أوكرانيا والمعارضة السورية

أوكرانيا والمعارضة السورية

مع بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية وقبلها مع تصاعد أعمال التهديد، دأبت مراكز البحث العلمي ومواقع الرصد العسكري إضافة لمعظم المطابخ السياسية في وزارات الخارجية العربية والإقليمية والدولية، بدراسة وتمحيص أثر تلك الحرب وارتداداتها والموقف منها، وسلبياتها وإيجابياتها، وما هو الموقف الأفضل الواجب اعتماده... إلا في المعارضة السورية فقد ختمت مواقفها بإصدار بيان "إسقاط واجب" وكفى الله المؤمنين شر القتال.

 

الحرب الروسية في أوكرانيا التي عصفت بالاقتصاد العالمي وغيّرت بترتيب الاصطفافات الدولية، فالصين والهند كان عليهما رفض العقوبات الغربية والعمل بكل جهد لمنع انكسار بوتين، وتركيا نأت بنفسها بخط مستقل يعبر عن سيادتها وسياستها، والأوروبيون توحدوا مع الأمريكان وفرضوا كل ما يمكن فرضه من عقوبات على موسكو، وأوجدوا سيالة من إمدادات السلاح لأوكرانيا، ليس لخلق نصر عسكري للرئيس زيلينسكي، بل لرفع أثمان وتكاليف الحرب على موسكو لمراتب مرتفعة.

 

كان متأملاً ومفروضاً على المعارضة السياسية ممثلة بالائتلاف والحكومة المؤقتة وكسائر القوى المتأثرة بتلك الحرب، الدعوة لحلقات بحث وحلقات نقاش تضم الكبار من أصحاب الفكر والرؤى الإستراتيجية، وعبر جلسات مغلقة وبعصف ذهني يتم النقاش والبحث بالمسارات المحتملة، وأين يجب أن يكون تموضعها الصحيح، يعقبها اعتماد لرؤية موحدة تعمم على مفاصل وسفارات الائتلاف ومكاتبها، ثم تعمل على التواصل مع العواصم العربية والإقليمية والدولية للاستفادة من أهمية اللحظة واقتناص الفرصة خاصة أن الطرف الروسي هو أحد أطراف تلك الحرب وهو الداعم الأول والأهم لنظام الأسد.

 

واقتناص الفرصة لا يكون ببيان خشبي أو تصريح صحفي، بل بخارطة عمل سياسية منقحة ومعتمدة، ثم تبدأ بتحركات نشطة لمعظم العواصم المؤثرة في محاولة للاستفادة من التغيرات الدولية، ومحاولة ربط القضية السورية بالقضية الأوكرانية التي تحظى اليوم باهتمام دولي وبتسليط ضوء إعلامي منقطع النظير, وطالما أن الجريمة واحدة والآثار واحدة والمجرم واحد، فلماذا لا تكون الحلول واحدة؟!

 

في المسار العسكري الذي يٌفترض أن يقتنص الفرصة ويكتسب الخبرة والمعرفة من تطورات الحرب في أوكرانيا، ودراسة أنجع الطرق وأفضلها, ودراسة أساليب القتال المتبعة، عبر دعوة أصحاب الفكر العسكري وأصحاب الخبرات العملياتية, لجلسات نقاش لاستخلاص العبر والخطط المثلى للمرحلة القادمة، وتخرج تلك الندوات بأوراق بحث تبرز النقاط السلبية والايجابية, أين أخطأنا وأين أصبنا، وما هي الخطة التي يجب اعتمادها للمرحلة القادمة؟؟

 

من النقاط الهامة التي برزت في الحرب الروسية_الأوكرانية أن القيادة العسكرية في أوكرانيا درست مسرح الأعمال القتالية وإمكانيات الطرفين وقررت عدم خوض الحرب بأسلوبها الكلاسيكي عن طريق الجبهات والأنساق وخطوط الدفاع المتتالية, بل انتقلت لحرب مقاومة شعبية وحرب مدن وحرب شوارع وحرب عصابات, لأنها وبقراءتها العسكرية الصحيحة أدركت أن فارق التفوق للجيش الروسي ستعطيه الأفضلية بسحق قطعات الجيش الأوكراني, وهذا التكتيك المعتمد من الأوكرانيين مع عملية تمويه إستراتيجية لقطعاتهم وطائراتهم ومقرات قيادتهم وعقد اتصالهم, خلقت واقعاً عسكرياً جديداً لا أقول فيه إنه انتصر على الروس بل خلق نوعاً من توازن القوى بدليل أن الحرب التي خطط لها الروس نصراً خلال 72 إلى 96 ساعة انقضى شهرها الأول دون إنجاز نوعي على الأراضي الأوكرانية, وهناك خبرات أكثر وطرق أخرى وأساليب متعددة اعتمدها الجيش الأوكراني نحن الأولى باتّباعها والاستفادة من خبراتها وتطبيقها في ميادين المواجهة، ألسنا الأحق باتباع تلك الأساليب والاستفادة من تلك الخبرات وتعميمها كأسلوب عمل في المراحل القادمة؟!

 

غياب الجناحين السياسي والعسكري للثورة السورية عن التفاعل الحقيقي مع مجريات الحرب الروسية الأوكرانية وغياب محاولة الاستفادة من خبراتها ونتائجها، يضع تلك الأجنحة أمام أحد خيارين:

_ إما أن الحرب والمواجهة مع نظام الأسد لم تعد بأجنداتهم وبالتالي لا داعي للمتابعة والتمحيص والدراسة واستنباط جديد لأساليب جديدة للمواجهة.

_ أو أن فقدان تلك الأجنحة لقرارها العسكري ومن قبله السياسي يجعلها مدركة لضعفها وعدم تأثيرها, وعليهم فقط انتظار ما تحمله الأوامر القادمة من أجهزة المخابرات ومكاتب وزارات الخارجية من مواقف لاتخاذها.

 

وفي كلتا الحالتين هي كارثة على الثورة السورية وكارثة على الشعب السوري وكارثة على الحراكين العسكري والسياسي.

الأسبوع الماضي تلقيت دعوة مع عدد محدود من أصحاب الفكر العسكري والسياسي من الجانبين التركي والسوري, لجلسة حوار مغلقة من أحد مراكز البحث العلمي, للنقاش والتداول حول واقع الثورة السورية ومآلات الحرب الأوكرانية, والسيناريوهات المحتملة, وأثرها على عمل أجنحة الثورة, والمواقف التي يجب اتخاذها, وكان لافتاً بتلك الندوة سعة الاطلاع لدى المشاركين من خارج مفاصل المعارضة على تفاصيل التفاصيل فيما يحصل على الساحة الدولية وفي الحرب الأوكرانية, وأيضاً كان من اللافت أن الجميع شبه متفق وبما فيهم أعضاء الائتلاف الحضور (رئيس ائتلاف سابق, ورئيس وفد حالي, ونائبان لرئيس الائتلاف) أن مسارات وخيارات القيادة السياسية بالتفاوض وبالمسارات التي ساروا بها لم تكن خيارات موفّقة (لكنهم مصرون على الاستمرار فيها).

لكن:

مؤلم جداً أن يقول أحد الباحثين من الجانب التركي خلال الندوة إنه لاحظ مؤخراً أن معظم السوريين ينتقدون القيادة التركية على وسائل التواصل الاجتماعي, فيرد عليه أحد أعضاء الائتلاف بالقول: هي انتقادات مدفوعة الأجر, جاعلاً من معظم السوريين عملاء.

والمؤلم أكثر أن يكون اهتمام معظم الجناح العسكري للثورة السورية بالحرب الأوكرانية منصب على نقطة واحدة فقط: كم هي الدولارات التي ستدفع لنا في أوكرانيا إذا سمحت لنا تركيا بالذهاب!!!

العميد الركن أحمد رحال

 

التعليقات (4)

    HOPE -

    ·منذ سنة 11 شهر
    (على قدر اهل العزم تاتي العزائم وتاتي على قدر الكرام المكارم ) .... مادام هادي البحره وانس العبده و مثالهم يتسلطون بفكرهم الجامد ( عمدا او بغير عمد) على القرار السياسي للسوريين النكوبين .. ومادام (ما يسمى الجيش الوطني) بكل مرتزقته وقياداته (الا من رحم ربي ) تحولوا الى عصابات همها جمع المال والمتاجره بارواح السوريين وارزاقهم ... لن تكون بياناتهم التي تعبر عن مستوى فكرهم مستغربه .. نكتب باسى ووجع قلب للماساه التي وصلنا لها من تسلط هؤلاء.

    هشام نجار

    ·منذ سنة 11 شهر
    لست عسكريا ، ولكني افهم السياسة ومداخلاتها مع الحروب ، وقلت منذ سنين لمن ولوهم امرنا بدون رأي الغالبية من ابناء وطننا ، ان فارق التسليح يجبر المقاتلين على تغيير اسلوب الحرب ضد جيش المجرم والمحتلين ، ولو كانت حربنا ضد اعدائنا بحرب مقاومة شعبية منظمة وبقيادة عسكرية واعية لذاق العدو الامرين ، هكذا حارب الفرنسيين عدوهم من الالمان في الحرب الثانية عند احتلالهم باريز ، وهكذا حارب كاسترو و جيفارا وغيرهم انظمة بلادهم ، كان على من تولى امرنا قراءة التاريخ ، فكان تقصيرهم ان اندفعوا بشكل عاطفي لمحاربة المجرم وعصابته بتكتل جغرافي فكل منطقة كانت تجمع شبابها وتقاتل منعزلة عن الجبهات الاخرى باسلوب المواجهة الحربية . وعلى كل حال ، المجرم وعصابته لن يرحلوا بمفاوضات ، وعلينا اخذ دروس من اسلوب مقاومة الاوكران للمحتل الروسي ، فباعتقادي هناك جولات من الحرب مع العدو ونأمل ان نخوضها هذه المرة بالاسلوب الصحيح، وكفى جولات خلبية عن الدستور. ، فلتكن حرباً بمقاومة شعبية تشمل محافظاتنا بشكل واع ومنظم .

    معارضة

    ·منذ سنة 11 شهر
    عميلة مأجورة تثير الاشمئزاز لن نتردد بقولها لتسقطوا انتم والنظام وتركيا

    الاناء

    ·منذ سنة 11 شهر
    بما فيه ينضح هاد المتل بينطبق عليكم لانكم مأجورين خونة قدمتم انتم و تركيا خدمات للنظام لم يكن يحلم بها
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات