بعد الدرس الأوكراني: هل تقرّ الدول بأخطائها في سوريا وتسمح بإصلاح المعارضة؟

بعد الدرس الأوكراني: هل تقرّ الدول بأخطائها في سوريا وتسمح بإصلاح المعارضة؟
حظيت المقارنات بين قيادة الحكومة الأوكرانية لأزمة بلادها مع العدوان الروسي وبين قيادة المعارضة السورية للمعركة مع النظام في حربه على الشعب، بتفاعل كبير خلال الأيام الماضية، ورغم الانقسام في وجهات النظر إلا أن غالبية السوريين متفقون على ضرورة أن تحظى الثورة بممثلين على مستوى أفضل لقيادتها.

المقارنة بدأت مع الحضور المميز للرئيس الأوكراني ووزير دفاعه وبقية المسؤولين الرئيسيين في الحكومة، حيث اعتبر الكثيرون أن نجاح الأوكرانيين في إدارة الأزمة سببه الرئيسي كفاءة القائمين عليها، الأمر الذي افتقدته الثورة السورية حتى الآن.

وذهب البعض أبعد من ذلك عندما رأوا أن المسؤولين الأوكرانيين، ومن خلال وجودهم المستمر بين الناس ووسط المعارك، وكذلك بتمسكهم بالمواقف والثوابت التي أعلنوا عنها، قلبوا كل الحسابات التي كانت تصب في صالح القوة الروسية، وأفشلوا مخططات بوتين التي كانت تتطلع لحسم المعركة خلال أيام قليلة.

مقارنة ظالمة

لكن وجهة النظر هذه على كل ما فيها من صحة، إلا أنها لا تأخذ بالاعتبار، حسب الكثيرين أيضاً، معطيات عديدة أسهمت في النجاح الذي حققه الأوكرانيون حتى الآن.

وفي هذا الصدد أشار المعارض السوري عبد المنعم زين الدين أن المقارنة المنتشرة في الحرب بين ‎أوكرانيا وروسيا من جهة، وبين الثورة السورية بهذه الطريقة من جهة أخرى ليست عادلة، لأنها تتجاهل العديد من الاعتبارات.

وقال في منشور له على حسابه في موقع تليغرام: في سوريا الجيش تركيبته طائفية، وقد وقف ضد الشعب السوري وثورته، إلا القلة الحرة التي انشقت عنه، وهو شريك المحتلين القتلة، بينما في أوكرانيا فإن الجيش وطنيّ يحمي الشعب ويقاتل المحتلين الغزاة.

‏وأضاف: في سوريا بدأ الثوار معركتهم سِلمياً لا يمتلكون أيّ سلاح، وظلوا شهوراً يواجهون الرصاص بصدورهم، وسلاحُهم حناجُرهم فقط، أما أوكرانيا، فقد بدأت معركتها منذ اللحظة الأولى، وهي بكامل سلاحها المجهز بالطائرات والعربات والمدرعات ومنظومات الصواريخ والاتصالات والمضادات وغيرها.

كما إنه بما يخص سوريا، فإن المواقف الدولية المنددة بجرائم النظام لم تتحرك إلا بعد مدة طويلة، ولم تتضمن خلال عشر سنوات إلا مجرد تصريحات ومواقف دبلوماسية شكلية، بالمقابل فإن المواقف الدولية سبقت المعركة، بأوكرانيا، ومع أول ساعات الحرب، وخلال أيام تجسدت بخطوات قوية في دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا.

‏كما نوه زين الدين إلى الفرق الشاسع في الدعم الذي حظي به كل طرف، فـ "في الثورة السورية منع الدعم العسكري النوعي عن الثوار، أما أوكرانيا، ورغم امتلاكها ترسانة سلاح ضخمة تشمل آلاف الدبابات والعربات ومئات الطائرات، وجيشاً ضخماً مجهزاً، إلا أن الدول الغربية وخلال الأيام الأولى من المعركة تسابقت على دعمها بأعداد هائلة من الطائرات وصواريخ مضادات الطيران والدروع وكل أنواع الدعم العسكري".

كما ركز على استخدم العدو كل أنواع الأسلحة المحرمة في جميع أنحاء سوريا ضد الثوار والمدنيين ( عنقودي - فراغي- ارتجاجي- فوسفوري - كيميائي) إضافة للبراميل المتفجرة، بالمقابل فإنه "حتى الآن هناك تخوف روسي من عواقب استخدام هذه الأسلحة في أوكرانيا، حتى وإن هدد ببعضها واستعرض".

وخلص زين الدين إلى أنه "لا مقارنة مطلقاً بين الثوار في سوريا وبين أوكرانيا، لا من حيث الظروف ولا مقومات الصمود، ولا المساحة والإمكانات، ولا المواقف الدولية، ولا حجم وحشية العدو وتدميره للمدن، ولا أي شيء آخر"، مذكراً بالأعداد الكبيرة من الشهداء والضحايا من قادة الثورة العسكريين ومن الناشطين والمقاتلين والمدنيين الذي سطروا ملاحم بطولية من التضحيات من أجل قضيتهم العادلة التي لم تحظ بالدعم والمساندة المطلوبة.

لا مقارنة

لكن البعض يرى أن مجرد المقارنة بين الحالة الأوكرانية والثورة السورية غير منطقية ولا تصح، بحكم الاختلافات الموضوعية والذاتية بين الحالتين، مع الإقرار بالدور المهم الذي لعبته "القيادة" سواء سلباً أو إيجاباً.

وحسب هؤلاء فإن الفرق كبير بين ثورة شعبية ضد السلطة الحاكمة التي تتسبب عادة بانقسام مجتمعي، مقابل عدوان خارجي يستجيب له المجتمع بأعلى درجات التوحد، إضافة إلى أن قيادة الثورة والمعارضة السورية لم يتم فرزها بشكل منظم، بينما دخل الأوكرانيون المعركة وهم ضمن دولة مستقرة تتمتع بمؤسسات قوية، بما في ذلك مؤسسة الجيش الوطني، وتقودها حكومة منتخبة تمثل الشعب.

بل إن وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات، يرى أنه وإلى جانب الاختلاف في طبيعة ومضمون الملفين، فإن مصالح الدول المتباينة بين أوكرانيا وسوريا كان له الدور الحاسم في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه في كلا البلدين.

ويقول في تصريح لـ"أورينت نت:" معظم الدول الفاعلة كان لها مصلحة في إطالة عمر الحرب في سوريا من أجل استنزافها وانهاكها، وهي مصلحة إسرائيلية روسية إيرانية قطعاً، إضافة إلى أن بعض الدول الغربية كانت تسعى لتوريط إيران وروسيا في المستنقع السوري من أجل استنزافها فيه أيضاً، بينما في أوكرانيا فالجميع كانت لديه مصلحة في عدم انتصار الروس وإلحاق الهزيمة بهم.

ولذلك، يعتقد علوان، أن التدخلات المستمرة في عمل المعارضة السورية وتشكيلاتها والتلاعب ببنيتها وخيارات تمثيلها كان متعمداً من غالبية الدول التي أعلنت وقوفها إلى جانب الثورة، واستفادت من هذه الفوضى لأجل التدخل المباشر أو غير المباشر عبر، فاعلين محلين لتحقيق مصالحها، مقابل تماسك القيادة الأوكرانية ووضوح هويتها المستمدة أصلاً من صدورها عن إرادة الشعب وعبر انتخابات ديمقراطية، الأمر الذي سيحد بالطبع من التدخل الخارجي في رسم سياسات الحكومة، وهو ما لم يكن متوفراً في حالة الثورة السورية.

فرصة

 

لذلك فإن العديد من المحللين يرون أن الحدث الأوكراني يجب أن يمثل فرصة استثنائية لكي تراجع القوى الرئيسية سياساتها وأساليب تعاملها مع الملف السوري، وخاصة لجهة التدخلات في مؤسسات المعارضة التي كانت سلبية غالباً وأدت إلى وصولها إلى المستوى الحالي من الضعف والترهل.

وهنا يعتقد الديبلوماسي السوري المنشق بسام بربندي أنه إذا كان هناك نية للاستفادة من الدرس الأوكراني بما يخص سوريا، فيجب أن يبدأ من المساعدة بانجاز إصلاح مؤسسات المعارضة وتمكينها.

ويقول في حديث مع "أورينت نت": على المجتمع الدولي التوقف عدم دعم استمرارية المسؤولين الحاليين في مؤسسات المعارضة، والسماح للسوريين بإنتاج قيادات أكثر تمثيلاً للشارع وتعبيراً عنه، بما يؤدي إلى التماهي المطلوب بين الشعب وقيادته من المعارضة، مع التأكيد على أن هذا الإصلاح يبدأ من قبلنا نحن السوريين.

ويضيف: المجتمع الدولي يعترف بالائتلاف كواجهة وحيدة للمعارضة السورية، وهذا الاعتراف جاء بنص قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والدول الفاعلة بالملف السوري تخشى من أن يؤدي خروج هذه المؤسسة من المشهد إلى انتهاء مفعول هذه القرارات، لذلك فالجميع متمسك بها ويقولون لنا إن عليكم المحافظة على هذا الجسم السياسي، لكن أعضاء الائتلاف فهموا أن هذا يعني المحافظة عليهم هم كأشخاص في الائتلاف وليس الائتلاف كمؤسسة !

وحول إمكانية أن تجد أفكار إصلاح الائتلاف وبقية مؤسسات المعارضة طريقها للتطبيق بتأثير الدرس الأوكراني بعد أن استعصت من قبل، ومدى توفر شروط ذلك حالياً، يقول بربندي: كانت هناك محاولات عديدة في السابق أجهضت، ودائماً لعبت التدخلات الخارجية ورغبة الدول بالحفاظ على وكلائها الدور الأساسي في ذلك، ولذلك خرج طرح أخير بإجراء انتخابات للائتلاف بعيداً دائرة التأثير الخارجي، لكن بعض الدول الاقليمية رفضت ذلك لأنها لا تريد أن تخسر محاصصتها، بينما لم يعد الملف يعني للأمريكان والأوربيين الكثير خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أبقى الوضع على ما هو عليه، لكن اليوم أعتقد أن الجميع يجب أن يقر أن مصلحته هو في وجود معارضة قوية وفاعلة ومعبرة عن الشارع.

ويتفق وائل علوان مع بربندي في أن المعارضة السورية أمام فرصة استثنائية اليوم ليس فقط لتصحيح وضعها وإعادة ترتيب بيتها الداخلي، بل وكذلك من أجل أن تستأنف مؤسساتها دورها الطبيعي كممثل للشعب السوري وكبديل للنظام أيضاً.

ويقول: لنفترض الآن أن المجتمع الدولي قرر معاقبة بوتين في سوريا أيضاً من خلال التخلص من النظام التابع له، فهل المعارضة بواقعها الحالي قادرة على أن تكون بديلاً ناجعاً؟ بالتأكيد لا، وعليه، ولأن هذا الاحتمال بات وارداً وبقوة حتى وإن لم يكن خلال وقت قصير، فإن على المعارضة أن تكون بحجم المسؤولية التاريخية اليوم وتتحرك بجدية وبإخلاص لإصلاح مؤسساتها.

لا مقارنة إذاً بين ظروف المعركة الأوكرانية بمواجهة العدوان الروسي، وظروف معركة الشعب السوري ضد النظام وحلفائه، لكن الدرس الأهم الذي يجب الاستفادة منه هو ضرورة وجود قيادة متماسكة وممثلة للشعب تدير المعركة وتزيد من فرص الانتصار بها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات