(نساء معتقل أوين): سيرة روائية صادمة عن خفايا التعذيب في معتقلات نظام الملالي

(نساء معتقل أوين): سيرة روائية صادمة عن خفايا التعذيب في معتقلات نظام الملالي

عندما نقرأ عنواناً لكتاب يتضمّن مفردة "معتقل" تتبادر لأذهاننا الفظاعات التي تجري عادة في المعتقلات، ونهيّئ أنفسنا لجرعة قاسية من وصف التعذيب والتنكيل الذي يُمارَس على المعتقلين، ولا سيما إذا كان مقروناً بالنساء الناشطات اجتماعياً وسياسياً، لكننا هنا وفي الكتاب - الذي صدر مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر، وهو سيرة روائية حملت عنوان "نساء معتقل أوين.. الجناح 209" والتي تلخّص تجربة الناشطة والصحفية الإيرانية "جيلا بني يعقوب" في معارضة سياسات النظام الإيراني والاعتقال.. وقد قامت بترجمة الكتاب إلى العربية، الكاتبة (صبيحة جلال)- نجد أنّ الكتاب لم ينحَز كالعادة إلى أدب السجون الكلاسيكي، كما إنه ليس رواية تتحدث فيها "جيلا" عن ذكرياتها في السجن، بل هو جزء من تاريخ نهضة المرأة الإيرانية؛ كما تقول عنه. وقد اختارت الوقوف فيه على المشهدية في وصف همجية نظام بلدها المتستر خلف الثورة الإسلامية، كما حاولت التعريف بالمرأة الإيرانية الناشطة والمقاومة، والقابعة داخل أسوار القمع. 

(إلى كل من سُجن بسبب مبادئه وضميره)

بهذا الإهداء تبدأ "بني يعقوب" سرديتها، ثم تتجه إلى التعريف بمضمون كتابها فتقول:

(في الثاني عشر من شهر يونيو عام ألفين وستة ميلادي، قامت مجموعة من الناشطات في الحركة النسائية بمظاهرة احتجاجية في ميدان "هفت تير" اعتراضاً على قوانين التمييز ضد المرأة، ولكن الشرطة واجهت تلك المظاهرة بالعنف، واعتقلت أكثر من سبعة وسبعين شخصاً.

ذهبت إلى مكان المظاهرة لأني صحفية، وأردت أن أكتب تقريراً عن أحداث ذلك اليوم، ولكن ما إن بدأت المظاهرة حتى هاجمت الشرطة المتظاهرين واعتقلت عدداً كبيراً منهم، وكنتُ من ضمنهم، ولم يكترثوا إلى كوننا صحفيين، وكأن بطاقاتنا الصحفية لا قيمة لها).

ومن هنا تبدأ رحلة "بني يعقوب" مع مرارة الاعتقال، حين حاول رجال الاستخبارات تلفيق تهم باطلة بحقها هي ورفاقها، ولم يميزوا بين الأشخاص الناشطين والذين تجمعوا بالفعل في الميدان مرددين شعاراتهم والأشخاص الذين كانوا يمرون من هناك بالصدفة.

تقنياً اعتمدت الكاتبة على الأسلوب التصويري أكثر من استغراقها في سرد الحكاية كما حصلت، في حين أنها لم تستغرق في الشعرية المفرطة لنقل مرارة التجربة كما في معظم الأعمال التي تنتمي إلى أدب السجون، بل أكسبت السردية صيغة العمل التقريري نوعاً ما، وقد نردّ ذلك إلى كونها تعمل في المجال الصحفي في المقام الأول، وأنها أرادت إيصال صوتها وصوت رفاقها ممن عانوا ظلم الاعتقال دون التعويل على زخرفة اللغة.

الجناح 209:

بعد اتهامها بالعمل على زعزعة نظام الحكم في إيران جرى تحويل "بني يعقوب" إلى سجن أوين حيث أودعت في الجناح 209، ما يعني أنّ المعتقلين الآن أصبحوا سجناء وزارة الاستخبارات، المعتقل نفسه الذي قال عنه المهندس موسوي خوئيني، حين كان نائباً في المجلس السادس، إنه معتقل غير شرعي لعدم وجود أي رقابة عليه من قِبل منظمة السجون، والقوة القضائية الإيرانية.

وعندما نهج سجانوها أساليب الترهيب والترغيب للحصول منها على معلومات، وراحت تعاني اضطهاداً وتعذيباً نفسياً، آثرت الخضوع لهذه الأساليب القميئة.

في الكتاب تعريف وافٍ عن نهج النظام في التعامل مع المرأة الناشطة في إيران، كما يعدّ اصطفافاً من قِبل الكاتبة إلى جهة المقاوم المظلوم. 

من داخل الجناح (209) تروي "جيلا" حكايا النساء المعتقلات بلسان المعاصر للحدث.

(سألتها إحدى السيدات في مكتمل العمر: "ما قصدك بالتعذيب النفسي بالضبط؟"

أجابتها تلك الفتاة من الجيل الخامس: "لقد شرح الدكتور باطني في مقال قرأته بهذا الشأن أنّ هذا النوع من التعذيب يؤدي إلى تفريغ الإنسان نفسياً، حتى إنه في النهاية يقر بأشياء ليس لها وجود فعلي، وإنما هي ما يريده المحقق، ومن ضمنها الحرمان من النوم لفترات طويلة أو البقاء في زنزانات انفرادية لمدة طويلة.")

وقد يعتبر الكتاب من حيث المضمون واحداً من قليل الكتب التي تناولت سياسات القمع والاضطهاد التي يتبعها النظام الإيراني، وتم نقله إلى لغتنا. وعن هذا تجب الإشارة إلى أنّ المترجمة (صبيحة جلال) استطاعت بخبرة وإحكام نقل النص إلينا وكأنه لم يعبر إلى لغة جديدة، فقد امتازت السردية ببنائها المسبوك وسهولة التراكيب والجمل، بعيداً عن القرقعات اللغوية والترميز.

ومن جانب آخر أظهر الكتاب وفي عدة مواضع منه؛ حالة الوعي لدى المرأة، ومواجهتها للسلطة الذكورية المتمثلة أيضاً بالسلطة الحاكمة. 

(هل مطالبة النساء بالمساواة، يعتبر تهديداً لأمن البلاد طبقاً للقوانين؟ ما معنى أمن البلاد بالنسبة إليكم؟ أنا أخالفكم الرأي تماماً. أنتم من تقودون المجتمع والبلاد إلى الانهيار، لأنكم لا تسمحون للنساء بالقيام بمظاهرات سلمية، ألا تدركون أنكم عندما تزيدون الضغط على المجتمع، فإنكم تقودونه إلى الانهيار؟)

عن المؤلفة:

"جيلا بني يعقوب" صحفية ومؤلفة إيرانية، اشتُهرت بسبب انتقادها سياسات الحكومة القمعية ولا سيما القضايا التي تتعلق بحقوق المرأة. حصلت جيلا على عدد من التكريمات والجوائز منها:

جائزة الشجاعة في الصحافة عام 2009 

كما حازت هي وزوجها "بهمن أحمدي أمويي" على جائزة أوكسفام لحرية التعبير عام 2005

وبسبب أنشطتها وتقاريرها تم اعتقالها خمس مرات وبعد قضاء مُدَد عقوباتها أفرج عنها. وعلى الرغم من الحظر المفروض على عملها في وسائل الإعلام الرسمية لا تزال تمارس دورها في الصحافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وموقعها الخاص عبر الإنترنت.

عن الكتاب:

صدر الكتاب عن دار موزاييك للدراسات والنشر في تركيا. وقد جاء في 145 صفحة من القطع المتوسط. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات