تخص قضايا حساسة بالمنطقة.. إيران تعطل ثلاث طاولات تفاوض لأجل توقيع الاتفاق النووي

تخص قضايا حساسة بالمنطقة.. إيران تعطل ثلاث طاولات تفاوض لأجل توقيع الاتفاق النووي

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الأربعاء أن بلاده حصلت على ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة عليها لن تشمل مجالات التعاون مع إيران بعد توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات المطبقة على طهران.

من جانبها اكتفت واشنطن بالغموض، حيث نقل موقع قناة "الحرة" عن متحدثة باسم الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تواصل العمل مع روسيا بشأن العودة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي مع إيران، مشيرة إلى "أن العقوبات المفروضة على موسكو بسبب عدوانها على أوكرانيا لا علاقة لها بالمحادثات الجارية".

وأضافت المتحدثة: "لن نعاقب بالطبع المشاركة الروسية في المشاريع النووية التي تشكل جزءاً من استئناف التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة".


تعطل محادثات فيينا ومساعي استئنافها

يأتي ذلك بعد أن دخلت مفاوضات الاتفاق التي تجري في فيينا مرحلة حرجة مع اشتراط الروس الحصول على هذه الضمانات، الأمر الذي تسبب بموجة غضب في طهران واتهامات غير مسبوقة لروسيا بالتلاعب بمصالح بلادهم.

إلا أن المتحدث باسم خارجية إيران، سعيد خطيب زاده استبق زيارة الوزير الإيراني أمير عبد اللهيان إلى موسكو الأربعاء بالقول "إن وزراء خارجية الدول الأطراف في المباحثات على تواصل مستمر، لكن إنجاز التفاهم في المباحثات يحتاج إلى قرار سياسي أميركي"، معتبراً أن "اختزال عرقلة الاتفاق حتى الآن بالمطالب الروسية وتناسي الدور الأمريكي غير صحيح".

ويبدو أن موسكو أبدت انزعاجها من التصريحات التي صدرت عن بعض أركان النظام الإيراني مؤخراً وحمّلت الطرف الروسي مسؤولية تعثر المفاوضات بسبب إصرارها على تقديم الولايات المتحدة ضمانات مكتوبة بألا تؤثر العقوبات التي اتخذتها على بلادهم مؤخراً نتيجة غزو أوكرانيا، على التعاملات الاقتصادية والعسكرية مع إيران، لذلك استدعت عبد اللهيان للقاء به في روسيا.


وفي محاولة واضحة للتهرب من الدور الروسي السلبي والمعيق، قال المتحدث الإيراني إن "واشنطن مسؤولة عما يحدث الآن في فيينا". وأضاف: ما يتم طرحه حول مطالب روسيا واضح، وتم طرحه رسمياً، وسوف تناقش هذه الاقتراحات في اللجنة المشتركة، كما تمت مناقشة سائر الاقتراحات، وهذه ليست مطالب خارج إطار اللجنة المشتركة".


وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن الأسبوع الماضي تعليق التفاوض في فيينا "نظراً لعوامل خارجية"، موضحاً أن "نصّ التفاهم بات شبه جاهز، لكن روسيا من جهتها اعتبرت أن المفاوضات "تجري بشكل عادي، ولا يوجد أي تأخير".


وقالت وزارة الخارجية الروسية الإثنين إن الإعلان عن تعليق محادثات فيينا بشأن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة "غير دقيق" لأن الوفود عادت إلى العواصم للتشاور. وأضافت أن "العمل يتواصل على بعض جوانب الاتفاق، وسيتعين على المفاوضين اتخاذ قرارات سياسية بشأن الموافقة على النص النهائي للاتفاقية" مشيرة أن "المفاوضات تمضي قدماً كالمعتاد، ولا حديث عن أي تأخير مصطنع في العملية".

وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ"أورينت نت" أن يوم الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي قد شكل نقطة تحول في مسار المفاوضات التي كانت على وشك إنجاز مهامها، قبل أن تطالب روسيا بضمانات من خارج جدول الأعمال، الأمر الذي أدخل الوفود في تفاصيل جديدة جعلت الغرب يعلن تعليق المفاوضات بعد أسبوعين من الجهود غير المثمرة.

وعن إمكانية تقديم الولايات المتحدة أي تنازلات لروسيا، التي تستطيع منع التوصل للاتفاق إذا أرادت، في وقت تسعى فيه واشنطن لتوقيع هذا الاتفاق مع طهران طمعاً بعودتها لسوق الطاقة، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول أمريكي رفيع أن "بلاده لن تقدم إعفاءات من العقوبات المتعلقة بأوكرانيا على روسيا لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني".


تلويح وتهديدات متبادلة

وهدد المسؤول بأن واشنطن "قد تحاول التوصل إلى اتفاق منفصل يستثني موسكو" مشيراً أنها "ستبدأ في استكشاف بدائل للاتفاق خلال الأسبوع المقبل إذا لم تتراجع روسيا عن مطالبها بضمانات مكتوبة تعفيها من العقوبات المتعلقة بأوكرانيا، والتي يمكن أن تحد من تجارتها المستقبلية مع إيران".

وردت موسكو عل. هذه التهديدات بتهديدات مماثلة حين أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال استقباله نظيره الإيراني أنه "يجري العمل لإنجاز صيغة تفاهمات مشتركة جديد مع إيران".


وإلى جانب امتلاكها صلاحية الفيتو على أي اتفاق في إطار الخمسة+واحد الذي يحتوي المفاوضات، فإن روسيا هي الطرف الذي سيكون معنياً بتسلم كميات اليورانيوم الايراني المخصب بنسبة تزيد على ٣.٧، الأمر الذي لا يمكن للولايات المتحدة تجاوزه إلا إذا أقنعت إيران بتسليم هذه المهمة لطرف آخر غير الروس، وهو ما لا يبدو ممكناً، أو قد يتطلب إغراءات غير مسبوقة لطهران.

ومن الواضح أن النظام الإيراني، ورغم بعض التصريحات المحتجة على روسيا التي صدرت من بعض المسؤولين فيه بسبب ذلك، إلا أنه منسجم مع موسكو حتى الآن، بدليل تصرفاته الأخيرة خلال الأيام التي أعقبت تعليق مفاوضات فيينا.

إلا أن كل هذا السجال يبدو أنه كان مجرد سعي لتحسين شروط التفاوض من مختلف الأطراف، حيث اعتبر نبيل ميخائيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، أن إدارة الرئيس جو بايدن المتحمسة بقوة لتوقيع هذا الاتفاق ستعطي موسكو هذه الإعفاءات.

وأضاف في تصريحات لـ"أورينت": الولايات المتحدة ورغم موقفها المتشدد جداً من روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، إلا أنها تحتاج موسكو في ملفات عدة تتعلق بالأمن الدولي، بدليل مسارعتها للطلب من الروس احتواء توجه كوريا الشمالية لإجراء تجارب نووية جديدة، ناهيك عن أن إحياء الاتفاق النووي هو أحد الوعود الانتخابية لبايدن وقد استغرق منه الكثير من الوقت والجهد، وسيعمل على تنفيذه بشتى الطرق والوسائل.


إيران تشاغب في المنطقة

وإلى جانب ما سبق، فإن طهران تدرك أهمية ما بيدها من أوراق للضغط من أجل تسريع الاتفاق الذي تريد أن يكون بأفضل شروط ممكنة بالنسبة لها، ولذلك يضع المراقبون التطورات التي حضرت بقوة في المنطقة ضمن تحركات إيران للرد على تعثر المفاوضات والضغط على الغرب للقبول بالمطالب الروسية.


 القصف الذي استهدف مقر القنصلية الأمريكية في أربيل بإقليم كردستان العراق فجر الأحد، والذي نفذته ميليشيات عراقية تابعة للحرس الثوري الإيراني، لم يكن سوى إحدى أوراق طهران التي اتخذت في الوقت نفسه قراراً بتجميد المفاوضات التي تجري حول عدد من ملفات منطقة الشرق الأوسط.

ثلاث طاولات تفاوض انفضت خلال الأيام الأخيرة الماضية عقب تعليق محادثات فيينا، الأولى تتعلق بعودة بتشكيل الحكومة العراقية، والثانية مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بالإضافة طبعاً إلى ملف المفاوضات السعودية الإيرانية، الأمر الذي يؤكد حسب المراقبين أهمية أن يأخذ الاتفاق النووي الوشيك دور إيران في المنطقة بعين الاعتبار، وهو ما لا يبدو أن الولايات المتحدة تفعله.


ولذلك فإن العميد حسن الشهري، الخبير الاستراتيجي السعودي، يرى أن إيران تدير سياستها بمبادئ الثورة وليس الدولة، ولذلك فإن ما يحدث بفيينا لا يخدم مصالح جيرانها وأمن المنطقة.

وقال في حديث مع "أورينت نت": إيران لا تقيم وزناً للقانون الدولي وحسن الجوار، وهي مستمرة في أعمالها لزعزعة دول المنطقة بالتدخل المباشر وبدعم ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.. الخ. ورغم ذلك كانت هناك مفاوضات بين الرياض وطهران تلبية لطلب بعض القيادات في المنطقة، ولكنها كما رشح لم تتجاوز حدود المفاوضات الاستكشافية، فطهران تراوغ ولا تبحث عن حلول.

وأضاف: يدرك النظام الإيراني أنه في حال لم يوجد خارج حدوده يسقط من الداخل، ولذا فالاتفاق النووي الذي يتجاهل برنامج إيران الصاروخي وأنشطتها المزعزعة لأمن المنطقة لا يخدم المصالح العليا لدول الخليج بشكل خاص، ولا حتى بقية دول الإقليم والعالم، وإن كان هناك تعثر حالياً فغالباً روسيا خلف ذلك، لأنه يتعارض مع مصالحها العليا في هذه المرحلة.

ويستدرك الشهري بالقول: مشاغبات طهران لن تتوقف، واعتداءاتها، سواء التي تنفذ بشكل مباشر أو عن طريق عصاباتها الإرهابية في المشرق العربي، ستستمر، بدليل استهداف أربيل بالصواريخ الباليستية قبل أيام فقط، ومن وجهة نظري كمراقب فإنه ما لم تجبر طهران على التخلي عن استراتيجية تصدير الثورة والالتزام باستراتيجية الدولة فستبقى المنطقة مأزومة، ويبدو لي أن هذا ما تريده القوى الكبرى التي تود أن يبقى الشرق الأوسط على صفيح ساخن، وايران أداة لكل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لتحقيق هذه الاستراتيجية.


ولذلك يرى المحلل السياسي السوري درويش خليفة أن إصرار السعودية والإمارات على أن يشمل الاتفاق الجديد مع ايران الذي يتم الاعداد له في فيينا حالياً ما يعالج قضية تدخلاتها في المنطقة "مطلباً مشروعاً وضرورياً".

ويقول ل"أورينت نت" تعليقاً على تحريك طهران أوراقها خارج حدود البلاد، سواء في العراق أو لبنان أو مناطق أخرى للرد على تعثر محادثات فيينا: من الواضح أن توزع نفوذ إيران في المنطقة عبر أذرعها العربية الميليشياوية، منحها إمكانية أن تلعب دوراً هاماً في ملف أمن الشرق الأوسط، أحد الملفات الأكثر سخونة التي تشغل وتشعل المنطقة بالوقت نفسه.

ويضيف: بالنسبة للإيرانيين، يروون الأزمة الأوكرانية فرصة مناسبة للعودة إلى خطاب القوة والتحدي، كتلك التصريحات التي أطلقها المرشد الأعلى علي خامنئي قبل أيام، مشدداً على أن بلاده لن تتخلى عن نفوذها الإقليمي، ما يؤكد أن إيران تستخدم خطابين، أحدهما دبلوماسي تختص به الخارجية والرئاسة الإيرانية، والآخر ثوري على لسان المرشد الأعلى وقائد فيلق القدس.

ويتابع خليفة: في الوقت الذي كانت تلهث فيه إيران وراء السعودية من أجل فتح مكتب قنصلي لها في جدة، ويرحب برلمانها (مجلس الشورى الإسلامي) بتصريح بهذا الخصوص لولي العهد السعودي إثر مقابلة صحيفة له، باتت تصرح الآن بتعطيل المفاوضات مع المملكة، وتخلف بالاتفاق الذي وعدت به مقتدى الصدر بتسليم مرشحه رئاسة الحكومة العراقية، وترفع من تسليح ميليشيا فاطميون بالقرب من الرقة شرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات مدعومة أمريكياً.

من الواضح مدى ارتباط ملفات المنطقة بعضها ببعض، ولعل تأثر العمل على العديد من القضايا بتعليق مفاوضات الملف النووي الإيراني، يؤكد مدى أهمية ألا تمنح طهران مكافأة بالسماح لها بتعزيز قدراتها على التدخل خارج حدودها مقابل تجديد الاتفاق معها، كما يجري الأمر عليه في الوقت الحالي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات