لا تزال آثار خطبة يوم الجمعة الماضي التي ألقاها خطيب مسجد “الفتح المبين” بمحافظة بابل، علي المسعودي، تتواصل حتى هذه اللحظة، وتشهد مُحافظات مُختلفة من العراق أعمال عنف وإضرام للنار في مقار ومساجد تتبع لرجل الدين الشيعي "محمود الصرخي" في مدن بابل والديوانية وذي قار، إضافة لتظاهرات في عدة محافظات أخرى وسط وجنوب العراق.
وكان المسعودي دعا في خطبة الجمعة الماضية إلى هدم القبور والمزارات والأضرحة، مؤكداً أنّ بناء المزارات والقبور "لا أساس له في الإسلام"، وهو الأمر الذي لقي استنكاراً من قِبل جمهور الشيعة العريض الشيعة الذين يعتقدون أنّ التقرب من الله وعبادته لا تتم إلّا من خلال هذه القبور والأضرحة.
وأكّدت وسائل إعلامية صدور مذكرة اعتقال بحق المرجع الشيعي محمود الصرخي، إضافةً لمذكرات اعتقال عدّة بحق أتباعه، وأعلن جهاز الأمن الوطني العراقي مواصلته حملة ملاحقة واعتقالات موسعة لمن وصفهم بـ "عناصر الحركات المتطرفة".
وقال الجهاز في بيانٍ له إنّ قواته تمكنت من "إلقاء القبض على (29) متهماً بالانتماء إلى تلك الحركات المتطرفة" في تسع محافظات، وفي بيان آخر كشف الجهاز اعتقال شخص في محافظة بابل "ينتمي إلى الحركات الدينية المتطرفة، يدعو إلى الإساءة إلى الرموز والطقوس الدينية وكذلك الدعوة إلى هدم المراقد المقدسة".
وكان أحد المُعتقلين خطيب مسجد الفتح المبين في منطقة الحمزة الغربي جنوب محافظة بابل، علي المسعودي وهو صاحب الفيديو الذي تحدث فيه عن القبور والمراقد.
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قيام مجموعات مسلحة بهدم وإحراق جوامع ومكاتب تابعة للصرخيين في عدد من المحافظات العراقية، وتشير إحصائية غير رسمية نشرها موقع "ارفع صوتك" إلى أن "أكثر من 40 حسينية تعرضت حتى الآن للحرق والدمار".
بدوره رجل الدين العراقي مُقتدى الصدر قال في بيان صحفي إن "ما حدث من ردة فعل شعبية ضد المحسوبين على المذهب المطالبين بهدم المراقد أمر مستحسن، فهو دفاع عن الدين والمذهب وعشق للمعصومين سلام الله عليهم أجمعين وهي غضبة حق".
وأضاف: "لكن عليهم التورّع عن هدم المساجد وحرقها وتخريبها فضلاً عن تفجيرها والاكتفاء بغلقها ومنع أصحاب الفتنة من إقامة شعائرهم المشبوهة فيها، فهدم المساجد لا يقل خطورة عن هدم المراقد، فحافظوا على مقدساتكم ومساجدكم ودور عبادتكم".
من هم الصرخيون؟
المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة، مهند الغزي يقول إن "الصرخيين يظهرون جانباً من الإسلام الشيعي خاصاً بهم بشكل كبير"، كما إنّ "الجماعة قامت سابقاً بتأليف أناشيد دينية على طريقة الراب، وصوِّر مرجعهم الديني وهو يلعب كرة القدم مع عدد من مريديه في الشارع".
وقال الغزي في تصريح لموقع الحرة إن "الجماعة تستخدم طرحاً دينياً وصورة إعلامية مختلفة عن الجماعات الشيعية التقليدية"، مؤكداً أن "المواجهات السابقة كانت بين الحكومة والصرخيين، لكن هذه المرة مختلفة لخصوصية المراقد لدى ملايين من الشيعة العراقيين".
ويَعتبر محمود الصرخي نفسه "مرجعاً عربياً"، فيما يشكك أتباع المرجعيات الأخرى في صحة مرجعيته، ولديه آلاف الأتباع في غالبية المدن العراقية، وعُرف خلال السنوات الماضية، التي أعقبت دخول القوات الأمريكية إلى العراق عام 2003، بمواقفه المختلفة عن أقرانه من رجال الدين الشيعة، ورفضه لمواقف وفتاوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، خاصة فتوى الجهاد الكفائي وتشكيل ميليشيا الحشد الشعبي عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش.
وهذه أوّل مرة يظهر فيها تيار شيعي يطالب بهدم القبور والمراقد الدينية، ويستند الصرخيون إلى حديث منسوب للإمام علي بن أبي طالب، قال فيه لأبي الهياج وهو أحد أصحابه، "أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته"، وتنقل كتب شيعية وسنّية هذا الحديث بصيغ مختلفة، ويستدل به عدد من المذاهب الإسلامية على حرمة بناء القبور المرتفعة.
التعليقات (8)