فيلم (في سوريا): سينما بلجيكية عن نساء الأحياء المهجورة والاغتصاب والوحشية

فيلم (في سوريا): سينما بلجيكية عن نساء الأحياء المهجورة والاغتصاب والوحشية
اللقطة الإبداعية في الفيلم البلجيكي (في سوريا)، تكمن في تسليط الضوء على السكان القلة القليلة التي لم تبرح مكانها. استوقفني الفيلم لتحليل شكل العلاقات الاجتماعية والأسرية داخل هذه الأحياء المهجورة، والصراعات الدلالية والميكانزيمات الغالبة لدى قاطني هذه الأحياء، صورة السلطة وسبل مقاومتها ثقافياً، صورة الذات لها دلالتها أيضاً.

ذكاء اجتماعي للتعامل مع المشكلات المتجددة سرقة واغتصاب وقتل ودمار، وعصابات سرقة، هنا الآن: هذه هي الحرب التي يشنها نظام الأسد على أم يزن الممثلة الفلسطينية  (هيام عباس) الأم لثلاثة أطفال، تودع زوجها صباحاً مع زفّه لها خبر إمكانية فرصة للسفر.

هكذا اختار المخرج البلجيكي (فليب فان ليو) أن يخاطب المجتمع الأوروبي. عبر شخصية أم يزن يوجه السيناريو ضربات سينمائية قاصمة لظهر النظام، بالتحديد أم يزن نموذج إيجابي شامل ومتجدد، للحديث عن مهمّشي الحروب، هؤلاء الذين اختاروا البقاء أو ربما البقاء اختارهم، ماذا يمكن أن نسميها: "عشوائيات الحرب السورية"؟!

يسلط الفيلم الضوء على شخصية نسائية أخرى (حليمة) التي أدت دورها الممثلة اللبنانية (دياموند بو عبود)، الشابة التي دفعها التكاتف إلى انتقال سكنها لشقة أم يزن المحصنة في بناء هجره الكل ما عدا هاتين المرأتين.

الديناميكية المختزلة في الصراع ضد الموت  تتجلى حين يودع زوج أم يزن زوجته، زافاً خبر السفر. هنا تتشارك النساء أقدار الحرب. الرجلان يخرجان بلا عودة، فحليمة هي الأخرى ودعها زوجها صباحاً.

رؤية نقدية تحليلية 

تظهر ذات المرأة السورية المؤمنة بالحرية فتبدو الذات إيجابية من صفاتها التضحية والشجاعة والنبل... وتبدو هذه الصفات ظاهرة في قراءة السيناريو بصرياً.

كما يتم في السيناريو التركيز على المرأة بصفة خاصة كونها جسداً وأداة جنسية، حيث تتعرض حليمة للاغتصاب، وتزداد جرعة التراجيديا، بتلقي حليمة خبر إصابة زوجها بالرصاص فور خروجه من البناء، هنا الآن: صراع الحياة والموت الجمال والقبح والحب والكره. هذه الأضداد تظهر في مشهد خروج حليمة المغتصبة تبحث عن زوجها في عتمة الليل. هنا لا بد من الإشادة ببراعة المخرج، الذي يظهر اشتغاله على الخبر السوري الغريب في سجل اهتمامات الغرب نوعاً ما، وهذا الاشتغال لا يدلّ على بدائية أساليب بل أساليب حداثية مُحققة، منها لجوءه لمستشارين مختصّين بالحقل السياسي السوري، ومتابعته لكل مجريات الأحداث.

العلاقة بين المرأتين تميط اللثام عنها تلك الحوارات التي تفصح عن حب متبادل، المجاز الأبوي الثقافي السوري، زاد تماسكه مع إيغال وحشية آلة حرب النظام الموغلة في الإجرام. 

يظهر المخرج الثورة السورية إظهاراً فيه تحول المجتمع السوري من المجاز الأبوي إلى القانون الاجتماعي بتشعباته من عادات وتقاليد ومثل.. ويظهر الفيلم علاقة غير سوية بل مرآوية (من المرآة)  مكسورة ومهشّمة، حيث السلطة تستخدم آلة حرب موغلة في الوحشية تحيل صورة البلد كله بأبنيته وبشره إلى شظايا وهشيم.. إنه إنجاز نظام  هو من وجهة نظر أبطال الفيلم نظام غير شرعي قائم على الطغيان والاستبداد.

 إن السينما في فيلم (في سوريا) هي بحث بصري ودرامي عميق في لا شعور المجتمع.. لا شعور الواقع الملتبس بعبثية اللامعقول والا إنساني، السينما هي ما بين السطور، فهي مرآة معكوسة ومكملة... رغم تشظيها. 

التعليقات (1)

    بوعكاز احمد

    ·منذ سنتين شهر
    منحة البطالة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات