الأهمية المتعاظمة للدراما التلفزيونية في سماء البث المفتوح، باتت تؤسس لمرحلة جديدة بعد ثورة الربيع السوري، باعتبار الدراما الجنس الذي يحقق أعلى نسب مشاهدة وخاصةً في شهر رمضان، هذا ما يدفع أجهزة الأمن السورية لتكريس أجندتها التي تتماشى شكلاً ومضموناً مع التوجهات التي تدسّ السم في الفن والسياسة معاً.. وهذا ما يبدو عليه الحال في مسلسل (كسر عظم) للمخرجة رشا شربتجي وسيناريو وحوار علي الصالح.. إنه شكل التنفيس الجديد بعد مسرحيات غوار الطوشة وسيناريوهات بقعة ضوء وسواها، وهل لذاكرتنا أن تنسى ذاك الدجل الأمني، الذي أفقد الفن السوري كل قيمه مع سقوط شخوصه وأفكاره مع نهوض المدن السورية الثائرة.
أمراء الحرب ونفوذ الفساد
ومن هنا تأتي أهمية المخرجة رشا شربتجي في (كسر عظم)… وسعيها نحو دراما أمنية جديدة،، وهدف العمل تقديم عمل درامي نظري بحت، الكاميرا تدور بين مكاتب فخمة لأمراء حرب مفترضين على القياس الأمني، بينما تقفز للحرم الجامعي وتحديداً من غرفة مخروقة لفتيات جامعيات تنتهك أعراضهن في الحرم الجامعي، وجوقة انتهازيين وقوادين، محاولة فاشلة للتنقل بين طبقات النفوذ والمال والسلطة والضحايا في القاع والناس الذين يدورون هنا وهناك تماشياً مع مصالحهم الشخصية. خصوصية الإخراج الأمني أنه يظهر شذرات سوداء من واقع أشد سوداوية، أليست مكاتب جميل الحسن وسهيل الحسن وبشار الأسد قبلهم، هي المكاتب التي لم ولن تدور الكاميرا ولا غمزاً بالقرب من مكاتبهم، لهذا يبقى هذا العمل موديل درامي مطور ومستوحى من أعمال سابقة منقوصة.
برأي المعادلة أبسط من ذلك رغم سوداوية شذرات الكوادر التلفزيونية في العمل لا يأتي بجديد، هذه السوداوية رفاهية طبيعية في بلد، دخل بيوتهم من يفترض أنهم شركاء في الوطن وتم قتل قاطنيه على أيديهم بالسكاكين، هناك من فقدت جميع أولادها وبقيت تعيش الموت قبل قدومه، يا ترى الموت الذي تراه كميرا شربتجي هل يرتقي لعيش الموت لأمهات الكثير من السوريين؟ هل يرتقي لتلك الكوادر التصويرية أم تبقى محض نظرية، غير قادرة على الوصول للحقيقة التي يعرفها الجميع، أو حتى لمقاربة لو تمس الواقع مساً خفيفاً، وتؤسس لدراما تتمرد على الدراما الأمنية للنظام السوري.
تجديد الثقة الأمنية
ليس العمل فتحاً دسماً كما تروّج مخرجته، فهو لا يكاد يحدث قطيعة مع حصة العقود الست المنصرمة من أعمال أمنية تنفيسية وترويجية ودعائية، وهي لا ترسم خارطة طريق جديدة للدراما السورية، بل تكرس بداية عقد جديد من تجديد الثقة في أمنيتها الصرفة، خاصةً مع فقدان التطور في الكتابة والأفكار وأساليب وأدوات الإخراج، ومع فقدان مصادر كثيرة مع اندلاع الثورة، وعدم تمكن نجوم الموالاة في أن يكونوا نجوما في شغلهم أو فنهم، بل أن يكونوا نجوماً في موالاتهم للبوط العسكري الذي شرد الملايين ودك البيوت فوق رؤوس ساكنيها.
لقد أصبحت مثل هذه الأعمال غير قادرة على المنافسة أصلاً مع أي شكل من أشكال ملامسة الواقع بدل تزويره.. وهي غير قادرة على خروجها من الساحة السورية الضيقة المحشورة بضفة الموالاة، حيث تأثرت صناعة الدراما السورية بشكل كبير بسبب عزوف المنتجين وخاصة في الخليج على إنتاج أو تمويل أعمال بالكامل سورية، ورمضان الحالي وخاصةً مسلسل (كسر عظم) لا يدلل على تعافي يروّج له بعض صناع دراما الأمن السوري، بل يكرس هذا الفشل الدرامي وكساد السوق الدرامي منذ سنوات عديدة، وأصبحت مأزوميته المالية والتسويقية تقترح الجهات الأمنية التعويل على إنتاج التلفزيون السوري وبعض الشركات التي يصح عليها وصف “من عظام رقبة الفروع الأمنية”
ويجب توجيه نظر بعض المتحمسين لهذا العمل (كسر عظم) من الجمهور والنقاد، أن رشا شربتجي التي لا ننكر حرفيتها الفنية على الأقل، هي ليست أكثر من قائد أو موجه لتعليمات أمنية، وشذرات النفاق والكذب والتدليس من وراء الكاميرا لا يمكن أن تخرج الدراما السورية من النفق المظلم الذي أدخلتها الفروع الأمنية فيه منذ عقود.. وإذا كانت رشا شربتجي هي قائدة محاولة الخروج فعلى الدراما السورية السلام.
لا يمكن إغفال وجود أخطاء فادحة في التصوير، وتصويره في إحدى ضواحي دمشق يجعله شكلاً ومضموناً تحت مبضع ومشرط الرقيب الأمني، ناهيك عن وجود تصوير لا يرتقي لأساليب وأدوات التصوير الجديدة، ربما أجزم أن عدداً كبيراً من المشاهد صُور على عجل ولم يحظَ بمقدار من الهدوء الاحترافي من وراء كاميرا مخرجته إلى أمام الكاميرا من ضبط أداء الممثلين.
مسلسل (كسر عظم) للمخرجة رشا شربتجي، هو عمل أمني بحت خارج السياق الدرامي الذي شرط تنفسه هو الحرية والضمير. بغياب الضمير الذي يأبى تزوير الوقائع والافتراء على الأحداث يبقى كل ما يقدّم بعيداً تماماً عن تمثيل الواقع الذي عاشه المجتمع السوري بقيادة نظام حاكم في دمشق لا مثيل له في العنف والفساد وتدمير حتى المدمر، فالحقيقة التي يجب أن نراها في أعمالنا الدرامية غائبة، ولا يمكن أن يستحضرها الكذب على الذقون في كسر عظمنا المكسورة وطنياً قبل أن تكسر درامياً.
التعليقات (5)