ما هي نتائج مبادرة "شهر المحاسبة" الأمريكي؟ وهل كانت مجرد تصريحات؟

ما هي نتائج مبادرة "شهر المحاسبة" الأمريكي؟ وهل كانت مجرد تصريحات؟

انتهت أيام شهر المحاسبة الذي أعلنته الإدارة الأمريكية ضد نظام أسد مطلع آذار/مارس المنصرم، وسط تقييم متباين من جانب السوريين الذين رأى الكثيرون منهم أن هذه الخطوة كانت مخيّبة للآمال، بينما يقول خبراء إنها مفيدة معنوياً وقدّمت ما يمكن البناء عليه في المستقبل.

ورغم إعلان واشنطن أن شهر آذار سيكون "شهر العقاب" بالنسبة لميليشيا أسد، إلا أن المبادرة اقتصرت في النهاية على مجموعة تغريدات وتصريحات أطلقها مسؤولون في الخارجية الأمريكية، وخاصة حساب سفارة الولايات المتحدة في دمشق، بالإضافة إلى بعض الخطوات العملية المحدودة، مثل زيارة وفد أمريكي إلى مناطق سيطرة "قسد" شمال شرق سوريا، وحضور نائب مساعد وزير الخارجية الجولة السابعة من مفاوضات اللجنة الدستورية التي عُقدت في جنيف بسويسرا مؤخراً.

التصريحات الأمريكية، وعلى مدار أكثر من أربعة أسابيع، ركزت على التذكير بجرائم الميليشيا التي ارتكبتها بحق الشعب السوري طيلة ١١ عاماً، مؤكدة أن بشار أسد هو المسؤول عن هذه الجرائم، وأنها تدعم كل الجهود التي يمكن تؤدي إلى محاسبته.

أهم التصريحات الأمريكية خلال شهر المحاسبة

ولعل الموقف الأبرز في هذا السياق كانت تغريدات السفارة الأمريكية بدمشق على حسابها في تويتر، التي شددت فيها على أن بشار أسد "لن ينجو من العقاب أبداً على جرائمه بحق الشعب السوري"، مشيرة إلى أنّ سياسة الولايات المتحدة تجاهه لم تتغير.

وأضافت السفارة أن “الأسد ذبح شعبه وانخرط بأعمال عنف لا تمييزية باستخدام الأسلحة ‎الكيميائية .. لقد عذّب النظام وارتكب جرائم ضد السوريين على مدار ١١ عاماً، والإفلات من العقاب سينتهي هذا الشهر”.

كما أكدت السفارة دعم الولايات المتحدة بقوة "جهود المجتمع المدني السوري لتعزيز المساءلة وتوثيق الفظائع والانتهاكات في سوريا"، معتبرة أن هذه الجهود "أساسية لضمان العدالة لضحايا نظام الأسد والجناة الآخرين". 

وأضافت: ‏"تدعم الولايات المتحدة الآليات التي تضغط من أجل المساءلة عن الفظائع والانتهاكات في سوريا، بما في ذلك لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة وآلية الأمم المتحدة الدولية المحايدة والمستقلة بشأن سوريا".

وفي آخر تغريداتها قبل غروب شمس آخر يوم في الشهر المنصرم، قالت السفارة على حسابها في تويتر: "‏لقد تأثرنا بالسوريين الشجعان مثل (حفّار القبور) والذين يشاركون قصصهم سعياً للعدالة، رغم أنهم غالباً ما يكونون في خطر شخصي كبير". 

على الصعيد السياسي

أما على الصعيد السياسي، فقد كان الموقف الأمريكي الأبرز هذا الشهر هو التأكيد للمرة الأولى منذ وصول إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى الحكم في أمريكا نهاية العام ٢٠٢٠، أن نظام أسد "فقد شرعيته" أما عملياً فقد حاولت الخارجية أن تظهر نشاطاً خاصاً لها تزامناً مع الحملة.

السفارة الأمريكية بدمشق قالت: إن ‏"سياستنا تجاه بشار الأسد لم تتغير، فقد قام بذبح شعبه ، كما انخرط بأعمال عنف ما جعله فاقداً الشرعية، وهو لم يقم بفعل أي شيء لاسترداد تلك الشرعية التي فقدها منذ زمن طويل". 

ومنذ تسلّم بايدن مفاتيح البيت الأبيض قبل ١٤ شهراً، دأبت الإدارة الأمريكية على ترديد أنها "لا تهدف إلى إسقاط النظام وإنما تغيير سلوكه" كما شددت في جميع المناسبات على أنها لا تدعم الانفتاح عليه أو إعادة تأهيله.

أمر يرى فيه المعارض السوري جورج صبرا "تطوراً إيجابياً" في موقف إدارة بايدن، مشيراً إلى أن مبادرة "شهر المحاسبة" ورغم اقتصارها على التصريحات، لكنها حملت العديد من الفوائد بالنسبة للقضية السورية.

وقال في تعليق خاص لـ"أورينت نت" حول ذلك: “التصريحات التي عبر عنها مسؤولون ومؤسسات في الإدارة كان لها أثر معنوي، فللمرة الأولى منذ وصول الرئيس بايدن إلى السلطة تطعن الولايات المتحدة بشرعية بشار الأسد ونظامه، وحمّلته بشكل واضح ومباشر مسؤولية القتل الجماعي والتهجير والتدمير الذي جرى في سوريا”.

وربط صبرا بين هذه الحملة والحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا، "إذ جاءت في سياق التصعيد الأمريكي ضد الجانب الروسي"، كما توجّه رسالة غير مباشرة للنظام الإيراني في إطار الضغوط المتزامنة مع مفاوضات الملف النووي، و"تجريم حليفهما نظام الأسد سينعكس حتماً عليهما".

كما لفت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تفاعل مع الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، منتصف الشهر الماضي، من خلال تصريحات متطابقة مع المواقف الأمريكية الأخيرة بخصوص سوريا والنظام، حيث دعا إلى عدم خذلان الشعب السوري، وإنهاء مرحلة "الإفلات من العقاب" فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت في سوريا.

"لكن أن ننتظر من هذه المبادرة انعكاسات مباشرة على الأرض وتطورات مادية ملموسة فهذه مبالغة في تقدير دور وحدود مبارة شهر المحاسبة" يقول صبرا، الذي يعتقد ألا أحد تأمّل أن يتم جلب بشار إلى المحاكمة خلال الشهر الماضي، كما إن تجربة السوريين مع الخطوط الحمر الأمريكية التي داس عليها أسد وحكومته دون أن تفعل الإدارات الأمريكية شيئاً كانت قد جعلتهم مهيّأين لحقيقة أن هذه المبادرة مفيدة معنوياً ويمكن أن يبنى عليها لا أكثر.

خطوات سياسية

وإلى جانب التصريحات والتغريدات التي عبّرت من خلالها واشنطن عن التزامها المستمر بدعم كفاح الشعب السوري من أجل الحرية، واستمرار تدفق المساعدات الانسانية له، ومعاقبة مجرمي الحرب، فقد كان لافتاً التركيز الكبير من قبلها على ملف الأسلحة الكيماوية التي سبق واستخدمتها ميليشيا أسد في العديد من المناطق السورية بين عامي ٢٠١٣ و ٢٠٢٠.

وبالإضافة إلى الزيارة التي أجراها وفد من الخارجية الأمريكية إلى شمال شرق سوريا، وخُصّصت للحديث حول إمكانية توحيد جهود المعارضة ضد ميليشيا أسد، حسب مصادر كردية سورية، فقد عقد ايثان غولديريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لقاءات مع مسؤوليين أوروبيين وأتراك ويابانيين في جنيف، على هامش الجولة السابعة من مفاوضات اللجنة الدستورية، في مؤشر على زيادة اهتمام الولايات المتحدة بالملف السوري بعد أن تراجع ترتيبه على قائمة أولوياتها منذ بداية العام الماضي. 

لذلك يتفق السياسي والإعلامي السوري المعارض أيمن عبد النور مع التقييم السابق لجورج صبرا، كاشفاً عن أن الإدارات الأمريكية تخصص في العادة كل شهر لتسليط الضوء على أمر أو حدث أو ملف ما، مؤكداً ارتباط مبادرة "شهر المحاسبة" بالحرب الروسية في أوكرانيا.

وقال في تصريح لـ"أورينت نت": “هذه المبادرات الشهرية لا تكون مرتبطة بآليات تنفيذية، بل تقتصر على الدعم والمناصرة إعلامياً، من أجل استمرار القضية التي تركّز عليها تحت الضوء، وبما يؤدي إلى إبقائها حيّة وحشد الرأي العام في صالحها، وقد تم تخصيص هذا الشهر لدعم الثورة السورية ضد النظام، وهو أمر إيجابي ومهم وإن اقتصر على الجانب المعنوي فقط بالوقت الحالي”.

عبد النور المقيم في الولايات المتحدة والمطّلع على السياسة الأمريكية أضاف: "من الناحية العملية ليس هناك أي جديد أضيف إلى الملف السوري أمريكياً، لكن حسب المعلومات فإن هناك متابعة حثيثة من قبل إدارة بايدن للعديد من الأمور في هذا الملف، وستظهر نتائجها خلال الأشهر المقبلة" دون الكشف عن التفاصيل.

وختم أن "شهر المحاسبة" على ارتباط وثيق بقرار الروس غزو أوكرانيا، والموقف الداعم وبقوة الذي عبرت عنه حكومة ميليشيا أسد لهذا الغزو، مؤكداً أن هناك مطالبات كبيرة دولية وأمريكية بفتح ملف الجرائم التي ارتُكبت بسورية برعاية روسية "لأنها أسّست للجرائم التي تُرتكب اليوم في أوكرانيا".

الكثير من التصريحات، والقليل من العمل..هذا ما كان عليه مضمون مبادرة "شهر المحاسبة" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية في آذار المنصرم، احتفاء بالذكرى الحادية عشرة لتفجّر الثورة السورية، وتزامناً مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، الأمر الذي يعتبر مفيداً من الناحية المعنوية، ويؤسس لما يمكن البناء عليه لاحقاً، كما يقول المراقبون، على الرغم من أن النقد الشديد الذي وُجّه إلى هذه المبادرة يتحمل مسؤوليته القائمون عليها، خاصة بسبب بعض التصريحات والوعود التي يمكن وصفها بالمضللة أو المبالغ فيها والتي صدرت عن بعضهم، مثل القول بأن "إفلات النظام من العقاب سينتهي هذا الشهر"، بينما كان يتوجب عليهم، حسب الكثيرين، الالتزام بالخطوط المحددة لهذه الحملة.

التعليقات (1)

    جاد

    ·منذ سنتين 3 أسابيع
    امثال ايمن عبد النور هو وسيله للتغطيه والترويج للامريكيين ولتبرير وتجميل سياستهم تجاه سوريا والاسد
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات