عن الغارة الإسرائيلية الآذارية ضد أهداف إيرانية في سوريا

عن الغارة الإسرائيلية الآذارية ضد أهداف إيرانية في سوريا

بدت الغارة الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في محيط مطار دمشق قبل حوالي أسبوعين لافتة جداً إنْ لجهة الزمان في ذروة الغزو الروسي لأوكرانيا وبعد ساعات فقط على عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت من موسكو، حيث التقى مطولاً الرئيس فلاديمير بوتين أو المكان حيث محيط مطار دمشق جنوب العاصمة والذي يشهد تموضعاً إيرانياً جديداً قديماً بعد الهرب ولشهور طويلة وسطاً باتجاه مطار تي فور في حمص ثم شمالاً إلى الميناء في اللاذقية. أما الهدف فتمثّل حسب الروايات الإسرائيلية بمشروع  تطوير صواريخ إيرانية دقيقة تصفها تل أبيب بالكاسرة للتوازن، بينما جاءت ردود الأفعال والتداعيات لتؤكد زيف وكذب كل روايات النظام والاحتلال الروسي عن إسقاط الصواريخ الإسرائيلية وسقوط مدنيين في هذه الغارة وسابقاتها - دون تبرئة الاحتلال الإسرائيلي من قتل مدنيين أبرياء سوريين وفلسطينيين- عبر إقرار الحرس الإيراني بسقوط قتيلين من ضباطه في الغارة بموازاة صمت إسرائيلي رسمي طبع عمل حكومة بينيت - ليبيد - غانتس الجديدة، ولكن كما العادة مع تسريبات وتقارير لمراسلين عسكريين في وسائل الإعلام العبرية عن الحيثيات والرواية الأقرب للدقة لما جرى فعلاً.


إذ شنت إسرائيل صباح الـ 07/ من آذار غارة هي الأولى في هذا الشهر الذي كاد ينقضي بعد غارات أسبوعية تقريباً منذ بداية العام الجاري. الغارة الجديدة استهدفت مواقع إيرانية في محيط مطار دمشق أوقعت كما العادة قتلى في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها مع إعلان تقليدي ومتكرر من نظام بشار الأسد وآلته الإعلامية عن سقوط مدنيين وإعلان مماثل من قاعدة الاحتلال الروسي بحميميم تضمن أيضاً مزاعم إسقاط معظم الصواريخ المهاجمة، وذلك قبل ساعات فقط من إعلان الاحتلال الإيراني رسمياً عن سقوط اثنين من ضباط ومسؤولي الحرس "برتبة عقيد" جراء الغارة الإسرائيلية.


زمنياً، أتت الغارة في ذروة الغزو الروسي لأوكرانيا وترهات الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني عن تغيير المعادلة في سوريا بمعنى تغيير موسكو، كما الأدوات العاملة تحتها سواء نظام الأسد أو إيران وميليشياتها طريقة تعاطيها مع الغارات الإسرائيلية.


هذا لم يحدث طبعاً ولم نلمس أي تغيير لجهة استمرار الصواريخ العشوائية "رفع العتب" لنظام الأسد بموازاة قصف دعائي إعلامي مكثف وصل هذه المرة بوزير الخارجية فيصل المقداد إلى حد القول أن الرد قادم والعدو سيدفع ثمن أفعاله مع تحاشي العبارة الممجوجة عن الزمان والمكان المناسبين.

توقيت القصف

زمنياً أيضاً، أتت الغارة بعد ساعات فقط على زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى موسكو التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطولاً في سياق وساطة لوقف الحرب مع أوكرانيا أو للدقة نقل رسائل كساعي بريد بين موسكو وكييف ، علماً أن المهمة مدعومة أوروبياً وبدرجة أقل أمريكياً ،خاصة مع توجه بينيت من موسكو إلى برلين للقاء المستشار أولاف شولتز إضافة لحديثه الهاتفي المطوّل في الأثناء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الانتباه إلى الطابع الدعائي للوساطة التي تخدم بينيت شخصياً وترمّم مكانته محلياً كزعيم يتمتع بحضور دولي، وسياسياً لتكريس مصلحة إسرائيل تحديداً فيما يتعلق بصيانة التفاهم والتنسيق السياسي - الأمني مع روسيا في سوريا وإبعاده عن الحرب وتداعياتها، كما عن الصراع بين روسيا وأمريكا والغرب بشكل عام.


وفيما يخص المكان أي محيط مطار دمشق التي عادت إيران إلى استخدامه ضمن تموضعها العسكري الإستراتيجي بعد توقف لفترة ناتج أساساً عن الغارات والهجمات المكثفة، ونجاح إسرائيل في منع ذلك التموضع لا الوجود بحد ذاته في دمشق وبالقرب من فلسطين المحتلة ما دفع إيران إلى الانتقال باتجاه مطار تي فور بحمص الذي تعرض لنفس الاستهداف والغارات والتضييق حتى من الاحتلال الروسي قبل أن تعاود الكرة في ميناء اللاذقية وتتلقى الضربات الإسرائيلية على مسمع من روسيا وقاعدتها العسكرية لتعود إلى محيط مطار العاصمة الذي حوّلته عملياً إلى ثكنة عسكرية  لها ولميليشياتها.


بدت العودة إلى مطار دمشق إضافة إلى العامل اللوجستي وقدرته على استيعاب طائرات الشحن العسكرية والمدنية الضخمة لنقل الأسلحة والعتاد كمحاولة إيرانية واضحة لجس النبض واستغلال الفراغ والاحتماء بروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية التي تحوّلت لغزو فيما بعد وأوهام الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني في تغير موقف موسكو من الهجمات والغارات الإسرائيلية - بلغت المئات خلال الأعوام الماضية- في دمشق حمص واللاذقية وعموم سوريا.


تمثل الهدف من الغارة الآذارية حسب الرواية الإسرائيلية بإجهاض مشروع إيراني لتطوير وتصنيع صواريخ دقيقة ترى تل أبيب أنها كاسرة للتوازن وبمثابة خط أحمر سواء تم نقلها للنظام رغم تحكّم روسيا التام بترسانته العسكرية والاحتفاظ بالقرار النهائي والحاسم باستخدامها، كما هو الحال مع منظومة أس. 300 الصمّاء البكماء العمياء أو للذراع الإقليمي المركزي لإيران أي حزب الله في لبنان.


وفيما يتعلق بنتائج الغارة فقد كان لافتاً تناقض الآلة الإعلامية للنظام - و مركز حميميم الروسي- بالحديث عن إسقاط الصواريخ المهاجمة وسقوط  ضحايا مدنيين في نفس الوقت قبل أن يتضح أن القتلى هم من ضباط الحرس الإيراني في إعلان بدا لافتاً ومفاجئاً خاصة مع إنكار وتعتيم إيراني تقليدي ومتواصل تجاه الخسائر  جراء عشرات الغارات الإسرائيلية خلال العام الماضي ومئات الغارات خلال الأعوام الماضية والتي أوقعت مئات القتلى دون إقرار أو اعتراف إيراني ودون الردّ ولو بطلقة واحدة، والاكتفاء بالمقابل بقصف دعائي مكثف عبر الحشد الشعبي المركزي في بيروت والمنطقة.


إلى ذلك أصدر مركز الاحتلال الروسي في حميمم بياناً معتاداً وتقليدياً أيضاً قال فيه إن منظومات النظام –الروسية - المضادة للصواريخ أسقطت سبعة من أصل ثمانية صواريخ - تسعين بالمئة تقريباً - بينما أوقع الثامن الخسائر المعلنة، البيان الدعائي يهدف أساساً للفت الانتباه عن انكشاف وعجز المنظومة التسليحية الروسية عن مواجهة الهجمات والغارات والتكنولوجية الإسرائيلية الغربية، هذا على افتراض أن موسكو تريد ذلك أصلاً.


أما الإعلان الإيراني عن سقوط قتلى والتهديد بالرد، فيبدو دعائياً أيضاً ومحاولة لجس النبض وتغيير قواعد اللعبة، وحتى إذا ما حصل ذلك فعلاً فسيكون شكلياً تماماً كما صواريخ رفع العتب العشوائية للنظام.


الصمت الإسرائيلي الرسمي لم يكن مفاجئاً أيضاً خاصة مع الاستعاضة بتسريبات وروايات صحفية، هدفت أساساً إلى التأكيد على أن لا شيء تغيّر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، واحتدام الأزمة والصراع بين روسيا وأمريكا والغرب بشكل عام، بينما حيّدت إسرائيل نفسها حتى الآن.


تل أبيب سعت للتأكيد أيضاً أن لا تأثير لمفاوضات فيينا النووية على هجماتها في سوريا، وبالتالي دحض المزاعم عن ضغط أمريكي عليها لعدم مواجهة إيران أو فتح جبهة معها لا في سوريا ولا في المنطقة لتهيئة الظروف المناسبة أمام العودة إلى الاتفاق النووي.


في الأخير وباختصار، أكدت الغارة الإسرائيلية الآذارية أن الغزو الروسي لأوكرانيا والأزمة مع الغرب لا يرتدان سلباً على التنسيق والتفاهم السياسي- الأمني الروسي والإسرائيلي الثابت والمستمر والناجع في سوريا، كما قال حرفياً ورسمياً السفير الروسي في تل أبيب أناتولي فيكتوروف، أما تداعيات وآثار الغزو على المشهد السوري بشكل عام فستكون موضوع مقالنا القادم بإذن الله.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات