نتخالف لنتحالف: معارضون صامتون لا يخدمون الثورة

نتخالف لنتحالف: معارضون صامتون لا يخدمون الثورة

الأجمل حقاً، ألا نتشابه، أن نتخالف في تفسير الوردة، والنغمة والشجرة. أن نتضاد في تشكيل أبجدية العناق، وكتابة الشغف.

عندها لا تبقى الوردة مجرّد كلمة يوصّفها الجميع بالكلمات ذاتها، ولا تبقى النغمة مثار آهٍ مشتركة،.. ولا الشجرة مجرد مخبأ يقينا لسعة الشمس الحارقة.

الحاجة إلى الألوان 

أنا مناهض دائم للون الواحد. تصوّروا عالماً واسعاً كعالمنا باللون الأبيض، أو الأسود، أو الرمادي،.. تصوروا العيون جميعها سوداء،.. وزرقة البحر والأعالي غائبة،.. والغابات تلبس عباءة الكاكي المدرسية.

لهذا نحتاج إلى ألوان تدفع إلى غصون كتاباتنا نسغاً حياً من كل لون يخطر على بال الربيع. لهذا نحتاجها كي لا نتفق معها على خطاب أدبي أو سياسي موّحد،.. على حنجرة إعلامية مشتركة تشبه أحياناً أنابيب الصرف الصحي؛ ولا تسمي الأمور بمسمياتها حين يلزم الأمر.. لهذا نحتاجها نهراً مختلفاً عن أنهارنا،.. صوتاً معاكساً ربما، صرخة أحياناً،.. وهمسة ناعمةً كل حين.

الأجمل أن نتخالفَ في تفسير الحقل،.. لكن الأكثر جمالاً أن نتحالف في جمهورية العطر والإنسانية والحق.

الأجمل أن نتناقض في حوارية النار والريح،.. لكننا ننقضّ معاً على طائر الدفء والكرامة كي نحوّطه بأناملنا خيمةً واحدةً تمنع عنه ذئاب الصقيع.

إعلام ملتبس

أجزم أن فضاءنا الإعلامي والثقافي متسخٌ بالاصفرار،.. متشحٌ بالشحوب والنفاق والهذيانات التي تحوم حول جمرة الحقيقة ولا تقربها، قليلة هي المنابر الصارخة والتي تدافع عن المظلوم بكل الظروف والتبدلات. فالحقيقةُ تحرق المدعينَ وتحيلُ منكريها إلى رمادٍ بارد. لهذا نحتاج ألواناً شاخصةً تدلُّ على الموقف اللا وتري.. على الفكرة اللا موتورة،.. على الصورة قبل أن تخضع لعمليات التجميل المزوّرة لواقع الأمر.

أتذكر يوم كان الإعلام السوري مجرد شاشة رسمية واحدة، مفروضة على كل بيت يمتلك التلفاز، وهذا قبل أنظمة الستالايت والأقمار الصناعية، وقتها وأمام إعلام واحد تشكّل جمهور واحد يتلقى ما تحقنه به ماكينة النظام، جمهور يتنفس مادة إعلامية هلامية تكرّس كل اعوجاج، وقوانين الحزب الواحد.

في تلك المرحلة لم يكن للمعارضة إعلام، وكان السيد المقص يتحكم حتى بالصحافة الورقية الواردة من الخارج، والرقابة تطال كل ما يطبع داخل الحدود، وكل كتاب يصل عبرها من الخارج.

أثناء الثورة وما بعدها تغير الكثير، انكسر المقص، والرقابة ما عادت قادرة على الإمساك بنوارس المنارات التي استفاقت على الصحو.

ثمة إعلامٌ معارضٌ للمكرّس والذاتي والبوقي الانتماء، لكن هذا الإعلام ملتبس، وغير مهني، وغير متفّق عليه، وهذا يخدم الإعلام البوقي، ويبقيه المرجعية ، طالما الإعلام المعارض يكون متعدداً ومتناقضاً وبلا مرجعيات تمتلك الرؤية الموحّدة والبعيدة المدى.

يضاف إلى ذلك طابع الاندساس الذي يطال البديل الإعلامي، ففي الوقت الذي تمتلك فيه عدسات إعلام النظام وملحقاتها اليوم السلطة على الأرض، تكون عدسات البدائل خجولة ومغامرة وقابلة للتلفيق... وهذا يمنع عنها المصداقية نوعاً ما، ويبقيها قيد الإنكار والتصديق.

أيضا حاجة الإعلام البديل إلى ميزانيات تبقيه على قيد الاستمرار توقعه تحت وطأة التوظيف والرضوخ لوجهات نظر المموّلين في حال وجودهم، وهذا يدفع للهشاشة والتبدل في المواقف في أغلب الأحيان.

لماذا لا يكون للرأي الآخر منبر إعلامي ثابت الرؤية والقرار والمسار؟..

أقلامٌ معارضة مع وقف التنفيذ

شعراء ومفكرون وروائيون ومسرحيون كثر تحتضنهم اليوم المنافي ، يقيمون خارج الوطن، يحملون في خلاياهم الرفض والثورة، لكن إلى أي مدى يخدمون الثورة الرافضة لواقع الحال؟..

الغالبية نلمح في نتاجهم الإبداعي الجمرة والرفض والغضب، لكن في حدود الملامسة البعيدة لا الجوانية، وفي حدود التلميح لا الاستعانة بإصبع توما يغرسه في عمق الجرح الذي لا يزال مفتوحاً وسيبقى..

وهؤلاء وهم الأكثرية، يرضخون وينكمشون تحت وطأة الحياة والخوف، ويتحولون إلى محايدين في غياب جهة ما تستطيع توحيدهم ولم شمل أقلامهم ولو اتسعت المسافات فيما بينهم.. هذه الجهة شبه ضائعة، لهذا يتسع الشتات أكثر، وتنطفئ الجمرة تحت الحاجة للرغيف أو الاستقرار.

دائماً تبحث فراشات حروفي عن حقل بلا قوارض وغربان،.. دائماً تسعى إلى أوراق لم يلطخها الآخرون ببهرج المداهنة، وهرج الادعاء. كنت أظنني أنا في الحقل الذي أبحث عنه.

حيث كل حرف أدوّنه يصير وردةً وشمساً ورغيفاً وقمراً للمحبين. وهذا لم يحدث لغاية الآن، وأنا كما كثيرون يأكلني رغيفي، وحاجتي للإحساس بالأمان، لأن وحش الهواء يتقن التسلل في الثقوب الداشرة..

والكوكب اليوم ثقب أسود كبير بحجم الكارثة.

أيتها القصيدة التي أشتهي ، دائماً كوني الحقل والمشتهى والنهرَ الذي يعاكس إرادة القيعان والسيول الموحلة.

التعليقات (2)

    شاعر

    ·منذ سنة 11 شهر
    لا إظن أننا تحولنا إلى محايدين ، بل إلى محبطين بسبب مآلات الثورة. الشعر لا يصنع حياة لأنه من نتاجها بل هو رحيق ها، وعندما تذبل الحياة بسبب ممارسات زعامات وقبضايات الثورة فلا يمكن للشعراء والأدباء عموما إلا الانكفاء لأن سلاحهم هو الإحساس والشعور وكلاهما لا يقويان ولا يصمدان أمام هجمة الخداع والكلمة المواربة لهؤلاء المترئسين .. لتبقى القصيدة أسيرة صدر حرج أو درج بارد

    آشور

    ·منذ سنة 11 شهر
    العمل الثوريّ لا يحتاج إلى بطاقات دعوة .. الثائر الحقيقي لا يسأل أحد: ماذا قدمتم وماذا عملتم .. بل يعمل ما بوسعه .. حين يعمل كل شخص ما بوسعه بصورة صادقة .. مستقل لا تابع .. سيسير كل شيء على ما يُرام
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات