كابوس يهدد شركات عملاقة.. لماذا تسعى موسكو وراء مدينة أوديسا؟

كابوس يهدد شركات عملاقة.. لماذا تسعى موسكو وراء مدينة أوديسا؟

مع بدء الغزو الروسي على أوكرانيا في 24 شباط الفائت، وضعت القذائف التي انهالت على مدينة "أوديسا" الأوكرانية العالم في حالة تأهب من إمكانية سيطرة القوات الروسية الغازية على المدينة، وتحولها إلى ورقة ابتزاز جديدة بعد النفط والغاز، قد يلجأ إلى استخدامها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجه أمريكا وأوروبا والدول الحليفة، التي شاركت في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.

فماذا ستعني خسارة مدينة أوديسا؟ ولماذا يراقب العالم بحذر ما سيفعله ذاك المُصاب بجنون العظمة القابع في الكرملين بهذه المدينة تحديداً؟ 

 كابوس يهدد عمالقة صناعة التكنولوجيا

وتعود أهمية أوديسا في مجال التكنولوجيا إلى حقبة الثمانينات، عندما بنى الاتحاد السوفيتي مصانع خاصة لتصفية غاز (النيون) النادر، وتعتبر النسخة النقية من النيون الجزء الأساسي في إنتاج أشعة الليزر، والتي باتت تُستخدم اليوم في صناعة (الرقائق الالكترونية)،أو ما يعرف بـ(أشباه الموصلات)، حيث خلّف الاتحاد السوفيتي بعد انحلاله عام 1991، عدداً كبيراً من المصانع والمختبرات المختصة لتصفية هذا الغاز النادر، تركزت معظمها في مدينة أوديسا، حتى باتت أوديسا اليوم، مسؤولة عن تصدير الجزء الأكبر من غاز النيون من إجمالي القدرة الأوكرانية، والتي بلغت نسبتها 70%، حسب شركة الأبحاث التايوانية(تريند فورس).

 

وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية طالت قطاع التكنولوجيا الروسي عموماً، وتوريدات الرقائق الإلكترونية إلى روسيا خصوصاً، حيث حرمت الولايات المتحدة روسيا من الوصول إلى أشباه الموصلات الضرورية لإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية، ومنها الصواريخ الذكية والطائرات تكنولوجيا الفضاء، بالدرجة الأولى.

واعتبر عمالقة صناعة الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، أن فرض حظر بيع الرقائق الإلكترونية لروسيا خطوة غير مدروسة من قبل إدارة "بايدن"، وخاصة أن أوديسا مسؤولة عن تصدير ما يقارب 90% من غاز النيون، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة تهدد مستقبل التكنولوجيا في العالم، إذا فكرت روسيا في احتلال أوديسا وحرمان العالم من توريدات غاز النيون.

ودفعت تلك العقوبات الشركات المختصة في صناعة أشباه الموصلات مثل (إنتل) الأمريكية و(يو إم سي) التايوانية و(إس كي هاينكس) الكورية، إلى إصدار بيانات طمأنة من خلالها المستثمرين أن توريدات غاز النيون لم تتأثر حتى اللحظة بفعل الغزو الروسي.

وفي حديث لأورينت نت، يرى "سامر إلياس" الصحفي والباحث المختص في الشأن الروسي، أن بوتين قد يلجأ إلى استخدام مدينة أوديسا كورقة ابتزاز ثانية في وجه الولايات المتحدة وحلفائها إذا طال أمد الحرب مع أوكرانيا، وتأثرت إمدادات روسيا من الرقائق الإلكترونية لمدة أطول دون إيجاد بدائل من دول أخرى كالصين. ويردف قائلاً: إن تأثير العقوبات الأمريكية على قطاع التكنولوجيا بدأ بالظهور فعلياً بعد تحذير محطة الفضاء الروسية العالم من سقوط محتمل لمحطة الفضاء الدولية.

وتسيطر الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل تايون وكوريا الجنوبية واليابان على سوق صناعة الرقائق الإلكترونية في العالم، وشاركت تلك الدول أيضاً في فرض عقوبات مماثلة لتلك التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا.

ميناء وموقع إستراتيجي 

مدينة أوديسا هي ثالث المدن الأوكرانية من حيث المساحة بعد العاصمة كييف وخاركيف، وتعتبر عاصمة الجنوب الأوكراني، والسيطرة عليها يعني عزل أوكرانيا عن البحر الأسود، وبالتالي حرمان أوكرانيا من الاستيراد والتصدير، والذي يعني حرمان العالم من صادرات أوكرانيا، والتي بدورها قد تودي العالم في نفق مظلم من التضخم، ومستويات غير مسبوقة من الركود حسب محللين اقتصاديين.

وبحسب وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية الأمريكية فإن 70 بالمئة من تجارة أوكرانيا عبر البحر تتم عبر ميناء أوديسا والموانئ الأخرى في المدينة، وبالتالي السيطرة عليها يعني عزل كييف عن الأسواق الدولية. وتضيف الوكالة أن هذا من شأنه أن يمنح روسيا ميزة سياسية واقتصادية غير مسبوقة في البحر الأسود في حال سيطرت على أوديسا.

موعد الهجوم الروسي 

ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإنّ المسؤولين والسكان يتوقعون هجوماً وشيكاً على المدينة، حيث توقع عمدة المدينة "غينادي تروخانوف" اجتياح المدينة من ثلاثة محاور، الشرق والغرب والبحر الأسود حتى تصل إلى الجمهورية الانفصالية في مولودوفا.

ومن جهته يقول الباحث "سامر إلياس" لأورينت نت، إن القوات الروسية الغازية لن تلجأ إلى الخيار العسكري في السيطرة على أوديسا على غرار ما فعلته تلك القوات في مدينة "ماريوبول “، بل ستلجأ إلى سلاح الحصار، وبدا ذلك واضحاً من خلال استماتة الروس للسيطرة على مدينتيّ "خيرسون" التي سقطت بيد الروس و"ميكولايف" في الجنوب التي لازالت المعارك محتدمة داخلها.

وتوقع "إلياس" أن ضغطاً داخلياً يُمارَس على الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لعدم اللجوء إلى الخيار العسكري وتدمير المدينة، وذلك لاعتبارات عديدة قد يكون أهمها تركيبتها السكانية، والتي يشكل فيها اليهود ما يقارب 30 بالمئة.

وتحتل مدينة أوديسا مكانة تاريخية مميزة لدى موسكو باعتبارها المحطة الأخيرة من مشروع "روسيا الجديدة"، والذي تحدث عنه الرئيس الروسي عام 2014، عقب احتلاله جزيرة القرم، حيث يحلم بوتين ببناء "روسيا الإمبراطورية" والتي تتصل أراضيها مع شبه جزيرة القرم بطريق بري يبدأ في إقليم "دونباس" ويمتدّ للسيطرة على كامل الشريط الساحلي لبحر آزوف والبحر الأسود وصولاً إلى أوديسا ومينائها في الجنوب.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات