حقيقة أنّ المقاتلين يذهبون إلى الحرب من أجل دولة أجنبية من أجل المال هي ظاهرة قديمة ولا تزال مزدهرة اليوم، حتى لو كان القانون الدولي اليوم يحظر الارتزاق التقليدي، فإنّ العديد من البلدان تجرّم استخدام مواطنيها لصالح حكومات أجنبية، ولهذا السبب فمنذ نهاية الحرب الباردة تبنّت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أعمال العنف والعمل على جمع أعداد كبيرة من الراغبين في القتال لأهداف مختلفة لتزجّهم بشكل شبه قانوني في حروب مختلفة.
في 3 مارس/ آذار الماضي، أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي إنشاء «الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا». وقال إن 16 ألف متطوع من أكثر من اثنتي عشرة دولة مستعدون لذلك وهو نفس عدد الجنود الذي ذكره وزير الدفاع الروسي شويغو أيضاً.
سوريا بلا شك هي مجال محتمل لتجنيد المرتزقة في الخدمة الروسية. ففي عام 2015، تدخل بوتين إلى جانب نظام الأسد في مواجهة الثورة السوريّة بعدّته وعتاده، ومن خلال حملة قصف وحشية ساعدت القوات الجوية الروسية نظام الأسد على استعادة الأراضي التي حررها الثوّار قبل ذلك، ولهذا فإنّ الأسد مَدين بشدة لبوتين. بالإضافة إلى القوات الروسيّة النظامية قاتلت مجموعة كاملة من الميليشيات والقوات المساعدة إلى جانب النظام السوري.
هل تركيا نموذج تحتذي به روسيا في استخدام المرتزقة؟
استخدمت تركيا آلاف المرتزقة السوريين في الحرب في ليبيا، عندما دفعت أنقرة بآلاف المقاتلين السوريين إلى الأراضي الليبية، لدعم قوات حكومة الوفاق السابقة بوجه الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر. وتُعتبر الشركات الأمنية إحدى الأدوات الجديدة لنزاعات المنطقة الرمادية وحروب الوكالة، الّتي تم اللجوء إليها منذ هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان عام 2001. وقد أعادت تركيا إحياءها في الشرق الأوسط مع بداية الثورة السوريّة على نطاق ضيّق، ثمّ كان ذاك جليّاً إبان الارتزاق الكبير في ليبيا…
الاعتماد على المقاتلين السوريين بالاستفادة من الخبرات القتالية، أو الحاجة إلى الوفرة العددية في تغطية جبهات القتال العابرة للحدود، إضافة إلى إخلاء المسؤولية الحكوميّة، ورفد قواتهم بمقاتلين، لدعم قوّاتهم في الجبهات، والتقليل من وجود عناصرهم ما أمكن في جبهات قتال مختلفة، وهذا للحفاظ على هدوء الرأي العام في الداخل، لاسيما أنّ المعارضة دائماً ما تستخدم عدد القتلى كي تضغط على الجهة الحاكمة وتهيّج الرأي العام.
روسيا: مرتزقة حرب شوارع!
لأنّه لا يوجد مقاتلون يذهبون أو يستطيعون الذهاب من تلقاء أنفسهم للقتال في مكان آخر دون مساعدة من دولة ما أو جهة، فإنّ دولة كروسيا استطاعت أن تستوعب احتياجات السوريين القابلين للارتزاق والعزف عليها، كل هذا كان سببه عمل النظام السوري على تدمير الهويّة السوريّة كهويّة وطنيّة، وإنعاش جسد الهويّة الطائفيّة والنفعيّة لتكون أكثر قدرةً على الاستغلال والتوجيه.
وفي خريف 2020 أيضاً ، كان هناك بضع مئات من الرجال السوريين الذين شحنتهم تركيا للقتال مع الجانب الأذربيجاني في الحملة ضد أرمينيا. من المؤكد أن الروس سيقلدون هذا النهج، ولكن من غير المؤكد إذا ما كان استخدام المرتزقة سيؤتي ثماره عسكرياً.
وكانت وكالة أسوشيتد برس قد نقلت عن خبراء من سوريا، أفادوا أن مجموعة فاغنر الروسية، وهي نفسها شركة مرتزقة تقوم بتجنيد مقاتلين في المحافظات السورية بالقرب من الحدود العراقية. يتم أيضاً تحديد الأجور التي تتراوح بين 200 دولار شهرياً إلى 3000 دولار للمتخصصين.
يقال إن الروس كانوا يبحثون في المقام الأول عن قوات مناسبة لحرب الشوارع والمدن والمتمرّسين في هذا الجانب إضافةً إلى ميّزاتٍ نفسيّةٍ وثقافيّة أخرى.
يمكن القول إن هناك مخزوناً من المقاتلين في سوريا على استعداد لخوض الحرب من أجل المال، وذلك بعد أن ضغا الفقر على الغالبيّة العظمى من السوريين في كافّة الأطراف، وهذا ما يمكن أن تستغلّه الدول لاستجلابِهم بسهولة، إضافة إلى تردي المستوى الثقافي وانهيار برج الأخلاق العاجي في ظلّ الحروب…. المثال التركي يوحي بذلك، لكن كيف سيكون أداء السوريين في أوكرانيا - في بيئة أجنبية، في حرب تقليدية، في درجات حرارة متدنّية؟ - هو سؤال آخر تماماً: ماذا سيكون دافع السوريين القتال، هل المال مرّةً أخرى أم ارتهانهم للآخر…؟
في ضباب الحرب تنتشر الشائعات. ما هو مؤكد أن إعلان بوتين هو أيضاً جزء من حربه الإعلامية.. ورغم صحّة اعتماد روسيا على مقاتلين أجانب في حروبها سواء عبر فاغنر أو عبر عرّابيها: فقد جاء هذا كنوع من الرد على تصريح زيلينسكي بأن أوكرانيا يمكنها الاعتماد على المساعدة من المتطوعين. وشتان بين المتطوع المؤمن بالهدف والمرتزق المؤمن بالعائد المادي!
ويمكن تحقيق هدفين دعائيين آخرين لروسيا من خلال هذا: من ناحية، إثارة الخوف في المدن الأوكرانية مع التهديد بالمرتزقة العرب والمسلمين وبالتالي "الأجانب" ومن ناحية أخرى، يمكن للأخبار طمأنة المجندين الروس وعائلاتهم قبل أن يتم حشدهم، أن المهنيين الأجانب يأخذون دورهم في "العملية العسكرية الخاصة" التي أطلقها بوتين، دون معرفة تفاصيل اكثر عن أعدادهم وأعمارهم وتوجّهاتهم ومستواهم التعليمي.
لذلك من المرجح أن يرغب بوتين في الحد من الخسائر بين الجنود الروس باستخدام المرتزقة. لأنه على الرغم من دعاية الدولة، فإن عدداً كبيراً جداً من القتلى من الجنود الروس لن يعودوا قادرين في النهاية على البقاء طي الكتمان، وسوف ينهار دعم ما يسمى بـ "العملية الخاصة" في أوكرانيا بشكل كبير. ومع ذلك، بالنسبة لأوكرانيا، فإن نشر المقاتلين الأجانب هو قبل كل شيء فرصة للتعويض عن دونيّتها العددية مقارنة بروسيا، ولكن أيضاً لتسجيل نقاط في حرب الدعاية.
أظهر زيلينسكي مرة أخرى أنه متفوق في الحرب الكلامية في سؤاله عن مدى قوة روسيا إذا كان عليها تجنيد مقاتلين سوريين للقتال معها ضد أوكرانيا؟
يائسون يسهل التأثير عليهم!
العمل كمرتزقة يمكن أن يجلب أولئك الذين لديهم تطلعات للثروة أو أولئك الذين لديهم ميول إجرامية مثل المقاتلين السابقين وحراس الأمن. عادة ما يأتي هؤلاء الأشخاص من خلفيات مهمشة أو يكونون انتهازيين، أو يائسين يسهل التأثير عليهم وإقناعهم بالتعاليم التي تناسب متطلبات المجند، وفي النهاية جميع من يذهب للحرب هو مليء بالكراهية التي خلقتها الحرب، ولا يزال الأمر مفهوماً عندما يقول جندي شاب إنه تم تجنيده أثناء تمرين ولا يعرف حتى أنه في الحرب الآن، فهذا يعني أنّه لا يزال بإمكانك التعاطف مع الكثيرين والغضب من بوتين فقط، وسيكون القتال أكثر وحشيّةً لأنّ كل من سيقاتل سيفقد رفيقاً أو يشاهد فظائع، والسلام سيستغرق أجيالًا مرة أخرى حتى يعود.
التعليقات (1)