سلوم حداد أمام الكاميرا في مسلسل (جوقة عزيزة) وإحباطه تفور بـ "الافتعال الساخر"، وحركاته الزائدة أمام الكاميرا تستجدي "ضعفاً "فنياً متأصلاً، ضعفاً فنياً تلتقطه عين المشاهد، منقسم الدور بين أن يكون "قوداً"و"عراباً"، دور مركب "فضفاض" على القياس الفني لسلوم حداد، ولا حدود بين طبيعته والصورة التي تفترضها الشخصية، لا صورة في كل المشاهد توحي أن يشتغل "منيح" أمام الكاميرا، خاصةً أن ضعف السيناريو والحوار كما تحدثنا سالفاً، يضاف لها إخراج ضعيف وابتذال وإسفاف في الأدوات والأساليب الاخراجية، كانت ورقة التوت التي فضحت عري طبال الدراما السورية المستحضر من النموذج المصري بلا أي أساس بيئي سوري مشابه.
راقصة الدراما السورية
إن أفضل وصف يمكن إلصاقه بنسرين طافش في هذا المسلسل "راقصة الدراما السورية"، لأنها لا تقدم من حيث البنية والحضور سوى الرقص. إن تناقضات الشخصية في "عزيزة" هي سر القوة وراء الكاميرا، هذه الشخصية المركبة بدورها لراقصة "مبتذلة ليلاً" و"مناضلة "نهاراً، لا يمكن أن تنجح في أدائها ممثلة صاعدة، لا يمكن لفنانة مستلبة أن تدير كل شيء أمام الكاميرا، هي عاجزة أن تصير في لحظة كل ذلك؛ وإن أهم شيء افتقدته طافش بالطريقة التي يتحول فيها الممثل للشخصية التي يؤديها، وليس الغنج والدلال المبتذل وعلى حد تعبير المصريين "هزي يا وزة".
إن مسلسل (جوقة عزيزة) لا يمكن التعاطي معه بأي حال من الأحوال على أنه حقائق تاريخية.. رغم أنه يتوسل مفردات وإكسسوارات تاريخية تنتمي لفترة تكاد تكون محددة الملامح.. إنه ليس أكثر من "تهريج" مسف وبذيء و"أي حكي" على مقياس المزاج التشبيحي السائد المتطلع إلى تلويث التاريخ السوري المعاصر، ووصم المرأة السورية فيه بوصمة هي بعض ما لدى صناع هذا العمل من عار!
التعليقات (3)