أزمة العراق السياسية مستمرة..إيران تفشل في خداع السعودية والحل من بوابة الاقتصاد

أزمة العراق السياسية مستمرة..إيران تفشل في خداع السعودية والحل من بوابة الاقتصاد

يستمر الانسداد السياسي في العراق للشهر الرابع على التوالي منذ عقد البرلمان الجديد أول جلساته مطلع كانون الثاني/يناير ٢٠٢٢، حيث فشلت الكتل السياسية بالتوافق على تسمية رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء، بينما يعتقد الكثيرون أن إيران استأنفت نشاطها في الملف العراقي بعد تجميده خلال الأسابيع الستة الماضية التي شهدت تقدماً كبيراً في مفاوضاتها الإقليمية والدولية قبل أن تتعرض هذه المفاوضات لانتكاسة.

سفير جديد

فقد أعلنت طهران يوم الإثنين تعيين سفير جديد لها في بغداد، خلفاً لإيرج مسجدي الذي تضاربت المعلومات حول سبب إقالته بعد خمس سنوات على شغله هذا المنصب، والسفير الجديد هو نائب مسجدي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إن بلاده عينت محمد كاظم آل صادق سفيراً جديداً لها في بغداد.  

وأضاف زاده: إن السفير الجديد سيباشر عمله الدبلوماسي في بغداد الأسبوع المقبل، بالتزامن مع زيارة متوقعة لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى طهران "لإجراء مباحثات حول العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع السياسية في المنطقة".

ويعد محمد كاظم آل صادق، أحد القيادات البارزة في فيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، كما كان مقرباً جداً من قائد الفيلق السابق قاسم سليماني، وهو من مواليد مدينة النجف في العراق ويتحدث العربية بطلاقة.

وبينما رأت مصادر عراقية أن إقالة السفير مسجدي جاء استجابة لمطالب القوى العراقية المرتبطة بإيران، والتي أبدت انزعاجها من طريقة تعاطي السفير معها مؤخراً، وأن طهران استجابت لها بعد أن اعتبرت سفيرها قد فشل في أداء مهامه فيما يتعلق بجمع كلمة الكتل السياسية الشيعية، كشفت مصادر أخرى لـ"أورينت" أن النظام الإيراني يريد توجيه رسائل واضحة إلى الدول العربية والغرب من خلال هذه الخطوة بأنه سيحكم قبضته على العراق أكثر بعد فشل المفاوضات حول الملف النووي وقضايا المنطقة.

ولطالما اتهمت طهران والقوى العراقية المرتبطة بها زعيم التيار الصدري، الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في تشرين الثاني نوفمبر ٢٠٢١، بالارتباط مع المملكة العربية السعودية، ورفضت السماح للتيار وحلفائه السُنة والأكراد بتشكيل حكومة جديدة.

تفكيك التحالفات 

لكن منذ منتصف شباط/فبراير الماضي بدا أن الأمور تسير باتجاه تحقيق انفراجة في الأزمة السياسية العراقية بعد الإعلان عن تقدم كبير في مفاوضات الملف النووي بين إيران والغرب، وقبل ذلك تقدم في المفاوضات بينها وبين السعودية، حيث يعدّ العراق أحد الملفات الخلافية الأساسية بين الجانبين.

لكن منذ تعثر هذه المفاوضات قبل ثلاثة أسابيع عاد الجمود ليسيطر على المشهد السياسي في العراق، وتجدد التصعيد والسجال الإعلامي بين القوى والكتل البرلمانية، بينما كشفت مصادر لـ"أورينت نت" عن تحرك إيران لتفكيك التحالفات الوطنية العابرة للطوائف والقوميات القائمة حالياً، مع التركيز على ضرب تحالف القوى السُنية وتأجيج الخلافات بينها.

وفي هذا السياق تضع المصادر عودة وزير المالية السابق رافع العيساوي إلى بغداد وتسوية وضعها القضائي خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بعد خمس سنوات على مغادرة البلاد إثر صدور مذكرة توقيف ومن ثم أحكام بالسجن ضده بتهم تتعلق بالفساد.

وتداولت مواقع ومنصات إخبارية صورة للعيساوي مع القيادي في تحالف "عزم" خالد العبيدي، وصورة أخرى مع القيادي السابق في حزب "تقدم" حيدر الملا المنشقين عن التكتل السُني المتحالف مع التيار الصدري.

وبعد انقسام كتلة عزم السنية بعد تحالف زعيمها التقليدي خميس الخنجر مع كتلة تقدم التي تزعمها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بمسمى تحالف السيادة، اختار المنشقون التحالف مع "الإطار التنسيقي الشيعي" المناهض للصدر والمرتبط بإيران، ولذلك فإن مصادر أورينت تضع ظهور عودة العيساوي كمكافأة إيرانية له على اختياره الكتلة السنية المقربة منها، وانتقاماً من قادة الكتلة السنية المتحالفة مع الصدر والحزب الديمقراطي الكردستاني تحت اسم تحالف "إنقاذ وطن".

وكان لافتاً التصعيد الإعلامي الكبير للمسؤولين في تحالف عزم بقيادة خالد العبيدي ضد القادة والنواب السنة الآخرين، بالتزامن مع إعلان الزعيمين الشيعيين المرتبطين بإيران، نوري المالكي وعمار الحكيم مبادرتين للحل تقومان على العودة للتكتل على أساس طائفي، بينما اقترح الطرف الآخر مخارج بديلة بينها الدعوة لانتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة طوارئ.

فقد طالب رئيس تحالف دولة القانون نوري المالكي بالعودة لتحديد الكتلة البرلمانية الأكبر على الأساس الذي أفرزته الانتخابات قبل الانخراط بتحالفات لاحقة، وهو الأمر الذي أيده رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم في مبادرة من تسعة بنود أعلن عنها الأحد، الأمر الذي أثار استياء واسعاً، ووجد فيه الكثير من العراقيين دعوة لتكريس الطائفية والانقسام بدل التشجيع على التحالفات العابرة للمكونات.

مقاربة ناقصة

لكن الدكتور  طالب محمد كريم، وهو باحث ومحلل سياسي عراقي يرى أنه حتى هذه التحالفات لا تعبر بشكل فعلي عن تجاوز التقسيمات ما دون الوطنية، ويحذر من ثورة شعبية في حال استمرار الانسداد السياسي في البلاد.

وفي تصريح لـ"أورينت نت" قال: المفهوم العملي الإجرائي للفصل بين الطائفية وغير الطائفية يكون في خيار مبدأ المواطنة التي تتجاوز الهويات الفرعية وتتبلور في الهوية الوطنية، هذا من جانب، ومن جانب آخر يتم باختيار الكفاءات النزيهة لقيادة مفاصل مهمة في الدولة العراقية.

ويضيف كريم: الفشل في تمرير مرشح رئيس الجمهورية يعود إلى طرح صيغة جديدة للمنظومة السياسية، والتي تكمن في حكومة الأغلبية الوطنية المطروح من تحالف إنقاذ وطن والكتلة الصدرية بشكل خاص، ما ولّد مشاعر إقصاء  للكتل السياسية الأخرى، ولا سيما الإطار الشيعي فيما يخص التمثيل الحكومي والمناصب السيادية، ومن هنا نفهم أن صيغة الأغلبية التي لم تعطِ ضمانات حقيقية جعل من الأطراف الأخرى تتمسك بخيار الثلث المعطل.

وحول المخارج الممكنة للأزمة السياسية، يرى كريم أن كل الأطروحات ممكنة في حال استمر الوضع الحالي "خصوصا إذا ما أدركنا أن هذه الدورة الانتخابية جاءت بسبب المظاهرات الوطنية التي شهدتها الدولة العراقية، لكن أن تبقى الموضوعات بلا نهاية فقد نشهد ثورة شعبية كبيرة.

استمرار الخداع الإيراني

من جانبه يعتبر درويش خليفة، وهو محلل سياسي مطّلع على ملف المفاوضات بين السعودية وإيران، أن ما حدث هو نتيجة تعنّت طهران واستمرارها في سياسة الخداع تجاه المجتمع الدولي والإقليمي، وعدم استعدادها للتخفيف من قبضتها على الدول العربية التي تسيطر عليها بشكل أو بآخر، ومنها العراق.

ويقول في حديث مع "أورينت نت": كان الملف العراقي أحد أهم ملفات الخلاف بين الرياض وطهران في مفاوضاتهما التي انطلقت قبل ثلاثة أشهر، وقد حاول النظام الإيراني أن يظهر مرونة في هذا الملف من خلال عدم التدخل الحاسم إلى جانب القوى المرتبطة به على حساب التيار الصدري وحلفائه، لكن تعليق مفاوضات الملف النووي وتعثر المحادثات مع المملكة سرّع من عودة طهران إلى اللعب على المكشوف مجدداً، ما يؤكد أحقية عدم الثقة بها.

ويضيف: لقد حاولت إيران ممارسة الخداع من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية تحتاج إليها بشدة، وقد تفاقمت هذه الحاجة لديها مع الأزمة الاقتصادية العالمية حالياً، لكنها تريد ذلك دون دفع أي ثمن أو تقديم أي تنازلات على صعيد تدخلها في بلدان الجوار وتهديد مصالح الدول العربية، وهو أمر لم يعد مقبولاً وعلى طهران أن تتحمل مسؤولياتها فيما يحدث.

خليفة الذي يرى أن من حق المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج عدم مجاراة إيران في ما تريد، سواء بالعراق أو غيره من بلدان المنطقة، يعتقد أن الاتفاق على هدنة شاملة في اليمن لم تكن لتحدث لولا موافقة طهران، وهذا يؤكد أن العامل الاقتصادي سيكون كفيلاً بإجبار النظام الإيراني على تقديم التنازلات المطلوبة منه في العراق أيضاً، رغم أن احتمال التصعيد يبقى قائماً.

لا تبدو الصورة واضحة إذن فيما يتعلق بتوجهات إيران الجديدة حول العراق، فاختيار سفير جديد لها في بغداد، ومحاولتها تفكيك التكتل السني المناوئ لها وحل عرى التحالفات العابرة للمكونات الطائفية والقومية التي تشكلت عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة يعيد المخاوف من نوايا طهران التي لا يمكن أن تتنازل على أي حال عن سيطرتها في العراق البلد الذي يعدّ أحد أهم ركائز سياستها التوسعية في المنطقة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات