تحت خيمة سيرك الحكومة التي تتقن التهريج

تحت خيمة سيرك الحكومة التي تتقن التهريج
لا أدري إن كان ثمة مهمة أخرى للحكومة المؤقتة غير إدارة شؤون السوريين مقيمين ونازحين والإشراف على تقديم الخدمات المختلفة الأخرى لهم، من مؤسسات الحكم المحلي والدوائر الأخرى التي يفترض أنها تابعة إداريا لوزاراتها في المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات العسكرية المسماة " جيشاً وطنياً " والذي يفترض أيضا أنه من تابعيتها.

ذلك أن واقع الحال يشي بخلاف ذلك تماما (!) فلا يبدو أن قرارات وسلوك المجالس المحلية - والتي يفترض أنها منتخبة – له صلة أو علاقة بتلك الحكومة أو بوزارة الحكم المحلي فيها، بنفس القدر الذي يبدو فيه مشهد القضاء لا صلة له لا بمجلس قضاء يقرر التعيينات والترفيعات ويتابع حسن سير عمل المحاكم واستقلالها، ولا حتى بوزارة العدل في تلك الحكومة (!). 

وما ينطبق على هاتين الجهتين ينطبق على وزارة التعليم التي تكتفي بوضع ختمها على الشهادات الصادرة عن مديريات التربية المنشأة من قبل المجالس المحلية، والمسؤولة عن إدارتها والإشراف على العملية التعليمية بكاملها (!) فضلا عن التدقيق والتمحيص في الشهادات الصادرة عن مؤسسات النظام والمصادقة على أنها غير مزورة (!) وبذات المنحى لا دور لوزارة الداخلية في إدارة المعابر الحدودية التي استولت عليها الميليشيات لكونها مصدراً مالياً عالي المردودية، وكذلك لا دور ولا إشراف لها على أعمال دوائر النفوس وتوثيق وقوعاتها وإصدار بطاقات الهويات التعريفية للناس التي استأثرت بها أيضاً المجالس المحلية التي وكما هو واضح استأثرت لنفسها بمهام وأدوار ووظائف ليست منوطة بها قانوناً ولا يجوز أن تمارسها تحت أي ظرف، لكن مع الأسف واقع الحال يخالف كل منطق وكل قانون.

أما الصورة الأكثر صفاقة وفجيعة في آن، فهي تلك المهزلة المتعلقة بمسمى " الجيش الوطني " الذي لا يملك أي بنية تراتبية وإدارية لها قيادة أركان واحدة وقائد عسكري تأتمر بأمره، فهو لا يعدو أن يكون مجرد تجمع لعدد من الميليشيات التي تضم مقاتلين غير محترفين ويأتمرون بأمر قائد تلك الميليشيا الذي هو غالباً ليس عسكرياً وإنما امتهن القتال لأسباب وبواعث مختلفة منها القليل ما هو وطني متعلق بالصراع مع النظام وأدواته حقيقة، ومنها ما هو مهني يتخذها العنصر مهنة يتعيش منها، ومنها ما هو مرتزق يرى في حمل السلاح وسيلة ارتزاق  سواء على حواجز المنطقة أو سلب مواطنيها أو عبر الارتزاق العابر للحدود في جبهات صراع أخرى لا صلة للسوريين وقضيتهم بها  . 

 هذه التجمعات الميليشياوية لا يمكن بحال توصيفها بالجيش، فضلاً عن إسباغ الصبغة الوطنية عليها، طالما أن بنيتها وآليات إدارتها واتخاذ القرار بها لا صلة له بوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، ولا بالأجندة الوطنية التي يفترض أنها السبب الرئيس في نشوء تلك القوى وحملها للسلاح الذي يجب أن يكون في خدمة القضية الوطنية السورية بالمقام الأول، وأن يكون بعيدا عن التوظيف الداخلي لفرض سلطة وسلطان حملته على المجتمع في مناطق سيطرته العسكرية.. وبالتالي ستبقى تلك الأدوات مجرد ميليشيات مسلحة منفلتة ومتفلتة من أي ضابط أو رابط قانوني وإداري وتراتبية عسكرية، وستبقى تفرض سطوتها على المجتمع بقوة السلاح وترهيبه كالعصابات تماماً ما لم تنتظم في بنية وزارة الدفاع التي تكون الآمر الناهي في بناء التشكيلات وتدريبها وتحديد أماكن انتشارها ووظيفتها العسكرية والقتالية . 

 اليوم يواجه سكان تلك المناطق استحقاقاً يتعلق بما قيل عن إنه محاسبة ومساءلة لقائد فصيل العمشات وبعض من أعوانه لكثرة ما طفح كيل الناس من جرائمهم وانتهاكاتهم ولصوصيتهم، تولت فيه لجنة من المجلس الإسلامي السوري مهمة التحقيقات التي خلصت منها لتوصية بتنحية قائد الفصيل وأعوانه، وأناطت بأصحاب القرار والنفوذ في تلك المناطق أمر تنفيذها كما ورد في قرار اللجنة، وبالتالي فإن أمر مساءلة هذا الشخص وعصابته يقع على كاهل السلطات القضائية وقوة إنفاذ القانون في تلك المناطق وهي كلها تتبع إدارياً – ونظرياً – للحكومة المؤقتة التي كان لافتاً أنها مصابة بالخرس الوظيفي، حيث لم تُدلِ حتى بتصريح أو موقف تجاه مثل تلك القضايا عموماً، ولا تلك القضية على وجه الخصوص.

 أمام تلك السردية ألا يحق للناس على الأقل في تلك المناطق المستباحة أن يتساءلوا عن وظيفة تلك الحكومة وجدوى وجودها أصلا؟ وهل يحتاج الناس المسحوقون بالفقر وضعف الموارد وندرة الخدمات وفقدان الأمان حكومة لاتفعل لهم شيئا؟؟ !!! . 

آن الأوان لهدم خيمة السيرك هذه التي يُمارس تحت قماشتها المهترئة كل أشكال المهانة والاستباحة لكرامات الناس وحقوقهم ، فالظروف تجاوزت كثيراً إمكانية الضحك من عرض مجموعة مهرجين توافقوا أن يسموا أنفسهم حكومة!!!  . 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات