في ذلك اليوم البارد بداية 2016 بينما هممت بمغادرة بروكسل إلى لندن بالقطار. طلب مني موظف الهجرة والجوازات الإنكليزي الانتظار جانباً بعدما أخذ جواز سفري البلجيكي وغاب نحو 15 دقيقة، عاد وختم الجواز معتذراً عن التأخير. فسألته إن كنت أستطيع أن أعرف سبب التأخير ولماذا أجرى تدقيقاً ثانياً؟ فأجاب بأدب مصطنع أحسسته تهمة.. سُبّة.. إهانة.. من أصعب تهمة وإساءة اضطررت للسكوت عليها، وغادرت ورأسي مثقل من هول هذه التهمة الجديدة التي سترافقني إلى اليوم: (ســوري)! جنسيتي السابقة تهمة دولية اليوم أيها السادة!؟
وبينما كنا نسافر من إحدى الدول الأوروبية قبل 5 سنوات انتبهت لابنتي (11 عاماً) تطلب من أخواتها ألا يتكلموا "باللغة" السورية أثناء عبور حواجز المطار لكي لا يضايقنا الأمن والجوازات وأن يتكلموا جميعهم بالفرنسية أو الإنكليزية! يا إلهي إنهم يُحمّلون حتى أطفالنا عقد ذنب لا دخل لهم فيها، إنهم يحاولون إصابتهم بعقدة نقص!
في ذلك اليوم قدرت إن كنت أنا بما أنا عليه أعاني من جنسيتي السابقة فما بال الملايين من الشباب الذين للتو بدؤوا حياتهم لا يعرفهم أحد؟! كيف يُفعل بالعائلات التي تُهجَّر قصداً بالتجويع والتعطيش وليس بفقدان الأمن فقط، فشعوب عديدة تصمد تحت ضربات القنابل والصواريخ لكنها لا تصمد تحت سياسة التجويع والتعطيش، فيصبح باعتبارها ذل التسول في البلاد الأخرى وهدر الكرامة أهون من الموت، فما أشرس الموت في ضمير الأحياء!
يا إلهي إنهم يُحمّلون حتى أطفالنا عقد ذنب لا دخل لهم فيها، إنهم يحاولون إصابتهم بعقدة نقص!
***
الجغرافيا السورية تاريخياً غير ثابتة!؟ لكنها لم تشهد في تاريخها إجماعاً دولياً على محوها كدولة وشعب من سجل الدول والشعوب محواً كاملاً كما هو الحال في السنوات المئة الأخيرة!؟
المؤكد أن تركيا بموجب اتفاقية أنقرة 1921 ومعاهدة لوزان مع الفرنسيين، ثم بعد نحو 18 سنة بعملية ضم لواء إسكندرون 1939، قد احتلت ما يعادل مساحة سوريا الحالية والتي تضم: مرسين وطرسوس وكيلكية وأضنة ومرعش وعنتاب وكلس والبيرة وأورفة وديار بكر وماردين، كما إنّ خط الحدود منح تركيا نصف مناطق نصيبين وجرابلس ورأس العين. الخريطة السورية الحالية المعترف بها دولياً.
بعيداً عن آفة الأيديولوجيا، سوريا جغرافياً عُرفت بالمناطق الممتدة من حدود جبال طوروس شمالاً إلى حدود قناة السويس بما فيها شبه جزيرة سيناء وغرباً المتوسط وشرقاً دير الزور وصحراء بلاد الشام بمساحة تقدر بنحو 540 ألف كم مربع، أي تماماً كمساحة فرنسا(!؟) أشارت مراسلات فرنسية بريطانية أثناء اتفاقية سايكس بيكو إلى تبعية مناطق أضنة شمالاً حتى صحراء النقب جنوباً لسوريا!
لا تقوم دولة حتى تفنى دولة
قسّم الإنكليز والفرنسيون سوريا في العصر الحديث بموجب صفقة سايكس بيكو: الجزء الجنوبي (فلسطين وشرقي الأردن وجنوب سوريا الشرقي مع العراق) لبريطانيا، (شمال سوريا بما فيها المناطق الحالية المحتلة من تركيا إلى حدود العراق شرقاً مع غرب سوريا حتى الخط الفاصل مع حدود إسرائيل قبل 1967)، لفرنسا. مع دخول فرنسا المنتدبة بقيادة الجنرال غورو الذي أكد سلوكه أنه يحمل عقلية صليبية داس على شروط اتفاقية الانتداب، واعتبر وطأته الأراضي السورية بجيوشه امتداداً للحروب الصليبية! واستهلّ حكمه بتقسيم منطقة الانتداب الفرنسي إلى ست دول: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة الدروز ودولة لبنان، الذي غيّروا جغرافيته مرة أخرى بعدما اقتطعوا أقضية حاصبيا وراشيا وسهل البقاع من "دولة دمشق" وضموها له ليصبح اسمه "دولة لبنان الكبير" لبنان الحالي. والدولة السادسة دولة لواء إسكندرون المستقل، الذي سُهّلت لتركيا عملية ضمه فيما بعد! والمنطقة السابعة الشمالية تنازلت فرنسا عنها لتركيا كما أسلفنا 1921 وهي المناطق السورية الخاضعة لتركيا حالياً!
في العام 1967 بموجب صفقة سرية سهّل وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي كان قد استولى على سوريا مع ثلة من عسكر الأقليات 1963، للإسرائيليين احتلال هضبة الجولان، حوالي 2000 كم، لتصبح مساحة الخارطة السورية 183.4 ألف كم مربع، وإن كانت الأمم المتحدة ومعظم الدول لم تعترف بضم إسرائيل لهضبة الجولان إلى اليوم! وبذلك تكون سوريا الحديثة فقدت نحو ضعفي مساحتها وشعبها. مع ذلك استطاعت ولغاية عام 1958 أن تكون دولة نشطة في سلّم الناتج العالمي، المرتبة (38)، قبل استيلاء عسكر الأقليات على الحكم والذي بعده تدرجت بالتحول إلى دولة فاشلة لتجلس في المرتبة الأخيرة في سلم الناتج العالمي وفي الصحة والأمن والتعليم والرفاهية...!
فقدت سورية نحو ضعفي مساحتها وشعبها. مع ذلك استطاعت ولغاية عام 1958 أن تكون دولة نشطة في سلّم الناتج العالمي، المرتبة (38)، قبل استيلاء عسكر الأقليات على الحكم والذي بعده تدرجت بالتحول إلى دولة فاشلة
يُحمِّلُ البعض مشكلة جغرافيا سوريا الحديثة لصفقة سايكس بيكو، لكني أعتقد أن مصيبة سوريا تكمن في وعد بلفور 1917 الذي هيّأ لإنشاء دولة لليهود "وطن قومي" الذي وإن أتى متأخراً سنةً عن صفقة سايكس بيكو، إلا أن للأروقة السياسية خفاياها! ومن تاريخ ذلك بدأت عملية تحويل سوريا إلى دولة تُستنزَف حتى الموت في سعي لإزالتها عن خارطة الدول. "لا تقوم دولة حتى تُمحى دولة"، مثلما لا تقوم إمبراطورية حتى تُنهَكَ دول وربما تُباد أمم!!
بتعدد الانقلابات العسكرية الساذجة، أثبتت الوثائق أن جميعها مدعومة إما من بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا أو شراكة بينهم، بات واضحاً أن هدفها النهائي وصول الحكم العلوي بقيادة شخص كحافظ الأسد للسلطة في سوريا وحكمها حكماً طائفياً متوحشاً حتى تنتهي عبر تدمير مؤسساتها والقضاء على بنيتها الاجتماعية، فالحكم العلوي الطائفي خصوصاً بعدما استفحل العلويون بادعاء تفوقهم السلطوي كان كفيلاً بجعل الطوائف الأخرى تبحث عن ذاتها وبالتالي نمو الإحساس الطائفي لديها على حساب الشعور الوطني، الذي اشتغلت عليه النخب الثقافية السورية عموماً تقريباً منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر رداً على سياسة التتريك التي اعتمدها “الاتحاد والترقي” التركي وبعض النخب التركية أواخر العهد العثماني، بعضهم دفع حياته ثمناً لها (شهداء المجرم جمال باشا السفاح على مشانق دمشق وبيروت). واستكمالاً للإجماع الوطني وقطعاً لبعض الدعوات الطائفية وخصوصاً من جهات وشخصيات مسيحية استقوت بأخبار استعداد الفرنسيين لدخول دمشق فعلا صوتها الطائفي الإلغائي خلال المؤتمر السوري الوطني الذي عُقد في دمشق قبل دخول الفرنسيين بأيام(!؟) أجمع السوريون على ضرورة التنوع الطائفي في المقاومة ضد سياسة الفرنسيين في سورية. وفي آخر ثلاثينات القرن الماضي كان الإجماع الوطني قد نضج حين توجه السياسيون السوريون الجدد لوضع خطة وطنية لاستيعاب عموم الطوائف في وحدة وطنية شاملة لا تستثني أحداً من المشاركة في الحكم لإضعاف دعوات الانفصال ودعوات النعرات الطائفية كدعوة سلمان المرشد وثلة آخرين من طائفته الذين أرسلوا كتباً إلى عدة جهات يهودية فرنسية إنكليزية، يحرّضون على الحكم الوطني، كشف السفير الفرنسي عام 2012 عن إحداها!
النزعة السلطوية لدى كثير جداً من العلويين الذين مارسوها بتعسف وصل لحد الاستعباد والإجرام أيقظت الشعور بالظلم في بعض السوريين وخرجوا إلى الشوارع نهاية سبعينات القرن الماضي، لكنه كان خروجاً خجولاً، ربما بسبب تبنّي الإخوان المسلمين المدعومين من بعث العراق آنذاك للحراك، مع ذلك حرصت النخبة العسكرية العلوية بقيادة حافظ الأسد على قمعها بهول أدى إلى تدمير مدنٍ عدة، حماة وجسر الشغور وعدة قرى وأحياء كحي المشارقة بحلب، ذهب ضحيتها نحو 120 ألف مدني. هذا القمع الذي سماه كثير من العلويين انتصاراً جعل إحساسهم بالتفوق السلطوي أكثر شراسة، كما إن الفقر وتهجير جيل الشباب السوري للعمل في الخارج كانا أهم عاملي إحباط وخيبة أمل من حكم بشار الأسد، ما دفع عموم السوريين للخروج إلى الشوارع 2011، عدا المناطق العلوية، يقول المفكر السلافي سلافوي جيجك: "الناس لا يخرجون إلى الشوارع إذا كانت ظروفهم سيئة وإنما حين يصابون بخيبة الأمل"! ظهور تلفزيون أورينت عامل آخر مهم جداً كسر حالة الاستلاب عند عوام السوريين وجمعهم حول شاشته وعزز من وعيهم تجاه جور الحكم وأخرجهم من دائرة الانغلاق على سوريا التي شكّلها حكم البعث الطائفي على وعيهم، وقارن بين سوريا المُهَلهَلة الحالية وبين سوريا قبل هذا الحكم، وكذلك قارن بين ما يحدث في دول الجوار من تطوّر مُبهر خلال فترة وجيزة مع واقعهم المُنهَك وحكمهم الظالم! فقد كنت ولا زلت أرى أن أهم عامل في انفجار الربيع العربي في دول الظلم: تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن هو التطوّر السريع والمذهل والحكم الرشيد لدولة الإمارات العربية المتحدة التي قدّمت نموذجاً يُحتذى به بالمنطقة في التنمية وبناء الأوطان وشدّ بنى المجتمع إلى بعضها! هذا المشهد المتفوق بالمقارنة خلّف حسرات على وجوه زائريها من تلك الدول العربية وأسئلة قادتهم إلى الخروج إلى الشارع بغضب كالطوفان!
حافظ الأسد ونخبة العلويين كما بدؤوا حين استولوا على السلطة، بمؤامرة وإن كُشف الكثير منها لكن لا يزال بعضها مخفياً، كما لا يزالون إلى اليوم ليس لديهم أي مشروع لسوريا سوى مشروع الحفاظ على الحكم بأي ثمن وإن تحولت إلى أنقاض! وكان أول سلاح لهم ضد الشعب السوري هو سياسة ضرب بناه الاجتماعية ببعضها وتقسيم الشعب السوري إلى أديان وطوائف ومذاهب وقبائل وإثنيّات وموالاة ومعارضة، وتبعيات لهذه الدولة أو تلك(!؟) فإذا اعتمدنا نظرية عالم الاجتماع بندكت أندرسون "الدول بنى اجتماعية" فإن تحطيم هذه البنى واستعداء بعضها لبعض وضربها ببعضها سيدمّر المجتمع والدولة كما حدث في الـ 12 سنة الأخيرة، فتدمرت سوريا وتهجّر نحو 16 مليون نصفهم خارجي ونصفهم تهجير داخلي، وأكثر من مليوني قتيل! وتحولت سوريا إلى ملعب للتدخلات الدولية العسكرية، فإذا كانت سياسات الحكم الخاطئة تستجلب التدخل الخارجي، فإن السياسة المليشياوية والمافيوية في حكم سوريا تخطّت منطقة التخمين بأنها سياسة خاطئة وإنما نستطيع أن نجزم أنها سياسة عمدية هدفها التدمير وإشعال الحرائق في البلاد قبل الهرب منها بعد تركها قاعاً صفصفاً!
حافظ الأسد ونخبة العلويين كما بدؤوا حين استولوا على السلطة، بمؤامرة وإن كُشف الكثير منها لكن لا يزال بعضها مخفياً، كما لا يزالون إلى اليوم ليس لديهم أي مشروع لسوريا سوى مشروع الحفاظ على الحكم بأي ثمن
البنى الاجتماعية السورية المضغوطة طيلة حكم مافيا أسد نحو نصف قرن آنذاك، كانت مصابة بالذعر والتوجّس لذلك بعد عامين من القمع والمؤامرة على الثورة فقدت ثقتها ببعضها وتخرّبت، وتهدمت أساسات تلك البنى حتى إن كثيراً منها أصبح يلاطم ويضارب نفسه!! وبذلك ضاع حلم الشعب السوري الذي أحيته الثورة ببلد حرّ نبيل يحفظ كرامته، وأصبحت الكراهية والتخوين والحقد والقتل الجماعي هي الوسائل الوحيدة للتواصل فيما بين هذه البنى، لا بل حتى بين أفرادها!؟ وأصبحت الجغرافيا السورية واقعاً مقسمة: حكم دمشق وحلب المدينة للمليشيا الأسدية بقيادة عاشر أقوى شخصية في سوريا بشار الأسد بمساعدة إيران، أما حكم الساحل وجباله فللمليشيا العلوية بمساعدة روسيا، وحكم شرق الفرات للبي كي كي مليشيات كردية مسلحة حوّلت بمساعدة الأمريكان المنطقة إلى سجن كبير داخله سجون متعددة للسكان، فيما مناطق شمال حلب تحكمها عصابات مسلحة ترفع العلم التركي وتتقاتل مع عصابات البي كي كي بهجمات متبادلة يذهب ضحيتها المدنيون من الطرفين كلهم سوريون(!؟) في حين بقايا محافظة إدلب تحكمها عصابات من السرّاق والبلطجية وبقايا الفروع الأمنية الأسدية التي تتخذ من شعارات الدين ورموزه مبرراً لوجودها وإجرامها والدين منهم براء، وبالمحصلة فإن سوريا الحالية مقسمة إلى نحو خمس أو ست وأحيانا سبع مناطق تحكمها مليشيات متقاتلة بدماء السوريين: هذه علوية وتلك سنّية وأخرى درزية وكردية ومليشيات داعشية مختبئة في ثنايا الاستخبارات الدولية.. الخ، جميعها أدوات لاحتلالات خارجية، في الظاهر تبدو أنها لا تشبه بعضها وتوحي أن أسباب تشكّلها مختلفة كاختلاف ألوان الخرق التي ترفعها واختلاف خطاباتها إلا أن سلوكها واحد وهو: التدمير والقتل والسرقة بغية تفريغ المناطق من أهلها! أما سماء سوريا فهي كما أرضها مباحة للأمريكي والروسي والإسرائيلي يجرّبون أسلحتهم على أهلها، يقتلونهم ليل نهار في عمليات استكمال لتفريغ المناطق من أهلها، والإعلام العالمي والعربي في سُبات عميق كأن موت السوريين لم يعُد خبراً!!
إذاً بدأت عملية تقزيم سوريا وتقسيمها وابتلاعها وهضمها منذ قرن. وربما المشروع الغربي لزحزحة البنى الاجتماعية السورية التي كان يطلق عليها صفة الكبرى تمييزاً لها عن سوريا الحالية بدأ قبل ذلك، فهناك مراسلات بين قناصل غربيين عملوا في المنطقة مع حكوماتهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تؤكد أن العملية بدأت تُمَرَّرُ منذ ذلك الحين، طوشة النصارى وحروب الدروز والمارون! لنصل اليوم إلى سوريا مهلهلة، أكثر من ثلثها محتل جزء منه مستوطن، وثلثها الثاني ممزّق بأسماء دول تعادي بعضها والثلث الثالث يُعدَم بما تحمله هذه الكلمة من معانٍ!
بدأت عملية تقزيم سوريا وتقسيمها وابتلاعها وهضمها منذ قرن. وربما المشروع الغربي لزحزحة البنى الاجتماعية السورية التي كان يطلق عليها صفة الكبرى تمييزاً لها عن سوريا الحالية بدأ قبل ذلك!
مع انطلاقة العام 2015 تأكدتُ أن البنى الاجتماعية السورية قد تمزّقت ولم يعد من السهولة إعادة بناء الثقة بينها، ولم تعُد المشكلة من يحكم سوريا (إلا بشار أسد ونظامه أسّ البلاء) ولا كيف تُحكَم، وإنما وقف أنهار الدماء ووقف تفسّخ الدولة وانتهائها. في ذلك العام بات الواقع يشي بأن سوريا تحتاج إلى زمن ليس بالقليل، ربما عقد أو عقدين، لإعادة رتقها، لذلك مع بعض الخبراء تبنّيت مشروع "مناطق الميثاق" متأسياً باقتراح "مدن الميثاق" لرجل الاقتصاد بول رومر الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2018، بهدف وقف تخريب البنى الاجتماعية السورية وحفظ دماء السوريين وخلق طرق اقتصادية محلية تُؤمّن وتنظّم معيشة ما تبقى من السكان، وذلك عبر إدارات محلية من أهل المنطقة حصراً، يحكمون الناس حكماً رشيداً عبر مواثيق خاصة لكل منطقة، وإن اختلفت سياساتها لكن يجب ألّا تتضارب مع مواثيق الأمم المتحدة وشرائعها الإنسانية. وقدّمته عبر قنوات دبلوماسية دولية متعددة. ربما سأفرد لهذا البرنامج مقالاً خاصاً!
مسؤول إسرائيلي يعلن بفرح: سورية انتهت، سورية ماتت... والجنازة في الوقت المناسب
قال عاموس جلعاد المستشار الأستراتيجي في وزارة الدفاع الإسرائيلية في مؤتمر نظّمته مجلة “ازرائيل ديفنس” ينتهي الأمر ببشار الأسد أن يكون مسؤولاً عن بقايا دولة تهيمن عليها الأقلية العلوية التي ينتمي لها. وقال إن "سورية انتهت. سورية تموت. وسيعلَن موعد الجنازة في الوقت المناسب. بشار الأسد هذا ستذكره كتب التاريخ على أنه الرجل الذي أضاع سورية"(!؟)
***
الحرّ ممتحَن بأولاد الزنا
عندما تتفسّخ الدولة تنهدر كرامة أفرادها، وتصبح جنسيتهم بلا قيمة ومرورهم إلى خارج الحدود مملوء بنكد العيش وفقدان الكرامة ولا يخلو من مخاطرة بالحياة، لكن ما حدث مع السوري لم يحدث مع سواه من أبناء الدول المنكوبة وإن تشابهوا في كثير من الظروف! فالعالم من لحظات الثورة الأولى تصرّف مع السوري باستعداء واستعلاء!؟ ربما لأن السوري معروف بقدرته على التلاؤم لأنه كاره للعيش في "غيتوهات" أحياء خاصة، ربما السبب عائد لضعف ثقة السوريين ببعضهم!؟ كما إن السوري معروف برغبته الشديدة في التميز وحبّه لسرعة الإنجاز، لذلك أجد أن هناك دعوات وجدت لها آذاناً صاغية للإساءة له وتقزيمه، وصبّ كل صفات العنصرية الوقحة عليه، وأعتقد أن الهدف منها الحطّ من كرامته وكسر اعتداده بنفسه نحو تحويله إلى طبقة دُنيا في المجتمع تقوم بالأعمال الدنيا فيه. بالمناسبة الإعلام من قام بهذه الحملة وليس الأفراد فهي لا بد أنها حملة منظَّمة.
إذا كان المجتمع الدولي صادقاً بأن وجودنا بينهم يسيء لهم ويخرّب بنيتهم المجتمعية كما يدّعون فإني من خلال هذه المقالة أعرض عليهم أني مستعدّ أن أضمن عودة جميع اللاجئين إلى سوريا لا بل ونستوعب اللاجئين العرب أيضاً، مقابل أن يكفّوا شرورهم عن البلاد ويأخذوا البلاء الذي نصّبوه ودعموا وجوده على رأس هذه الأمة، آل أسد وعصابتهم الذين أسقطتهم الثورة خلال أسابيعها الأولى وتدخّلت دول عديدة لضمان بقائهم!
إن كانوا يعتبرون اللاجئين بينهم متخلّفين فإني أعلن أن بهم نستطيع أن نقيم دولة لن تكون عالة على المجتمع الدولي، لا بل ونضمن أنها ستكون شريكاً في الناتج العالمي وكما ستكون شريكاً في احترام حقوق الإنسان وحقوق الجوار، كل ما نطلبه أن تكفّوا الشرور عنا فإنا نموت بأسلحة تصنعونها ويستخدمها عملاؤكم!
للأسف السوريون في السنوات الأخيرة شبه أعلنوا استسلامهم وقبلوا أن يعيشوا مأساة لامبالاتهم. لا مبالاتهم تجاه مصيبتهم تجاه بلدهم تجاه أصولهم تجاه حقوقهم كبشر!
على السوري أن يفهم أن هذا العالم قذر ولا يعنيه دمار ونهاية شعب، يجب عليهم أنفسهم أن يحموا أنفسهم ويجدوا لأنفسهم مكاناً تحت الشمس، وهذه الـ"يجب" منوطة بالبحث عن المشتركات التي تجمعنا وما أكثرها وليس عن المختلفات التي تفرقنا وهي جدّ قليلة، كي نؤسّس تجمعات، منظمات واتحادات وجمعيات، نستطيع من خلالها إثبات ذواتنا، وإلزام الآخر بتقديرنا، ففي هذا البلاء يتساوى الغني والفقير ويتساوى كل من يحمل جنسية سورية ولو حمل جنسية بلد آخر من الجدّ الثالث!
التعليقات (33)