شيطنة الطائفة الدرزية.. سلوك قديم متجدد لنظام التلفيق الأمني!

شيطنة الطائفة الدرزية.. سلوك قديم متجدد لنظام التلفيق الأمني!

في نظام يُعتبر التلفيق فيه روح النظام الأمني، علينا أن نحارب بالحجة، نظاماً اجتهد حتى بلغ بركامٍ عالٍ جداً من العمل الاستخباراتي، ونشر إعصار شائعات طالت تاريخ كل ألوان الطيف في سوريا. 
ولا ننكر أن فعله أصاب الكثير من العقول..... كيف استطاعت السلطة؟ تلك المسألة ليست فعلاً مباشراً وتأثراً فورياً لمجرد الإمساك بزمام السلطة بكل مكوناتها، بل الأمر متعلق فعلاً بعدة عوامل موجودةٌ مسبقاً في البلاد. 


فسوريا، البلد الذي يملك تاريخاً عميقاً وممتداً، صيّرتها الأحداث ولو هامشياً ضمن مشروع الطوائف والأديان، وعندما بدأ مشروع النظام يتبلور عبر عقيدة البعث، كان هناك مشروع أمني يزرع بحرص شتول وبذار الطائفية، يجتاح العقل السوري، وأصبح العقل العام هو عقل السلطة. ولطالما استغلت السلطة غياب البلاد عن الحداثة التقنية، الأمر الذي جعل الشعب يعيش ضمن (جيتو إعلامي وعقائدي) ويتلقى دون صعوبةٍ أعتى الأكاذيب والشائعات وكأنها الحقيقة بعينها. 


وكانت الأمور ستمضي لولا انفجار الحدث السوري الذي كشف العري الثقافي والفكري والأخلاقي، وعندما تكون السلطة على يقين أن شعبها (لايقرأ) القراءة العادية والقراءة النقدية، فما عليها إلا أن تباشر في إلغاء أو التهام أو تغييب التاريخ والملامح والبصمات، لقد كان الشعب السوري بحاجة لأن يعرف العالم ونفسه، واستطاعت السلطة العقائدية أن تملأ هذا الفراغ. 


ولما كانت تقوم بعمليات التنسيب للحزب، كانت عملية الحث على قراءة المنهاج الحزبي تتم عبر السخاء بتوزيع ما كُتب وما كتبه كيم إيل سونغ في طبعات فاخرة جداً، ثم كتب تتحدث عن الثورات الاشتراكية، وكان أهمها كتب السوفييت.


ورغم أن النظام كان غير متصالح مع من يعتنق فكراً يسارياً، إلا أن الخبث أخذ صورة الظهور بحرية التناول والاطلاع، ورغم أن الكتب لم تُقرأ إلا نادراً، كان مجرد سماع فكرة أو تفسير من قبل الرفاق الحزبيين يثير لدى جمهور المنتسبين الكثير من الإعجاب ثم الالتفاف حول القيادة. 


لقد استطاعت الاستخبارات ببراعة إظهار زعماء ملهَمين ثم حملة لتعيد تقسيم البطولة في التاريخ السوري إلى أبطال وهميين ما انتسبوا يوماً إلى مدرسة وطنية، ولم يتم هذا بسهولة، إنها عمليات تزوير أخذت وقتاً في التشويه والتزوير والتوزيع (في الشارع) وفي الإعلام المقنع وفي الطرق الخلفية والظلمات والغيتويات الطائفية، وتحول التاريخ إلى إظهار طائفة معينة متماهية مع الوطنية وتم تقديم صفحات من بطولات لم تحدث، وأخذ التلفزيون عبر كل برامجه التي تفتقد إلى النوعية يكرر أسماء قيادات ويغيّب القيادة الحقيقية، وانطلى الأمر حتى النخاع على جماعات الولاء والطاعة وعودة الحق بالحكم الذي كان ظاهره متسلحاً بعقيدة يعربية، بينما كان السعي مستمراً لتكون سورية ممراً للعالم غير مستقرٍ لكنه رصيف يسمح بالهيمنة والثروة والجاه. والأمر المثير، أن يقول البعث أن (العربي) هو من سكن الأرض العربية وتكلم اللغة العربية، وبهذا يكون نظرياً قد نجا من التهم العنصرية والإثنية والطائفية، ولكن عندما يظهر زعيم عربي من طائفة الدروز يقوم بحملة لتظهره من أصول كردية وشعوبي ومعادياً للعروبة، تلك هي صفاقة العقيدة التي تحولت إلى ما يشبه قماشاً مرناً يمكن أن يُلبس حسب الأحجام.


وفي حرب تشرين، يتقدم (رفيق حلاوة) طالباً المدد ليتابع المقاومة وهو متعمد بطهر العروبة وقدسية القضية الفلسطينية، ويهمل عمداً، لأنه ذهب في الشوط إلى آخره، ويؤثر أن يستشهد. ولكن الأمن أخذ بعهد السلطة وبدأ سراً يتحدث عن خيانة وعلناً ينكر ذلك.


ولن تكتمل الصورة إلا إذا عدنا إلى أقدم من ذلك لفهم المنهج الذي دُسّ لتعميم ثقافة الخيانة. في عام النكسة، روّج البعث أن الجولان سُلّمت لليهود بقرار من الدروز وبعدما غطوا الأسطح بأعلام بيضاء تعني الاستسلام، بينما تبين الحقائق الدامغة أن الجولان سُلم ولم تطلق فيه رصاصة واحدة. وخرج البعض في عملية نزوح معتمداً إعلاماً ما كان صادقاً في أي لحظة.


ولعل قصة (سليم حاطوم)، الضابط الذي ركبته رعونة السلطة، لكنه لم يتخل عن وطنيته هي مزيج من إعادة اختراعٍ لشخصيةٍ وتقديمها كما يرغب النظام الأمني. واستمر هذا النهج المزدوج مع نص في المنهاج والدستور والنظام الداخلي يقرأ بينما تذهب القوى المتسلطة إلى أقصى الحدود في شرخ ما كُتب وما تتصرفه فعلاً. 


ولم يخرج من هذه الطائفة رجل واحد دون تطييف وتهم وتشويه من قائد الثورة السورية الكبرى إلى (أمين أبو عساف) والضابط (فضل أبو منصور).... الخ وصولاً إلى طمس معالم الحراك الأخير في السويداء، عبر مخيلة مريضة تريد التأكيد مرة تلو الأخرى أنها وحدها مؤهلة لقيادة شعب تنظر إليه ضمنا نظرة المتعالي الذي يقود أجناساً بشرية ينقصها العقل والوعي والمرتبة الإنسانية، وبعض الأحيان الأمر يحتاج إلى سجن وتشويه وقتل حتى تستقيم الأمور. 


وبعودةٍ إلى حراك السويداء المتسلسل وشعاراته وأهدافه، نقول ونؤكد أنه كان ضمن الحراك العام والحدث السوري ولم يحد عنه قيد أنملة منذ البدايات،  ولكن ظهور أهل السويداء جزءاً لا يتجزأ من الشعب السوري هو أمر غير مريح، لذلك توجب التحرك بسرعة قصوى يقتضي إخراج هذا الحراك من معطياته الوطنية والمطلبية والذهاب به بعيداً نحو اختراع وإخراج وإنتاج جديد للطائفة يجعلها فيه ملة مارقة خؤونة، وهكذا تنطلي على الآخرين قصة الكذب في حماية الأقليات وملاقاة أي تجديد للثورة عبر سلسلة وقائية من الكذب والتشويه. 


وليس هذا فقط، بل عجّت المدينة الصغيرة بكل زاوية بالأسلحة والمتاريس وجنود صغار السن لا يملكون قوت يومهم ولا قوت عقلهم، ومستعدين لخوض معركة مسلّية كما تلعب في النت وملحقاته. ومن ثم تظهر السويداء طائفة تريد الانسحاب من تاريخها وحقيقتها وواقعها نحو عدو تاريخي، وتلك قصة كافية دون أي تمحيص لشغل الرأي العام بقصة أقل ما يقال عنها أنها انفصالية ومتماهية مع إسرائيل، ولا يخفى على الجميع أن الأمر كان سيمضي هكذا لولا تدخل قد يكون الشيخ موفق طريف واجهته، والمثير بالموضوع أن يتحول ولاء الدروز لشيخ من طائفتهم عار، بينما لا تخجل مطلقاً حكومة من الولاء لأربع احتلالات تقريباً. ثم يظهر الحراك هدفه وشعاراته وبسقط من يد السلطة كل الذرائع وتبقى المظاهر المسلحة لمهمة غير معلنة ويبقى التخوف قائماً من افتعال مشاكسات استخباراتية لتعوم المحافظة في الدم. 


وفي الفترة التي دخلت فيها القوة العسكرية التي تكونت من حزب الله والإيرانيين  والروس، تم اغتيال بعض الأشخاص  الذين كانوا منضمّين لعصابات تابعة للأمن،  وقد تكون تلك طريقة مناسبة تخفي أسرارهم مع عصاباتهم، وبنفس الوقت ربما يُقتل قادة الحراك بهدوء يضمن عدم  الهياج الشعبي وردود الفعل، وتستمر السلطة بنفس نهجها ونفس الكذب وتقنع بعض الزبانية بالوقوف بوجه القوافل التي تحمل المؤن للجبل بحجة أنها ممهورة بختم إسرائيلي، بينما يمر حزب الله وزينبيون والروس وغيرهم، ممهورين بختم الصمود والتصدي والممانعة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات