تزداد دوافع الهجرة لسكان مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد باتجاه مناطق سيطرة الجيش الوطني طمعا بالوصول إلى تركيا والدول الأوروبية، وخاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تقف قسد وراءها، حين باتت تلك المناطق جحيما بالنسبة للسكان الذي يبحثون عن حياة أفضل في أماكن أخرى.
سفيان العلي 64 عاماً من سكان مدينة البصيرة شرق دير الزور يقول لأورينت نت: "لا مستقبل هنا ببساطة، الأمور تسير نحو الأسوأ في عموم مناطق دير الزور (الجزيرة) التي تسيطر عليها ميليشيا قسد، حيث الفوضى الأمنية متواصلة ولا تنتهي وبتنا نخشى على أنفسنا وعلى عوائلنا، ولم نعد نعرف من سَيُهددنا أو يعتقلنا".
يؤكد الرجل الستيني أن السطو منتشر بكثرة في مناطق سيطرة قسد، وأن هناك عملية قتل بشكل يومي، إضافة لعمليات الاعتقالات التي تشنها قسد وتطال غالباً أشخاصاً أبرياء، إلى جانب الفقر والبطالة المنتشرين بشكل كبير، وغياب الخدمات عن المنطقة، ويقول: "أرسلت أبنائي الثلاثة لأوروبا لعلهم يحظون بمستقبل أفضل من هذهِ البلاد ويعيلولننا، اضطررت لبيع كل ما أملك في سبيل إيصالهم لألمانيا، لدي هناك اثنان من أبنائي والثالث سيصل قريباً، الطريق نحو أوروبا مُكلف وصعب، لكن ما باليد حيلة".
التهريب لا يتوقف
جلال (اسم مُستعار) وهو يعمل مُهرباً بين مناطق سيطرة «قسد» ومناطق «الجيش الوطني» قال في حديث لأورينت نت: "عمليات التهريب لا تتوقف أبداً، الناس يغادرون باستمرار ولكن هذا العام الوضع مختلف تماماً، هناك أعداد ضخمة بدأت تتجه نحو مناطق سيطرة المعارضة شمالاً والهدف هو الوصول لتركيا، ثم أوروبا، الناس فقدت الأمل بالحياة وبالذات في دير الزور، الأوضاع المعيشية صعبة والفوضى تزيد الطين بلّه، لايوجد أي شيء مُبشر،منذ منتصف شهر آذار الماضي ولغاية اليوم سجلت أعداد المغادرين من دير الزور وحدها ما يزيد عن 500 شاب وبينهم أطفال، وهناك أشخاص يأتون من محافظات أخرى نحو دير الزور ومن ثم يتابعون نحو الشمال".
ويضيف جلال :"يدفع الشخص الراغب بالعبور نحو الشمال مبلغ 150 دولاراً ونقوم بإيصالهِ حتى مناطق رأس العين وتل أبيض، ومن هناك يتابع نحو تركيا، إذ تكلف العملية مابين 1800-3000 دولار، وبعدها يكملون طريقهم نحو أوروبا".
فساد ومحسوبيات
في ذات السياق قال الناشط محمد الخالد من دير الزور لموقع أورينت: “يُعاني أبناء دير الزور في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» من البطالة والتهميش، وحتى النخب العلمية وأصحاب الكفاءات باتوا يغادرون المنطقة نهائياً، لكون فرصهم بالتعيين باتت معدومة بسبب تسلط كوادر ميليشيا PYD /PKK على جميع نواحي الحياة في المنطقة، والتي تكيلُ بمكيالين، فهي تضيّق على الثوار من أهل المنطقة وتلاحقهم، وتحابي الموالين لميليشيا أسد وعرّابي المصالحات بل وتنصبهم في مراكز مهمة”.
ويشير الناشط محمد إلى أن جميع الوظائف في قطاعات ما تسمى الإدارة الذاتية والمنظمات الدولية العاملة في شرق الفرات يتم التعيين فيها عبر المحسوبيات والعشائريات، وبإشراف كوادر PYD/PKK، ويقول: "لك أن تتخيل أن غالبية الموظفين لايحملون أية شهادات علمية وبعضهم أُمّي لا يقرأ ولا يكتب، كل هذهِ أمور تدفع الشباب والنخب للهجرة، عدا مسألة التجنيد الإجباري التي باتت تنتهجها قسد عبر اختطاف شباب المنطقة لمعسكرات التجنيد أسوةً بميليشيا أسد، بصراحة الاثنين لا فرق بينهما".
تعيش محافظات شرق سوريا عامةً ودير الزور خاصةً اليوم أسوأ أزماتها في جميع النواحي، إن كان بالتغيير الديموغرافي المستمر بشكل بطيء، أو بما يخص الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، إلى جانب التصحّر والجفاف الذي عاد سلبا على المواسم الزراعية، لا سيما اعتماد السكان على الزراعة في تلك المناطق.
وفي هذا الصدد يقول الناشط "فاضل عبود" لأورينت نت: "حتى الموسم الزراعي خلال السنوات الماضية كان سيئاً، بسبب قلة الدعم للمزارعين، وقلة المشاريع الزراعية والفساد الذي يعشعش في مجالس الإدارة الذاتية، وكذلك الجفاف، وقلة الأمطار وانخفاض مستوى مياه نهر الفرات القادمة من تركيا، إذ تعتمد محافظات الشرق على الزراعة وتربية المواشي، في وقت بات القطاعان المذكوران في الحضيض، وحتى أسعار الأعلاف باتت تضاهي أسعار الماشية نفسها، ولذلك سيفكر الجميع بالهجرة ".
ووفقاً لدراسة قام بها فريق منظمة (PAX) الهولندية والتي تم إجراؤها في سبتمبر 2021 في مناطق شمال وشرق سوريا فقد انخفضت أعداد الماشية إلى النصف، وانخفضت الغلة الزراعية بنسبة 75٪ وهي نسب مخيفة، كما انخفض محصول القمح لعام 2021 بنسبة 70 ٪ على أساس سنوي، وهو لا يكفي لإطعام المنطقة.
التعليقات (1)