لم يعد خافياً على أحد من سكان مناطق الشمال المحرر، ولاسيما المهتمين بالثروة الحيوانية، أن أزمة حقيقية وكارثية قد تحل بمربي المواشي في المرحلة القريبة القادمة، بسبب الغلاء الفاحش للأعلاف وارتفاع أسعار المواشي عموماً، وضيق مساحة الرعي الطبيعية التي كانت المعتمد الأساسي لرعي الأغنام وتأمين الغذاء الطبيعي والمجاني لها، الأمر الذي دفع بعشرات المربين للعزوف عن مهنتهم الأساسية وبيعهم لمعظم ماشيتهم اختياراً لأهون الضررين.
ولكنه دفع بالوقت نفسه بالشاب "حسام" إلى التفكير خارج الصندوق لإيجاد حل بديل تمثّل بعملية استنبات الشعير منزلياً. أورينت نت كانت لها جولة حول هذا المشروع ولقاء مع صاحبه.
الفكرة والأساس
ضمن منزله الصغير في قرية (أبين سمعان) بريف حلب الغربي، والذي حوّل قسماً منه لمختبر _ إن صح التعبير _ فيه العديد من الرفوف والأواني المسطحة، يقضي الشاب "حسام هلال" معظم وقته للاهتمام ومتابعه مشروعه الفريد من نوعه على حسب قوله والذي تحدث عنه قائلاً: "أساس الفكرة هي اقتراح من أحد الأصدقاء الذي يعيش في بلد أجنبي لا يشهد فصل الربيع، الأمر الذي دفع بهم لاستجرار فصل الربيع وزراعة ما يمكن أن يعوّض عن أعشابه المختلفة التي تنبت في وقته عادةً، وأشار عليّ بفكرة ما يعرف بالاستنبات من دون تربة وضمن دورة إنتاج قصيرة، لتعويض نقص الأعلاف وكسر سعرها المرتفع، والتي تعود بنتيجة إيجابية إذا ما روعي موضوع مقياس الرطوبة ومعدل الضوء المسلط على الأواني".
وأضاف (هلال) "بدأت التنفيذ منذ ثلاثة أشهر تقريباً، وكل يوم أضيف لوحاً جديداً وأتعلم تقنية جديدة لتحسين المنتوج، نعم لم أحصد النتائج المادية المرجوة من مشروعي لكونه في مرحلة أولية، وشعبنا بشكل عام ليس عنده التوجه الصحيح الكامل لهذا النوع من الأعلاف وتلك الطريقة من الزراعة، ولكنني متأكد أنه شيئا فشيئا سيكتب لهذا المشرع نجاح منقطع النظير"
كميات وفيرة وأرخص ثمناً
وتحتاج زراعة القمح أو الشعير التقليدية من الألف إلى الياء لدورة إنتاجية حوالي 120 يوما، وينتج كل دونم أرض 350 كيلو غراما كمعدل وسطي، بينما يحتاج الاستنبات المنزلي للشعير حوالي سبعة أيام فقط، وينتج كل كيلو غرام سبعة كيلو غرامات. وعن الطريقة والسعر تحدث (حسام هلال) صاحب مشروع الاستنبات قائلا:
"أول مرحلة هي فرز الحبوب وغسلها ثم نقعها لمدة يوم كامل وبعدها تنشّف ويصار إلى سطحها بطبقة 1سم أو ما دون، وتسقى ثلاث مرات يومياً بطريقة الرزاز، لتشكل مع الأعلاف المركبة التجارية بروتين كافي للأبقار والاغنام بشكل رئيسي، يساعد على زيادة كمية الحليب، ويتراوح سعر الكيلو غرام الواحد من عشب الشعير المستنبت ما بين 1.5إلى 2 ليرة تركية، بينما سعر التبن للشعير التقليدي حوالي 6ليرات تركية للكيلو الواحد، وينتج مشروعي حوالي 180كيلوغراما يومياً بتكلفة إنتاجية حوالي2000دولار، وهناك صعوبات تعيق تطوير الإنتاج، وزيادة وتيرته تتعلق بالوضع المادي الذي يمنعني من شراء الواح طاقة كهربائية بديلة و" ليدات" ذات لون معين تمنح مناخا ملائما للإنتاج وإجراء عملية التخضير المناسب".
خطوة محمودة وخطط للتوسعة
يعدّ إنتاج الأعلاف الخضراء بالشعير المستنبت نوعاً من أنواع الزراعات المائية المعتمدة، حيث يتم الحصول على نبت شعير بطول 30سم تقريباً في أوقات مختلفة من السنة غير وقت الزراعة المعتادة في الحقل المكشوف.
وتسعى الإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية في حكومة الإنقاذ إلى تعميم الفكرة وجعلها بمنعطف علمي واسع لما لها من أهمية، حيث تحدّث عن ذلك التوجه الدكتور (عبد الحميد الخالد) المدير العام للبحوث قائلاً: "طريقة الاستنبات المنزلي مشروع جيد وذو جدوى اقتصادية وتغذوية للمواشي، ولا تشكل هذه الأعلاف المستنبتة أي خطر على حياة المواشي بل تؤمن تكاملا غذائيا متكاملا باعتبار أن المواشي تحتاج لرعاية سرحية وأعشاب لمدة ستة أشهر، ولا يحصل الضرر إلا خطأ في إجراءات الاستنبات من حيث زيادة كمية الرطوبة، الأمر الذي قد يتسبب في التعفن للعلف".
وتابع (الخالد) موضحا السعي لنشر هذه الثقافة الجديدة لدى المزارع والمربي:
"الزراعة المائية للشعير هي معتمدة لدينا كجهة علمية بحثية زراعية، ونقوم على تدريب الكثير من الكوادر من جهات تابعة لنا كمؤسسة إكثار البذار وبعض الشركات لنشر هذه الثقافة لدى المزارع والمربي، لتوفير الغذاء المناسب في ظل ارتفاع الأسعار نتيجة لانحسار مساحات الزراعة وزيادة الطلب عليها عالمياً، و العمل جارٍ حالياً على تجهيز منشأتين في الشمال المحرر بمحيط مدينة إدلب، تحتوي على هناكير عملاقة ومساحات واسعة بتعدد طبقي بطاقات إنتاجية عالية لتأمين الأعلاف، والعمل على تأمين مستلزمات تلك التقنية لدفع المزارعين للاستنبات بأنفسهم، كلٌ بحسب ما يحتاج قطيعه، وتخفيفاً عنهم عبء النقل وفرق الأسعار، وتأتي أهمية مثل هكذا مشاريع من خلال المحافظة على المواسم الضرورية المعتبرة غذاء للإنسان وفي مقدمتها القمح، فعلى سبيل المثال لو أردنا التوسع بزراعة الذرة الصفراء أو البقوليات العلفية سيكون ذلك على حساب زراعة القمح والخضار، ويسعى قسم الإرشاد في وزارة الزراعة والري عبر ندوات إرشادية وحقلية متنقلة لاطلاع المزارعين على موضوع الاستنبات المنزلي وكيفية الاستفادة منها وتسليط الضوء على أهميتها وما توفره من تكامل غذائي للنهوض بالواقع الحيواني نحو الأفضل".
التعليقات (0)