3 عوامل لإغلاق أنقرة مجالها الجوي أمام روسيا.. ما الذي قدمته أمريكا؟ وكيف يمكن أن تتصرف موسكو؟

3 عوامل لإغلاق أنقرة مجالها الجوي أمام روسيا.. ما الذي قدمته أمريكا؟ وكيف يمكن أن تتصرف موسكو؟

يمثل إعلان أنقرة غلق المجال الجوي أمام الإمدادات العسكرية الروسية إلى سوريا خطوة أخرى تتخذها تركيا وتوسع من خلالها المسافة بينها وبين روسيا، منذ إعلان الأخيرة الحرب على أوكرانيا قبل ثلاثة أشهر، ما اعتبر مؤشراً قوياً على حدوث مستجدات كبيرة لا تتعلق بهذه الحرب فقط، بل وتشمل مختلف ملفات الاهتمام التركي وفي مقدمتها الملف السوري.

ورغم سعي وزير خارجية أنقرة مولود تشاووش أوغلو للإعلان عن هذا القرار بصيغة تتجنب استفزاز الجانب الروسي، من خلال التأكيد على أنه جاء "تنفيذاً لاتفاقية إذن العبور التي انتهت بنهاية نيسان/أبريل الماضي، وأنه اتخذ بالتشاور مع موسكو، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية هذه الخطوة التي اعتبرها الكثيرون أهم قرار تركي باتجاه الافتراق عن روسيا، بعد سبع سنوات من زواج المصلحة الاضطراري الذي لجأت إليه أنقرة رداً على سياسات الغرب التي كانت تستهدف مصالحها وأمنها القومي.

العامل الأول: فشل روسيا العسكري في أوكرانيا

لذلك يعتبر المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد عبد الجبار العكيدي أن هذا القرار هو أقوى إجراء تتخذه أنقرة تجاه روسيا منذ بدء الأخيرة غزو أوكرانيا قبل شهرين، ويتوقع أن يترتب على هذه الخطوة الكثير.

ويقول في تعليقه لـ"أورينت نت": لا شك أن فشل الجيش الروسي بانجاز مهمته بأوكرانيا خلال وقت قصير كما كان متوقعاً، يعتبر أحد أهم دوافع هذا الإعلان التركي، فحتى الآن لم تستطع القوات الروسية سوى احتلال بلدة حدودية صغيرة هي خيرسون، بينما لا تزال تواجه مقاومة شرسة في مدينة ماريوبول، مقابل التفاؤل الكبير الذي أعلن عنه الرئيس الأوكراني يوم السبت وتأكيده وصول إمدادات بالأسلحة النوعية من الغرب في إطار الدعم غير المحدود لجيش بلاده.

العكيدي يؤكد أن تركيا التي أظهرت الحياد في هذه المواجهة بين روسيا والغرب حتى الآن يبقى هواها غربي في النهاية، فهي ثاني أكبر قوة في حلف الناتو، وبالتأكيد هي تقرأ المشهد بعمق وتطور مواقفها بناء على تطورات هذا المشهد التي تشير الآن إلى انكسار روسي، وحتماً أنقرة لن تراهن على دب خاسر، حتى وإن حاولت التخفيف من حدة القرار خلال الإعلان عنه.

وكان تشاووش أوغلو قد أبلغ الصحافيين المرافقين له على طائرة تقله إلى أورغواي يوم السبت أن بلاده "أغلقت المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الروسية وحتى أمام الطائرات المدنية المتجهة إلى سوريا وتحمل جنوداً"، إذ تم منح الإذن لمدة ثلاثة أشهر حتى نيسان/أبريل، مشيراً أنه سبق وأبلغ وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بالأمر.

وقال تشاووش أوغلو: عندما ذهبت إلى موسكو، أخبرت لافروف بذلك، وقال إنه سيخبر بوتين، ثم أبلغني بعد يوم أو يومين أن بوتين قرر أنه "لن نطير بعد الآن"، وفق ما نقل موقع "يني شفق".

وتابع: ننفذ كل ذلك من خلال الحوار، سواء في اتفاقية (مونترو) أو في قضايا أخرى، كان لدى روسيا أربعة سفن قبل الحرب، ربما كانت جزءاً من خطة، لقد طلبوا الإذن بعبور هذه السفن عبر المضيق، لكن قلنا هذه حرب". وتمنح اتفاقية "مونترو" تركيا صلاحية مطلقة في إغلاق المضايق أمام السفن إذا كانت طرفاً في الحرب. 

العامل الثاني: فشل المفاوضات الروسية-الأوكرانية التي ترعاها تركيا

وتتمتع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بعلاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، وقد سعت للتوسط في الحرب بينهما، وفي هذا الصدد أشار لافروف خلال تصريحات صحفية يوم السبت إلى استمرار المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، وأن الجانبين يعملان من أجل صياغة إعلان مشترك، مضيفاً أنه "إذا تم إحراز تقدم في المفاوضات، فقد اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، على إمكانية عقد اجتماع في تركيا".

لكن الخبير في الشؤون الروسية محمود الحمزة يعتبر أن القرار التركي الأخير بمثابة إعلان غير مباشر على فشل الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، واحتجاجاً على هذه النتيجة أيضاً، لأن موسكو هي من أفشلت المفاوضات بسبب تعنتها.

وفي هذا الصدد يقول الحمزة خلال حديث مع "أورينت نت": تعثر المفاوضات التي ترعاها تركيا بسبب مواقف موسكو أزعج أنقرة التي رأت ربما أن الروس يريدون تحجيم طموحاتها وأدوارها في ملفات وسط آسيا وغيرها من المناطق، إذ وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي يبدو أنها تربط الطرفين إلا أن تركيا تنافس روسيا في كثير من المناطق، واستطاعت أن تفرض نفسها وإرادتها عليها في عدة أماكن، مثل أذربيجان وليبيا وغيرها.

العامل الثالث: مصير قسد ومستقبل شمال شرق سوريا

ما لا يغيب عن المراقبين أن القرار التركي الأخير جاء بعد تصعيد شهدته مناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، إذ استهدفت غارات جوية روسية مدن عفرين وأعزاز وتادف وترمانين يوم السبت.

تصعيد لم يكن في الضوء ما يبرره، الأمر الذي يجعل من التفكير بأنه رد فعل روسي يستبق إعلان تركيا هذا القرار أمراً وارداً، بينما لا يستبعد الحمزة وجود ما هو أهم من ذلك فيما يتعلق بالشمال السوري، مشيراً هنا إلى ترتيبات أمريكية تتعلق بهذه المنطقة وتعتبر مغرية لحكومة حزب العدالة والتنمية التي تسعى لإعلانها منطقة آمنة ومجهزة لاستقبال قسم من اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها وتستخدمهم المعارضة كورقة ضغط قبل الانتخابات التشريعية التركية المقررة عام ٢٠٢٣.

ويقول الحمزة: لا أستبعد أن هناك ترتيبات أمريكية-تركية لشمال سوريا تتعارض مع مصالح روسيا وأجندتها، خاصة فيما يتعلق بتحويلها إلى منطقة آمنة، وكذلك بما يخص مصير ميليشيا قسد وتموقعها على الحدود الجنوبية التركية، وفي حال استجابت الولايات المتحدة لمطالب تركيا بهذا الخصوص فلا أستبعد أن تمضي أنقرة أبعد مما فعلت فيما يتعلق بروسيا حتى الآن.

ويتفق العكيدي مع الحمزة في هذه النقطة، مؤكداً أن "مجمل التصريحات والمواقف الأمريكية بهذا الخصوص تعتبر لافتة بالفعل، ويجب وضعها في إطار الإغراءات الأمريكية لأنقرة من أجل الابتعاد عن روسيا".

ويضيف: هناك تصريحات نسبت بالأمس للقائد السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط يقرّ فيها بأن بلاده ارتكبت خطأ فادحاً عندما فضلت العلاقة مع قسد على العلاقات مع أنقرة، واختارت دعم ميليشيا تابعة لمنظمة إرهابية تعادي تركيا على الوقوف بجانب حليف استراتيجي في الناتو. كما إن هناك تسريبات عن وجود وفد من الكونغرس الأمريكي في أنقرة حالياً للعمل على إصلاح العلاقات بين الطرفين، وكل ذلك يتزامن مع الحديث عن إعادة ترتيب المناطق الخارجة عن سيطرة نظام ميليشيا أسد في الشمال بما يتفق والمصالح التركية، وهذا كله يكفي لتشجيع أنقرة على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه روسيا.

بل إن العكيدي يذهب أبعد من ذلك حين يشير إلى ارتباط التطورات الأخيرة بالعملية التركية التي أطلقتها ضد حزب العمال الكردستاني شمال العراق، مؤكداً "أنها عملية غير مسبوقة وقد تفضي إلى تقويض إمكانات الحزب الإرهابي" ورابطاً أيضاً بينها وبين حملة الاستهدافات التي يشنها الجيش التركي منذ شهرين تقريباً في شمال شرق سوريا ضد كوادر وقيادات ال"PKK" وأسفرت عن خسائر نوعية بصفوفه، كان آخرها مقتل ثلاثة من قياداته النسائية، وعليه "لا يمكن أن يحدث كل ذلك صدفة أو بدون موافقة الولايات المتحدة من جهة، ودون أن يغضب روسيا من جهة أخرى" حسب العكيدي.

ما هي خيارات الرد والتعويض الروسي ؟

لذلك يُجمع كل من العكيدي والحمزة على أن قرار تركيا غلق المجال الجوي أمام الحركة العسكرية الروسية ليس إجراء عادياً، وأنه ستكون له تبعات وتبنى عليها متغيرات على المدى القريب والمتوسط.

وإلى جانب توقع اتخاذ إجراءات اقتصادية تتعلق بتقليص المبادلات التجارية وتوريد السلع الأساسية، وكذلك فرض قيود على تدفق الغاز الروسي إلى تركيا، يتوقع العكيدي أن تصعد القوات الروسية في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا، بل يؤكد أن هذا التصعيد بدأ بالفعل من خلال القصف الذي شنه الطيران الروسي على ريفي حلب وإدلب خلال الساعات الأخيرة الماضية، وصولاً إلى سقوط قتلى وجرحى من القوات التركية قرب مارع بعد استهدافهم من قبل ميليشيا البي واي دي بصاروخ موجه روسي الصنع.

لكن الحمزة يرى أن تركيا كانت تتوقع ردة الفعل هذه بلا شك، ولولا حصولها على ما يطمئن مخاوفها لما أقدمت على هذا التصعيد، بينما لا يرى الحمزة أن خيارات روسيا للتعامل مع قرار تركيا الأخير كثيرة أو مريحة.

ويختم تحليله لهذا التطور الهام بالقول: ستلجأ موسكو للتصعيد العسكري شمال سوريا، كما ستعوض الأجواء التركية بالمرور عبر إيران والعراق، لكن يجب أن نتوقع أن تضغط الولايات المتحدة على بغداد من أجل اتخاذ قرار مماثل أيضاً، وبالتالي خنق إمدادات روسيا العسكرية إلى سوريا، في إطار التضييق الهائل الذي يمارسه الغرب على موسكو اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً منذ إعلان الأخيرة الحرب على أوكرانيا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات