من باريس 1789إلى السويداء 2022: ثورة جياع ولنا الفخر

من باريس 1789إلى السويداء 2022: ثورة جياع ولنا الفخر

قد يستغرب القارىء هذا العنوان، المختار دون سواه، وقد دفعني لذلك سببان:
-  الأول تشابه أحد أسباب الحراك الحالي في السويداء - وأي حراك قادم في "مناطق النظام"- مع أسباب الثورة الفرنسية 1789، وأقصد بهذا السبب، الجوع .
- أما التشابه الثاني فيعود إلى وضع السلطة المفلسة تماماً بسبب الفساد والهدر.


لكن فرقاً بين موقفي السلطتين من الحراك الشعبي في كلا الحالتين يمكن تمييزه بسهولة:  ففي الحالة الفرنسية كان موقف السلطة من حراك باريس الغاضب، الاستغراب والاستهجان، أما في الحالة الأسدية فموقف السلطة تجسّد بتصريح شديد الوقاحة سجّلته بثينة شعبان تتهم فيه المحتجّين بأنهم جواسيس وعملاء. ويبقى تصريح ماري أنطوانيت الشهير أكثر لطفاً وإنسانية من تصريح بثينة شعبان المليء بالتنمّر والتخوين.


وبعيداً عما تقدّم فموقف السلطة الأسدية من حراك السويداء لم يقتصر على التهديد بل اندفع إلى أبعد من ذلك، فقد تداولت بعض صفحات الفيسبوك رسالة مسرّبة من أحد ضباط النظام عن توجه مجموعات من القناصين التابعين لأجهزة النظام إلى السويداء إضافة لاحتمال تحرك جماعات من داعش في “المقرن الشرقي”. وهو ما يتلاقى مع تحذير قيادة مطار حميميم الروسية قبل يومين من عمليات تقوم بها جماعات إرهابية في اللاذقية والسويداء وحمص. 
الأمر الذي اعتاد السوريون على سماعه ومعاينته كلما جرت الدعوة لتظاهرة أو اعتصام أو تحرك سلمي مُعادٍ للنظام .. وهو ما خبرته مدينة السويداء تحديداً سنة 2013 حينما دعا نشطاء فيها لتحرك احتجاجي واسع في المدينة لم يمنعه إلا بيان مصوّر لشخص تكفيري هاجم فيه وهدد أهالي السويداء على خلفية طائفية.

السويداء تاريخ من الاحتجاج


بسبب السياسات الاقتصادية المجحفة بحق المنطقة الجنوبية التي مارسها النظام طوال عقود اضطر عشرات الآلاف من شباب السويداء للهجرة إلى الخليج وأمريكا الجنوبية، ولم يتوقف الأمر على ذلك فقد اتبع النظام سياسة احتواء السويداء وإركاعها معاً بسبب ماضيها العريق في الثورة ورفض الظلم والذود عن الكرامة، الأمر الذي دفع الشيشكلي لقصفها بالطيران، وخوفاً من استعادة أبنائها هذه الروحية الثورية عند أي ظرف أو حدث طارئين.
وكانت مخاوف النظام في محلها ففي سنة 2000 وقبل أحد عشر عاماً من تفجّر الثورة السورية تفجرت انتفاضة في مدينة السويداء وفي كل المناطق التي وجد فيها شبان وشابات من أهالي المدينة كما في مدينتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق وصولاً إلى المدينة الجامعية بدمشق، وكان السبب المباشر للانتفاضة اعتداء البدو على مُزارع وقتله. أضربت المدينة وأغلقت المحلات التجارية وحدثت اشتباكات مسلحة بين الأهالي والبدو، كان اللافت للانتباه أن النظام أمدّ الطرفين بالسلاح وفي النهاية تدخل لإيقاف النزاع.. وعلى طول الخط الزمني للثورة السورية وابتداء بشهر نيسان 2011 حيث تظاهر ضد النظام شباب وشابات في قلب مدينة السويداء، لم تتوقف محاولات نشطاء السويداء لتثوير الأهالي ودفعهم للاحتشاد في ساحات المدينة وبلدات وقرى المحافظة، وصولاً إلى تكسير تمثال حافظ الأسد في قلب المدينة سنة 2015.

ثورة جوعى ولنا الفخر


"عجبت لمن يجوع ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه" قالها أبو ذر الغفاري يوماً ويجسّدها اليوم أهالي السويداء، فليس العيب أن يثور الإنسان بسبب جوعه بل العيب كل العيب في أن يرضى بالصمت والخنوع رغم جوعه.
كانت الثورة الفرنسية ثورة الجوعى والمُعدَمين والمهمّشين لكن هذا لم يجعل كبار مفكّري فرنسا يومها يتنمّرون على هؤلاء الجوعى بل أيّدوا الثورة وعملوا على توجيهها، كذلك تفجّرت ثورة الخبز في كل من تونس بورقيبة 1984ومصر السادات 1977 وفي الأردن 1989خلال عقد الثمانينات، ولا ننسى قبلهما ثورة المحرومين في لبنان الخمسينات وفي كل بلد عربي تقريباً تفجّرت ثورة خبز ابتداء من المغرب وصولاً إلى السودان والعراق، ولم يرَ أحد من المُنتفضين العرب ومن معارضي الأنظمة العربية وقتها عاراً في خروج الناس للمطالبة برغيف الخبز.


فالثورات عبر التاريخ غالباً ما تفجّرت لأسباب معيشية.. حتى الثورة السورية ما كان لها أن تنطلق لولا تراجع مستوى الدخل وضعف القدرة الشرائية لشرائح واسعة من السوريين، إضافة لأسباب أخرى اقتصادية اجتماعية نتيجة اختيار النظام السوري المسار الليبرالي، محاولاً تحرير الاقتصاد وتخفيف الدعم عن بعض الشرائح وهو ما عرضه بالتفصيل الباحث جمال باروت في كتابه "العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية الجمود والاصلاح"

حجّة المعارضين


لم يكن من النادر سماع أصوات التشكيك بكل حراك وتظاهرة أو وقفة احتجاج يقوم بها أبناء السويداء. المشككون توزعوا ما بين موالين للنظام ومعارضين له. ولئن كان مفهوماً موقف الموالين من الاحتجاج ضد النظام فليس من السهل فهم موقف المعارضين أو تفسيره! لكن جزءاً من موقف هؤلاء المعارضين وبعض الثوار الرافض أو المشكك في تحركات السويداء يعود لتصورات جامدة حيال الثورة وطبيعة العمل الثوري.
وهؤلاء إما أنهم يجهلون طبيعة مجتمع السويداء أو يكشفون عن شيء من الأنانية في موقفهم هذا أو تحرّكُهم نوازع غير سياسية وغير وطنية ولاعلاقة لها بالثورة.


ويغيب عن بال المعارضين والثوار الذين يأخذون على أهل السويداء أنهم خرجوا بسبب لقمة العيش أو بسبب إلغاء الدعم عن الشرائح الفقيرة تأكيد ثوار السويداء أكثر من مرة على تغيير النظام وإنصاف الطبقات الشعبية المظلومة وإعادة الحقوق لأصحابها ومحاسبة الفاسدين واللصوص واستعادة الحقوق الإنسانية الأساسية في التعبير والاعتراض السياسي وتوزيع الثروة بشكل منصف على جميع السوريين.
 

التعليقات (2)

    آشور

    ·منذ سنتين 3 أسابيع
    مقال في الصميم .. لا فرق بين تخوين شبّيحة الأسد وشبّيحة الإخوان المسلمين .. فالغوغاء والدهماء واحد ..

    Demrdach

    ·منذ سنتين يوم
    مقال رائع وقلم صادق شجاع
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات