الدروز وهشاشة النظام

الدروز وهشاشة النظام
ليس سرّاً الدروز مذهب مغلق وليس سراً أنه غير تبشيري، ولا أعلن شيئاً جديداً عندما  أقول إن الدّروز محلّ سوء فهم أو حذر على الأقل، وإن خلق مرجعية للدروز هو حديث العهد ويثير الشكوك عند الدروز أنفسهم وعند باقي المذاهب وأيضاً التيارات الوطنية والقومية، والتي تريد بناء وطنية ومدنية، ولا يخفى عليكم جميعاً سعي النظام والقوى الإقليمية، وخاصة إيران، في إيقاد نار الريبة والمذهبية، وكيف اشترى المال الذمم تحت طقس المشيخة والمرجعية لعل الأمر يكون نافذاً. 

كل ذلك فعلته السلطة وأكثر، مستغلة حقائق أو كلمة حق تريد بها باطلاً ...

في الحراك الأخير، رفع بيرق مذهبي وأثار زوبعة من تساؤلات لدى الدروز أنفسهم قبل أن يثار من قبل السلطة والقوى الوطنية، ولكن فات الجميع أن رفع البيرق كان نتيجة لصبر دؤوب قامت به قوى الأمن مستغلة شعارات حقيقية لتضليل الرأي العام وخلق فوضى عارمة تزيح الهدف جانباً ويتم فيه تناول  الطقس. 

ولقد استشعر أذناب الأمن أن الحبل على فوهة بركان، وأنها فرصة نادرة للتشويه والخلاص من تهديد السويداء، الذي أجلت الرد عليه مراراً لتبقى كذبة حماية الأقليات قائمة. ولا يخفى على أحد أن قوى إقليمية كانت تمنع ذلك أن يحدث لأسباب ومصالح متعلقة بالخوف من تواجد إيران في المنطقة. 

ولما كانت السويداء ناشطة مدنياً، وتملك هامش حرية فرضه مسار الأحداث، كان لابد للسلطات الأمنية من العمل على أن الدروز عملاء إسرائيل، وإنه لا ضمان لعروبتهم، وإنهم يشكلون أصولية من نوع ما، وكنت شاهدة أنا والكثير على تخوف الناس في الداخل من مشهد بيارق أوحت بميراث طائفي ثقيل، وأن بعض حامليها كانوا أدوات تخريب على كل مستوى، وأن تحركاً سريعاً  يتوجب على القوى والتيارات القيام به. 

وبدأ السجال الذي انتهى بأن شاركت أطياف متعددة  في هذا الحراك وخرجت ببيان يعلن وبصورة قطعية أن الجبل هو سوريا وأن سوريا هي الجبل، وأن الحراك يهدف إلى تحديد الثورة من أجل الحرية والكرامة، ولكن البيرق بقي محمولاً، وكانت حجة حامليه أنه رمز الثورة السورية الكبرى، وأنه ليس مطعوناً بتاريخ مذابح طائفية، وأن حملته يستطيعون أن يكونوا لاعباً محورياً في الحراك السوري المستمر.

ثم ينتهي المشهد بذهاب الشيخ (موفق طريف) إلى روسيا، ويتوقف الحراك أياماً ثم يعود إلى التجدد يوم الجمعة في الثامن عشر من شهر شباط، بينما يتصدر الحدث في السويداء أجندة إسرائيلية على لسان وإعلام السلطة، وهذا ليس غريباً، بل وكان متوقعاً على ضوء فشل الأمن في تحويل الحراك إلى صيغة مذهبية وانفصالية، وإلى كون البيان شكل انتصاراً  أظهر جبن وتواطؤ من أراد شيطنته، وبيّن عورات كانت مغطاة بورق التوت.

ولا بد من القول مع تحفظنا على حمل البيارق, ومشاركة مذمومة وخبيثة من البعض، أن الجبل سيبقى المسافة التي لا تنتهي بين الوطنية والمذهبية والدين والحكم، وأنه لا بد من بناء دولة مواطنة بين الشارع والنظام. 

حراك الجبل بيّن ارتباطاً وثيقاً بين القوى المتحكمة بالقرار السوري، وأنه مستعد ليفعل أي شيء كي يبقى. 

حراك الجبل بيّن للسوريين مدى الجوع والقهر والذل والتهميش، وأن الحكم العسكري يجعلنا جميعاً في الذل سواء، وعندما تجتاح قوى إيرانية الجبل مع ما تبقى من قوات حكومية، ندرك وهم أن يكون هذا النظام يوماً قابلاً للحوار، وأن من يوالي اليوم هو يحمي الظلم ويتحول إلى رقم لا معنى له، وأن من يعمل بصبر على حماية نظام مخابراتي يعمل على محو التاريخ والحقائق عبر إعلام فوضوي وفاسد، وعبر تفريغ أي حراك من مفاعليه السياسية وثوابته الوطنية ومراهنته على قوى خارجية تجعله في حالة انحدار مستمر، وبهمة غير معهودة ومقصودة، أخرجت سوريا من التاريخ وجعلت القوى المتكالبة تسعى لسد الفراغ.

و قد قدم الحكم الكثير والكثير لروسيا وإيران وأميركا ولم يقدم لشعبه سوى القتل والتشريد والتخوين والتجويع، وهنا لا بد أن يعلم الجميع أن حراكاً أريد به باطل، أعطى في اللحظات الأخيرة إشارات الأمان الوطني والروحي وأن طقساً مذهبياً قد ظهر فهذا يعني أن الانتماء الضيق مهرب وملاذ ودليل على تمزق أمعنت السلطة في إحداثه، ويفسر بنفس الوقت حيرتنا بين تمزق روحي وأخلاقي ومادي وبين  خطاب حكومة  لا يروم سوى الإمعان في الظلم والقهر...

التعليقات (1)

    Bashar Alaswad , M.D.

    ·منذ سنتين شهر
    Thank you for this article . Yes the mountain is Syria and Syria is the mountain
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات