فقط بمناطق النظام.. الطلاب وحملة الشهادات يُجبَرون على العمل بالمقاهي

فقط بمناطق النظام.. الطلاب وحملة الشهادات يُجبَرون على العمل بالمقاهي
فقط في دولة أسد، يجد الموظف الحكومي نفسه مجبراً على البحث عن وظيفة ثانية، وربما ثالثة، بهدف رفد راتبه الشهري، الذي بات لا يساوي اليوم جناح بعوضة، في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها مناطق سيطرة أسد، وكذلك كان الحال بالنسبة للطلبة في المراحل الأكاديمية والدراسات العليا، حيث يجد الغالبية من هؤلاء أنفسهم محاصَرين للقبول بوظائف مختلفة، تتشابه في الأهداف وهي الحصول على مبالغ زهيدة تكفل لهم متابعة مسيرتهم التعليمية.

ومع دخول الأزمة الاقتصادية في مناطق أسد مرحلة غير مسبوقة من التضخم والغلاء، وجد هؤلاء أنفسهم أمام مرحلة جديدة؛ وهي قبولهم العمل في وظائف من نوع آخر، لا تُهين كرامتهم وحسب، بل تُهين سنوات حربهم الطويلة التي خاضوها في سبيل الحصول على الشهادة الأكاديمية، في ظل غياب حكومة أسد عن إيجاد الحلول لدعم هذه الشريحة، التي لم يفصلها نظام أسد قط عن جناحه العسكري والسياسي، بل وضعها في قائمة المستهدفات من الحرب الكونية، التي لا وجود لها سوى في مُخيلة نظام أسد.

"صبيان أراجيل" وظيفة جديدة لقتل طموح النُّخبة الأكاديمية  

"صبي أرجيلة"، مصطلح لوظيفة يعرفها السوريون جيداً، حيث جرت العادة أن توكل تلك الوظيفة إلى الصبية للقيام بها، لكن ولأن المفاهيم تكون معكوسة دائماً في دولة أسد، باتت المهمة توكل إلى الموظفين الحكوميين، وطلبة الجامعات والدراسات العليا، حتى وصل الأمر ببعض المطاعم المصنّفة بالنجوم الخمس لوضع الشهادة الأكاديمية شرطاً أساسياً للظفر بها.

محمد عاصي 26 سنة، لم تشفع له سنواته الأربع التي قضاها في دراسة الهندسة الزراعية في الحصول على وظيفة، ليس لحفظ كرامته كما يقول، وإنما لحفظ كرامة السنوات الطوال التي قضاها في سبيل الحصول عليها، حيث وجد نفسه مُجبراً على العمل كصبي "أرجيلة" في مقهى (رُمان) الكائن على أوتوستراد منطقة المزة بدمشق.

ويعلّل محمد لأورينت نت سبب وجوده في هذه الوظيفة بالقول إنه أمسى أمام خيارين: إما الذهاب إلى خدمة جيش أسد، أو متابعة دراسة الماجستير في اختصاصه، ومن الطبيعي لشخص قبل أن يعمل بمثل هذه الوظيفة، ألا يملك ثمن الخيار الثالث، وهو السفر خارج سوريا.

ويتابع محمد حديثه: لستُ الوحيد من يعمل بها، وإنما هنالك عدد كبير من حملة الشهادات الجامعية في مراحلها المختلفة يعملون بها، وخاصة في المطاعم والمقاهي التي تصنَّف كخمس نجوم، حتى أمسينا مادة للسخرية بين زبائن ورواد تلك المطاعم، كمثل قولهم إن "أرجيلة طلاب الصيدلة في المطعم الفلاني أفضل من أرجيلة المهندسين في هذا المطعم".

ويختم حديثه بالقول: "إنها وظيفة تقتل الطموح، وتلغي هويتنا كنُخبة في المجتمع، بل يتعدى الأمر إلى شعورنا بالذُل منها، ليس لنوعية الوظيفة وحسب، بل بسبب تفنّن شبيحة أسد وأبنائهم في إذلالنا، والذين يشكّلون غالبية زبائن هذا المقهى.

المال الحرام: حرام علينا وحلال على ضباط أسد!

لا يختلف حال (عبد الله) عن حال محمد عاصي، فقد وجد نفسه للأسباب ذاتها مجبراً على العمل في مطعم (الدامسكينو) داخل منطقة تنظيم كفرسوسة في دمشق، حيث فضّل لأسباب أمنية أن يخفي اسمه الصريح وشهادته الجامعية. يروي عبد الله لأورينت نت: "يشكّل ضباط أسد وأبناؤهم، بالإضافة للشبيحة، غالبية زبائن المطعم، والذي يصنَّف كدرجة سياحية أولى، وبالتالي ينعكس هذا على أسعار الخدمات التي يقدمها".

يضيف عبد الله: "لم تشكّل نوعية الوظيفة بحدّ ذاتها ذاك الأذى النفسي، بقدر ما تشكّله نوعية الزبائن، حيث أجد نفسي مضطراً لتوزيع الابتسامات على من كان سبباً في قبولي للعمل في مثل هذه الوظيفة، فهم يعلمون أننا نعلم بأنهم حفنة من اللصوص والفاسدين، وإلا فكيف لهم أن يدفعوا في يوم واحد، ما يساوي راتبي الشهري كاملاً؟". ويستطرد قائلاً: "أصبحوا يعلمون من أكون، والشهادة التي أحمل، فيستوقفونني لحظات، ليشرحوا لي مخاطر المال الحرام، وإعطائي دروساً في العفّة والأخلاق، وتشجيعي على الاستمرار بهذا العمل، بينما وكأنهم يقولون: “مالكم الذي نسرقه حلال علينا وحرام عليكم".

إعلام أسد يعترف: نخبة شبابنا وموظفينا يتسوّلون "البقشيش"

اعترفت صحيفة تشرين الموالية، أن عدداً كبيراً من الجامعيين والموظفين من حملة شهادات الدراسات العليا، باتوا اليوم مُجبرين على القبول بوظيفة "صبيان الأراجيل" في مقاهي دمشق ومطاعمها، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة أسد، واكتفى التقرير الذي نشرته الصحيفة، بإطلاق عبارات المديح والثناء على هؤلاء، متجاهلةً من كان السبب الرئيسي في دفع هؤلاء بعد سنوات الدراسة الطويلة للقبول بمثل تلك الوظيفة، وهو نظام أسد. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل صوّرهم التقرير بأنهم يقبلون بتلك الوظيفة بسبب "الإكراميات“، والتي تُعرَف بين السوريين بـ "البقشيش"، والتي يتصدق عليهم بها من سرق لقمة عيشهم، وحوّلهم إلى متسوّلين يلهثون وراء "البقشيش“ من ضباط أسد وشبيحته.

موالو الأسد يهاجمون إعلامه: "لا تنظروا علينا"!

هاجم موالو نظام أسد صحيفة تشرين فور نشر مقالتها على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث قال أحمد: "لسا بدكن تخلّو شباب هالبلد تشتغل بالزبالة وتكتبولنا مقال انو الشغل مو عيب وشباب طموح وقوي"، بينما هاجم باسل يوسف نظرية الصمود بقوله: "مبسوط بمقالتك كتير شي بفتح النفس، شهادات وعقول غَرَاسين بمطعم، انو شو العبرة وين الحكمة والا تحميلة صمود جديدة“، ومن جهته سخر نورس عيسى من مقال الصحيفة، وقال إنها بمثابة محاضرة توجيه سياسي من قيادة النظام، متسائلاً كيف لمن يعمل بمثل هذه الوظيفة أن يكون فخوراً وسعيداً.

ويسعى نظام أسد بشتى الوسائل إلى تسجيل براءات اختراع في إذلال جميع الطبقات الاجتماعية الواقعة تحت سيطرته، حتى وصل قطار الإذلال الذي تقوده مخابرات أسد إلى الطبقة المثقفة، التي كان قد نسج نظام أسد عبر إعلامه عبارات الغزل لها، بوصفها رديفة لنظامه في مواجهة حرب أسد.

التعليقات (1)

    lebnaneh

    ·منذ سنتين شهر
    اكثر شي مضحك قال في صحافية قالت انو بوتين استشار بشار قبل غزو اوكرانيا www.lebnaneh.com
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات