السويداء تعيد التفكير سياسياً.. والبيرق الدرزي يشوّش على المشهد

السويداء تعيد التفكير سياسياً.. والبيرق الدرزي يشوّش على المشهد

اللجنة الوطنية في محافظة السويداء دعت إلى اجتماع موسع على مستوى المحافظة، محاولة تجميع، أو على الأقل تقريب الخطابات المختلفة والمتباينة للأحزاب السياسية التقليدية والمبادرات التي تكونت عشية الثورة السورية، علها تناسب الوضع البالغ الحساسية في سوريا عموماً وفي السويداء خصوصاً بخطاب موحد مؤمنة أنه مازال الهدف واحداً، والمشتركات متعددة.

حاولت اللجنة الوطنية إعلان برنامج سياسي مناسب للمرحلة، غير متعصب لأي أيديولوجيا ولا لأي عقيدة حزبية أو طائفية أو عائلية، و خاصةً أن المحافظة قد تسارعت فيها الأحداث التي قامت الجهات الأمنية بتشويهها عبر زعمها بأنها ممولة من عدو تاريخي، أو بأنها حراكات هدفها انعزالي. وكانت علامة الاستدلال على ذلك، بأن ماعرف بـ (البيرق الدرزي) قد رُفع في التجمعات والمظاهرات، وفي الحقيقة فقد أحجمت باقي القوى السياسية  عن المشاركة  مشترطة عدم رفع بيرق أو علم  يمثل ملّة،  وإن كان قد حمله الثوار في معارك تاريخية وراهنة.. والشرط الأهم – بالمقابل- كان الإعلان عن الأهداف والشعارات السورية الجامعة. 

وفي الأيام التي تلت، كان الحراك رغم المظهر والطقس الديني الظاهري،  يتبنى القضية السورية جملة وتفصيلاً، وأثناء السجال والأخذ والرد كانت القوى الأمنية قد دخلت المحافظة وأقفلت مداخلها مهددةً  ومتوعدة، وواصفة الحراك بالارتهان للخارج، بل ذهبت إلى القول هو تجمع عصابات عاثت فساداً بالأمن والسلم المجتمعيين. وبالنتيجة، انكفأ الحراك بعد آخر وقفة في ساحة ضريح قائد الثورة السورية الكبرى، لكن بعد تأكيده أن سوريا الوطن هي المحور والهدف والطريق، ودخلت المحافظة برمتها في حالة هدوء حذر جداً، كان يتخلله بين فينة وأخرى حوادث اغتيال استهدفت  ناشطين ميدانياً أو فكرياً.

وبقيت المحافظة غارقة في حوادث النهب والخطف والقتل والفوضى العارمة عبر جعل السويداء بكل تخومها سوقاً أو ممراً و منتجاً للمخدرات التي لم يعد يخفى على أحد دور إيران وحزب الله فيها، والجدير بالذكر أن المحافظة مثل باقي مناطق سورية تتنوع فيها التوجهات والعقائد، فمنها ماهو مفرز هش للظرف الذي شكلته السلطة عبر تبني دعوات طائفية، ومنها ماهو عقائدي وشمولي دأبه دأب البعث الذي صنم الهدف والأساليب، ومنها ما ادعى العلمانية والحداثة عبر الدولة الوطنية الحديثة والتي تقول بالحريات العامة، وهذا التيار يبدو ضعيفا رغم أنه في المحافظة نسبياً يبدو أكثر قبولاً، وهو غير فعال عموماً بسبب بنية المجتمع التي مازالت تنجذب إلى المغناطيس الديني، والذي يشكل ملاذاً آمناً للجموع التي فقدت الأمل بحل قصير الأمد أو مستقبلي. 

ومع جهل كبير لمعاني الحداثة والعلمانية، رجحت كفة الانتصار للقيم الروحية التي هي منتج حلال للتاريخ الممتد في المنطقة، والتبس الأمر الى درجة الاعتقاد أنها تهدد المسالك التي حرص الدين على رسمها، وريثما يتم فهم الحداثة والمدنية  على شكل دولة القانون التي يتساوى في ظلها الجميع،

توزعت الرؤى بين طائفي و عقائدي .. وتشكيلات لا حصر لها من مبادرات وتجمعات كلها تدعي أنها تمتلك الطريق والهدف، ولما تبين بعد عقد ونيف أن كل ذلك التشظي والانقسام يثبت قوة النظام  في قدرته على خلق فلسفة التكفير والتخوين  وترويجها، وضياع الشعب بين يساري وقومي وديني وفكر إلحادي؛ بل إن أكثر من تصدى للقيادة هم أصحاب العمائم  مع شحن طائفي ومذهبي، ستدمر في النهاية فكرة الوطن والمواطن.... كل ذلك إلى جانب الأزمة الاقتصادية المستفحلة وانسداد آفاق الحل. 

كان محور اللقاء الذي نجح إلى حد كبير في التنظيم  هو هذا المشهد.. وقد نجح اللقاء في الإصغاء والحوار وفي جمع كل المكونات المتباينة، وكان الجميع متفق على أنه بعد كل ذلك من الاجتياح للمركب والمعقّد والممسوخ والمستورد والمشبوه من الفكر، فإن الوقت قد بدا مناسباً وملحاً وضاغطاً من أجل توحيد الجهود وتحديد الأولويات التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف أن تكون متجاوزة لسوريا الحرة المستقلة بكل مكوناتها وجغرافيتها. 

وانتهى اللقاء على وعد المتابعة  للبحث عن آليات تنفيذ فعالة وبنّاءة.. لكن بقي السؤال الأكثر إلحاحاً: هل بإمكان الحكي في السياسة.. أن يعيد ترتيب مشهد متخم بالفوضى والسلاح والعصابات ودسائس المخابرات؟ وهل يمكن لهؤلاء أن يصغوا لصوت العقل ولحوار العقل الذي يمقتون أن يسود؟!

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات