عن المناورات الروسية اللافتة في سوريا

عن المناورات الروسية اللافتة في سوريا
حلّ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في سوريا أواخر شباط فبراير الماضي وبشكل مفاجىء وغير معلن مسبقاً، للإشراف على المناورات البحرية والجوية التي أجرتها قوات الاحتلال الروسي انطلاقاً من قاعدتي حميميم الجوية باللاذقية وطرطوس البحرية بالمدينة المجاورة على البحر الأبيض المتوسط.

لا شك أن المناورات ترتبط طبعاً ومباشرة بالتوتر مع الغرب والناتو حول الأزمة مع أوكرانيا وسعي روسيا لإعادة ترسيم حدود ومناطق النفوذ في أوروبا وحتى في العالم، لكنها تقدم من جهة أخرى فكرة عن المشهد الحالي في سوريا لجهة تحكم الاحتلال الروسي التام بالقرار في المناطق الخاضعة شكلاً للنظام بما في ذلك إجراء مناورات عسكرية ضخمة لإرسال رسائل للخصوم والمنافسين، إضافة إلى بُعد متعلق بإسرائيل خاص بالغارات والهجمات الإسرائيلية الجوية وحتى البرية ضد أهداف لإيران وحلفائها، كما بالعلاقات أو التنسيق بين الاحتلالين الروسي والإسرائيلي المستقر والمستمر منذ سنوات رغم التطورات العاصفة في المنطقة والعالم.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن روسيا هي القوة القائمة بالاحتلال في سوريا ورب البيت كما يقال عن حق في الإعلام الإسرائيلي، مع الانتباه هنا إلى أمر ذي طابع إستراتيجي مفاده أن القوة الكبرى القائمة بالاحتلال هي أمريكا كونها تحتل سوريا المفيدة الغنية بالثروات الطبيعية وموارد الطاقة والتي تُديرها قوات بي كي كي لصالح الاحتلال الأمريكي، تماماً كما نظام بشار مع الاحتلال الروسي، وما كانت روسيا أصلاً لتحتل سوريا أو مناطق معينة فيها لولا ضوء أخضر أو برتقالي أمريكي يرتبط للمصادفة بإبعادها أو وقف تدخّلها الفظّ في أوكرانيا إثر ضمّها القسري وغير الشرعي لشبه جزيرة القرم في العام 2014، مع التذكير أن وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري - إدارة باراك أوباما - كان قد هدّد ذات مرة المعارضة السورية بالاحتلال الروسي وقوته الغاشمة لقبول العملية السياسية – آلية فيينا - التي سعت واشنطن للسير بها عبر المبعوث الأممي آنذاك ستيفان دي ميستورا والتماهي مع الوقائع التي خلّفها الاحتلال الأكبر "الروسي" والأصغر "الإيراني" وذلك على مذبح الاتفاق النووي سيّئ الصيت والانكفاء العام عن المنطقة شرقاً باتجاه الصين وآسيا بشكل عام.

في هذا السياق تحديداً كانت إيران قد استنجدت أيضاً بالاحتلال الروسي لمنع سقوط نظام بشار الأسد بعد فشلها في القيام بالمهمة، بينما عمدت روسيا مباشرة إلى الحوار والتفاهم والتنسيق مع إسرائيل التي تدّعي الآلة الإعلامية للحشد الشعبي الإعلامي أن محور المقاومة المزعوم في حالة عداء وحرب معها.

بشار الأسد قبل طبعاً بالصفقة التي كفلت له البقاء بالسلطة في سوريا الطائفية المتجانسة حتى بثمن هيمنة الاحتلال الروسي على القرار العام في البلد "مناطق سيطرته طبعاً" وللمفارقة فقد بدا هنا أقرب إلى نموذج محدث لأنطوان لحد، بينما تبدو السلطة الفلسطينية حتى على علاّتها أكثر وطنية واستقلال ورفاهية ورخاء منه، كما قال عن حق الممثل عباس النوري قبل أن يخلع ثياب "الحكيم أبو عصام" ويعود إلى حضن النظام وسقفه المزعوم.

وبالعودة إلى المناورات العسكرية التي تكاد تلخص المعطيات السابقة والمشهد السوري الراهن كله كون روسيا ومقابل حمايتها للنظام – لن تمنع سقوطه الحتمي على أية حال - أقامت قواعد ضخمة لها في حميميم باللاذقية لاستقبال الطائرات المتطورة، ووسّعت قاعدة طرطوس البحرية لاستقبال السفن والبوارج الحربية الضخمة في تحقيق لحلمها التوسعي الاستعماري القديم بالوصول إلى المياه الدافئة.

وبناء عليه، قرّرت موسكو إجراء مناورات بحرية شرق المتوسط بمشاركة بوارج حربية وطائرات حربية متطورة ميغ 31 تحمل صواريخ فوق صوتية كينجال بحجة مواجهة حاملة طائرات وقوات أخرى لحلف الناتو بالمنطقة.

في هذا السياق لا بد من الانتباه إلى تجريب الأسلحة المتطورة الفتاكة ضد الشعب السوري بما في ذلك الإعلان مؤخراً عن استخدام الطائرة المسيرة الانتحارية لانتسيت 3 ضد الشعب السوري، كما تباهى الرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولو جيشه مراراً بجرائم حرب موصوفة في سوريا حسب تقارير رسمية للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية موثوقة.

إلى ذلك بدت زيارة وزير الدفاع الروسي شويغو إلى سوريا دون إعلان مسبق ثم لقاؤه بشار الأسد في قصره بدلاً من استدعائه كما يفعل الاحتلال عادة، وكأنها تختصر كل شيء لجهة الوصول المفاجىء والمداهمة دون طلب موافقة على الزيارة ولا على المناورات نفسها بل وضع بشار في الصورة شكلاً وبطريقة دعائية محضة للقول إن سوريا تحت السيطرة من أجل استخدامها في الحرب الباردة وربما حتى الساخنة المحتملة مع الغرب والناتو.

من هذه الزاوية تسعى روسيا عبر المناورات الدعائية إلى تكريس نفوذها في سوريا الأسد الطائفية المتجانسة والمنطقة بشكل عام، كما إنها بالتأكيد ذات علاقة مباشرة بالصراع مع أمريكا والغرب والناتو حول أوكرانيا وتقاسم النفوذ خاصة مع استعراض للقوة عبر مشاركة سفن المحيط الهادي وبحري الشمال والأسود.

 وهنا ثمة إشارة متعمدة كذلك إلى رغبة روسيا في توسيع الصراع بحيث لا يقتصر على أوروبا وأوكرانيا من أجل استنزاف الناتو في جبهات ساحات متعددة والضغط على قواعده ونقاط انتشاره بالمنطقة.

وعموماً، تسعى موسكو إلى تكريس صورتها النمطية كقوة عظمى متماسكة، وزيادة أوراق القوة التفاوضية لرسم النفوذ، وتحديد مناطق السيطرة والاعتراف بها كقوة عالمية، علماً أن أمريكا تنظر إليها كقوة عظمى ولكن من الدرجة الثانية، كما كان يقول الرئيس السابق باراك أوباما ساخراً كون الأمر لا يقتصر على القوة العسكرية وإنما بالمعنى الواسع لها تحديداً الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، والتي لا تملك روسيا ما تقدمه فيها.

أما فيما يخص البعد الإسرائيلي فتبدو تل أبيب مطمئنة وغير قلقة من الضجيج الروسي رغم كل ما يشاع، كون التفاهم والتنسيق مستمراً بين الطرفين ولا شيء تغير على الأرض. وهنا يجب الانتباه إلى الغارات الإسرائيلية  نهاية شباط  فبراير جنوب دمشق، والتي بدت لافتة ومتعمدة، وإضافة إلى تحقيق فوائد تكتيكية عبر استهداف اجتماع عسكري لإيران وميليشياتها، إلا أنها حملت رسالة إسرائيلية واضحة مفادها أن لا شيء تغير بعد، المناورات وتل أبيب ستواصل نفس السياسة وحرية العمل المتفق عليها أصلاً مع الاحتلال الروسي تماماً كالقصف الذي جاء بعد المناورات الجوية الاستعراضية للاحتلال الروسي - نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي - مع طائرات أو بقايا سلاح جوّ بشار الأسد المخصص أساساً لقتل الشعب السوري ببراميله المتفجرة سيئة الصيت.

وفي السياق نفسه لا بد من الانتباه إلى أن إسرائيل تعاطت بحذر وانتهازية كعادتها مع الأزمة الأوكرانية عبر سعيها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها تحديداً لجهة ضمان استمرار غاراتها وهجماتها التي تستهدف التموضع الإيراني في سوريا، الهدف الذي تدعمه روسيا أيضاً، إضافة إلى رغبتها في إبقاء النافذة الإسرائيلية المفتوحة على أمريكا والغرب بشكل عام حتى لو أضعفت تلك الهجمات نظام الأسد الفاقد للحيلة ونالت من هيبته، ولكن دون أن تسقطه حسب التفاهم الأساسي والمركزي بين الجانبين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات