قول في التصنيف: التصنيفات القاتلة

قول في التصنيف: التصنيفات القاتلة

يقوم الذهن البشري، لضرورات التمييز العمليّة والفهم بتصنيف الأشياء والجماعات إلى أنواع، بحسب الصفة الأساسية المشتركة لهذه المجموعة أو تلك.

ولهذا، فالتصنيف بالأصل ليس تقويماً يقود إلى القدح والمدح والسيئ والجيد والجميل والقبيح... إلخ. فعندما نتحدث عن صنف المدرسين أو العمال، فإنا نصنف الأفراد بناء على المهنة. وعندما نصنف الإبداع إلى رواية وأدب وفن، فهذا يعود إلى السمة الجوهرية لهذا الفن أو ذاك.

وقد يُختلف في التصنيفات الفنية والأدبية والأخلاقية من حيث الصفة الجوهرية المؤسسة للتصنيف. كأن يقول أحدهم إن الشعر الحر لا يندرج في صنف الشعر، بناء على أن الصفة السائدة للشعر هو الوزن والقافية، عندها، لن يُدرج شخص كالماغوط في صنف الشعراء. وهكذا.

فيما هناك تصنيفات لا يُختلف عليها كتصنيفات المهن مثلاً. عند هذا الحد، فالتصنيفات تظل حيادية، وليس فيها ما هو ذاتي. فإن صنّفت شخصاً بأنه محامٍ، فأنت لم تمنحه صفة من لَّدُنك، بل هو كذلك لأنه محامٍ.

ولكن هناك نوع من التصنيفات، أسميها التصنيفات القاتلة، وهي التصنيفات الصادرة عن موقف من الآخر، وتنطوي على التقويم الذي يصل حد النفي بكل أنواعه، بما فيه القتل.

فلقد جاء حين من الدهر، وبخاصة في الستينيات وأوائل السبعينيات، ساد فيه تصنيف الناس بين التقدمي والرجعي. حيث التقدمي هو مع الاشتراكية والوحدة وضد الاستعمار القديم والجديد، والرجعي هو الليبرالي والمدافع عن النظام الديمقراطي البرجوازي، أو من ذوي الأصول الإقطاعية. وهؤلاء الرجعيون يجب نفيُهم وسحقهم، لأنهم أعداء الشعب والتقدم.

التصنيف في بلاد الدكتاتوريات

تأمل الاستسهال في تصنيف الناس صنفين في بعض البلدان: وطني وخائن. فالوطني هو الذي يحب وطنه، والخائن هو الذي يكره وطنه ويؤذيه. في بلاد تحكمها الدكتاتوريات العسكرية، يصبح الوطني هو من يقف إلى جانب الدكتاتور القاتل،والخائن، هو مع حرية الإنسان وكرامته. وهنا، يصبح كل مناهض للدكتاتور موضوع نفي وقتل لأنه خائن. وهذا التصنيف صادر عن البوق الأيديولوجي للدكتاتورية الحاكمة بالأصل.

أو انظر إلى التصنيف الذي يحلو للجماعات الأصولية الدينية الإسلاموية إطلاقه للتمييز بين الناس: صنف المؤمنين وصنف الكافرين. فصنف المؤمنين، من وجهة نظرهم، من هو معهم فقط، وصنف الكافرين، ليس من يقف في وجههم فقط، وإنما كل من ليس في عدادهم وليس معهم أيضاً. والكافر في تصنيف كهذا موضوع نفي وقتل.

فأنت إن لم تكن مع حزب الله أو مع أنصار الله ومع إخوان الله وأشكالهم، فأنت من صنف الكفرة. ويصبح العالم كله مقسوماً بين دارين: دار الإسلام ودار الكفر.

والحق إن هذا النمط من التصنيف الأيديولوجي القاتل ليس مناقضاً للحقيقة فحسب بل ولتعقيد الحياة.

أن يكون هناك صنف من الناس مع الدكتاتور، وصنف آخر ضده، فهذا مما لا شك فيه. وهذا يظهر من خلال الممارسة والخطاب، وهناك عدد كبير يصعب تصنيفه. وفي كل الأحوال، فالتصنيف لحالة كهذه، إن كان لا بد منه فمعياره هو الموقف من الدكتاتورية وليس من دكتاتور معين،لأنك لا يمكن أن تكون ضد الدكتاتورية إذا كنت تدافع عن دكتاتورية أخرى. فيصير لدينا دكتاتوريون مؤيدون للدكتاتور والدكتاتورية،وأحرار مناهضون للدكتاتور والدكتاتورية. ولامبالون وصامتون وحياديون، وكلها صفات تعبر عن واقع الحال وهكذا.

ولا شك عندي أن كل تصنيف مهما كان موضوعياً، ينتج موقفاً اجتماعياً وأخلاقياً وإنسانياً من قبل الآخر.

وهذا أمر يعود إلى ما نسميه مكانة الشخص في الحياة والقيم السائدة. والصورة التي يختزنها الإنسان لمعنى هذا الصنف أو ذاك. كما يتغير الموقف من الصنف نفسه باختلاف المجتمعات وقيمها. وبخاصة حين يتعلق الأمر بالتصنيفات المهنية والاجتماعية.

التعليقات (1)

    فضل

    ·منذ سنتين 3 أسابيع
    ١- الله من قسم البشر بين مؤمن وكافر ولا يبنى على الكفر القتل( فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر) والحركات المتأسلمة لا علاقه للاسلام بها كل دين يعتبر الاخر كافرا بنعنى الجاحد ولا تبعات لهذه التسمية على الاخر
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات